ماكرون وخفايا الإعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية
مقالات
ماكرون وخفايا الإعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية
م. ميشيل كلاغاصي
26 تموز 2025 , 19:27 م

م. ميشال كلاغاصي

26/7/2025

يدرك الرئيس ايمانويل ماكرون أن المشاريع الكبرى, كمشروع الشرق الأوسط الجديد, هي أحداث تاريخية مفصلية قد لا تتكرر, وأقله تدوم مفاعيلها ونتائجها وتستمر لعقود وربما لقرون, كما يدرك أنه سليل فرنسا الطرف الرئيسي في اتفاقية سايكس – بيكو, التي تخضع اليوم لمبضع الجراح الأمريكي – الإسرائيلي, على حساب كافة القوى الدولية, ومن بينها فرنسا, وإحالة دورها إلى التقاعد, ومنع مشاركتها برسم خرائط المشروع الجديد.

ناهيك عن إدراكه حجم الضلال والنفاق الذي إعتمده مستغلاً وجوده في الإليزيه لأجل مصالحه الخاصة ولأجل غطرسته, وبأنه أخذ فرنسا بعيداً عن شعارات الثورة الفرنسية والجمهوريات المتعاقبة, بعد أن ساق بلاده بغباء نحو فخاخ التبعية الأمريكية, ونحو خسارة فرنسا مقعدها الدولي السابق في قيادة العالم, وفقد بمرور الوقت كل أمل في التعويض, أو بتغيير المقعد الممنوح لفرنسا كدولة تابعة, بالإضافة إلى ضئالة الوقت المتبقي لمغادرته الإليزيه في 25 أيار/2027.

أمورٌ بمجملها قادته نحو استغلال إنغماسه في التبعية لمحاربة روسيا, على أمل تحقيق شيء من الإنتصار في حال خسارتها وهزيمتها, لكن الإفلاس أصاب فرنسا وأنهك خزينتها وإقتصادها وأفقر شعبها, وبات ماكرون يسابق الزمن برفع سن التقاعد, وزيادة ساعات العمل, وإلغائه مؤخراً يومين من أيام العطل الرسمية, وتجميد رواتب ومزايا المتقاعدين, بهدف زيادة الإنفاق الدفاعي الفرنسي وشراء الأسلحة الأمريكية لصالح الناتو ودعم سلطات كييف المترنحة سياسياً ميدانياً, وتقترب شيئاً فشيئاً من إعلان الإستسلام, وبات يخشى إقالته شعبياً في شوارع باريس والمدن الكبرى من خلال التظاهرات الشعبية الغاضبة التي سبق واختبر بعضها .

وراح يبحث عن مسالك اّخرى تُفيد إخماد غضبه وفشله وهزيمته, ووجد ضالته بتحفيز الأوروبيين وتجنيدهم في معسكرٍ أوروبي تحت عناوين "الأمن الأوروبي" , "الجيش الأوروبي", "السيادة واستقلال القرار الأوروبي", بهدف الإنتقام من الولايات المتحدة أيضاً, وعرقلة مصالحها وخطط الرئيس ترامب الذي أعلن رغبته بإعادة أمريكا "لتكون عظيمة مجدداً".

رغبته بالإنتقام, دفعته نحو إعلان عزم بلاده على الإعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول القادم, وتحفيز الأوروبيين الذين لم يفعلوها من قبل, رغم إدراكه المسبق لحجم الغضب الأمريكي والإسرائيلي من هكذا إعتراف, بتوقيتٍ حساس سيلحق الضرر بإدارة ترامب, وسيؤثر بشدة على مشروع الشرق الأوسط الجديد , خصوصاً وأنه قيد التنفيذ الحالي على الأرض.

لم يخف ماكرون مباهاته بقراره , وبأن تكون فرنسا أول دول مجموعة الدول السبع الكبرى التي تتخذ هذه الخطوة", في وقتٍ سارعت فيه الولايات المتحدة للتعبير عن استيائها وإنتقادها الشديدين لما أعلنته فرنسا, ولم يتوان الرئيس ترامب عن صفع ماكرون مجدداً, والتقليل من أهمية كلامه بقوله: "كلامه لا وزن له ولن يغير شيئاً"....

من السذاجة بمكان الإعتماد على صحوة ماكرون, وعلى إنسانيته, ومناصرته المفاجئة للقضية الفلسطينية والفلسطينيين, وهو الذي لم يتوقف - منذ بداية عملية طوفان الأقصى -, عن دعمه وتأييده لـ "حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها", ولم يُنصف المناضل الكبير جورج عبد الله بعفوٍ رئاسي واستمر بسجنه 41 عاماً حتى لحظة خروجه يوم أمس, علماً أنه المعروف بروحه النضالية وبدفاعه المستميت عن المقاومة والقضية الفلسطينية, بالإضافة إلى عدم إنصات ماكرون لأصوات العديد من نوابه, وبعض الأحزاب والهيئات والجمعيات الفرنسية والشعب الفرنسي, المؤيدة لوقف الإبادة الجماعية, والتهجير القسري, والتجويع القاتل الوحشي الذي يتعرض له الفلسطينيون في غزة.

من الواضح, أنه يسعى إلى استفزاز الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب من جهة, وتل أبيب من جهةٍ أخرى, على أمل حصوله على أي مكاسب إضافية تعينه في الداخل الفرنسي, وبإمكانية نجاحه ورفع مستوى تكليفه بالأدوار الدولية, على غرار منحه فرصة استقبال مظلوم عبدي زعيم قوات سورية الديمقراطية, ورعاية لقائه بالمسؤولين السوريين في الحكومة الجديدة, كذلك لقاء المسؤولين السوريين والإسرائيليين والمبعوث الأمريكي توماس براك على أرض فرنسا.

لا يمكن تصور تخلى ماكرون عن أطماعه في الشرق الأوسط, وسواحل البحر الأبيض المتوسط, وعينه على استخراج الغاز المُكتشف, وهو الذي يحمل أوراق اعتماد الشركات الفرنسية المتخصصة كـ "توتال إنرجي" على عاتقه الشخصي, كي يضمن عدم خروجه من الإليزيه خاوي الوفاض, وبفرصة التدوين على صفحاته الأخيرة, بأنه سيغادر كالأبطال وليس كالجبناء. 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري