امريكا والاقليم.
مقالات
امريكا والاقليم.
زياد ابو الرجا
24 تشرين الثاني 2021 , 17:28 م


ان القرار الامريكي بالانسحاب من افغانستان املته ظروف ذاتية امريكية بحتة،  لا علاقة بهزيمة لها او بنصر عليها من قبل الافغان.كما انه  ليس له علاقة بالتفرغ للتنين الصيني الصاعد لان امريكا كانت على مسافة صفر من الصين في افغانستان.

الانسحاب الامريكي هو اعادة انتشار وتموضع في الاقليم الشرق اوسطي الذي لا يمكن لاي قوة تبحث عن دور اقليمي لها الا وتشد الرحال اليه، فما بالك بالقوة الامريكية التي تموضعت في الاقليم بعد خروج القوى الاستعمارية  التقليدية منه واستلام امريكا مقاليد الامور بعد الحرب العالمية الثانية. ودخلت في تفاهمات وتحالفات سياسية واقتصادية وامنية وعسكرية مع الانظمة الحاكمة بما يضمن استمرار هيمنتها الكلية والمطلقة والضامنة لامن القاعدة الاستعمارية  الاستيطانية المتقدمة على ارض فلسطين.( الكيان الصهيوني).

ان القوة الاقليمية الوحيدة التي يركن اليها ويعتمد عليها المركز الامبريالي هي الكيان الصهيوني الاسبارطي. انه رافعة وركيزة الهيمنة الاستعمارية على الاقليم.

شكلت مصر وسوريا والعراق عبر التاريخ العربي الاسلامي صمام الامن والامان  لشعوب هذه المنطقة وبلدانها وتمت عملية زرع الكيان الصهيوني كورم سرطاني لمنع التحام هذه الاقطار العربية المستندة الى حضارات ضاربة في عمق التاريخ البشري  وخزان هذه الامة الذي لا ينضب سواء في الفكر والحضارة والعلوم والقوة العسكرية  والثقل الديموغرافي والعمق الجغرافي .جاء احتلال العراق في عام ٢٠٠٣ ليحيد هذا البلد العظيم ويخرجه من دائرة الصراع العربي مع الكيان الصهيوني حيث اجهز على الدولة والجيش ووضع دستورا طائفيا ( دستور بريمر)  والذي قبلت به كل الاطياف السياسية  العراقية السنية والشيعية والكردية.بعد ان ضمنت امريكا بان لا قوة في العراق  تستطيع الغاء دستور بريمرخرجت شكليا من العراق عام ٢٠١١ ولكنها ابقت على قوة عسكرية وازنة في اربيل مع اكبر محطة استخباراتية تغطي ايران وجنوب روسيا.عادت امريكا الى العراق عام ٢٠١٤ بذريعة محاربة  داعش التي خلقتها ورعرعتها وكالة المخابرات المركزيةبالتواطؤ مع مخلب الناتو تركيا اردوغان وشياطين الاخوان من اجل تدمير وتحييد سوريا.كانت عودة الجيوش الامريكية الى العراق على دفعات وبالتنسيق مع الحكومة العراقية ، بدات بالمستشارين والمدربين وانتهت بالجحافل والدبابات والطائرات والقواعد الجوية والمعسكرات البرية .

ان السفارة الامريكية(( المدينة الامريكية الحصينة والمحصنة)) في بغداد هي التي تمسك بالقرار السياسي والاقتصادي والعسكري والامني في العراق مع ترك هامش بسيط للقوى الاقليمية المجاورة كي تتدخل بالشأن العراقي بما يخدم في المحصلة النهائية الابقاء على العراق الطائفي المقسم والمشتت والملبنن.ما نراه من معارضة عراقية ما هو الا صدى صوتي اكثر منه فعل على الارض، خاصة بعد انتهاء دور الحشد الشعبي في قتال داعش.

كان العراق منذ العام ٢٠٠٣ وسيبقى تحت المظلة الامريكية  وسيبقى قاعدة الانطلاق للجيش الامريكي للتحكم بشرق الفرات  الى حين انضاج الظروف الموضوعية والذاتية لانشاء واقامة الكيان الكردي الكبير. الذي سيمتد غربا حتى شواطئ المتوسط مرورا بجنوب تركيا وشمال سوريا حيث يشكل كردستان العراق نواة هذا الكيان الذي يتصرف كدولة مستقلة عن العراقوالمسكوت عنه من كل القوى والاطياف السياسية العراقية.

في المقابل تقوم امريكا برعاية مشروع استراتيجي يضمن مرة والى الابد الفصل الجغرافي بين العراق وسوريا وهو مشروع ( المملكة العربية المتحدة يضم الانبار  وباقي الجغرافيا السنية في العراق والاردن وبعض المدن والبلدات الفلسطينية وستكون تحت العرش الهاشمي والراية الهاشمية. اعتقد ان هذا السبب الذي جعل امريكا  تدعم العرش العربي الهاشمي وتتخذ من الاردن مركزا  لقوتها الضاربة في المنطقة.في تسعينيات القرن المنصرم كان مشروع الكونفدرالية الاسرائيلية الاردنية الفلسطينية مطروحا على الطاولة وكان هذا السبب الرئيسي الذي دفع اليمين الفلسطيني  الى اتفاق اوسلو ولكن اسرائيل اجهظت هذا المشروع لانه يتعارض مع مشروع تهويد فلسطين كل فلسطين.البديل لهذا المشروع هو المملكة المتحدة التي يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات وبنظام برلماني ديموقراطي تتداول فيه الاحزاب السلطة تحت التاج الملكي ، ويعود اليه كل اللاجئين من الشتات بديلا عن العودة الى فلسطين.ان ما يجري من توقيع اتفاقيات بين الاردن والكيان وبمباركة السلطة/ الجيتو يصب في هذا الاتجاه.

ان امريكا ليست بحاجة لحشد جيوش جرارة لكي تنجز مشاريعها ان قاعدة التنف وحدها وبدعم من بعض اسراب الطائرات الامريكية في المنطقة كفيلة بمنع تقدم الجيش السوري  شرق الفرات وصد جيش اردوغان ومرتزقته من اقتحام المناطق الواقعة تحت سيطرة الاكراد. ان التبشير  بخروج ورحيل الامريكي  من المنطقة يفتقد الاساس الموضوعي والذاتي الذي يجعل امريكا تفكر مجرد التفكير  بالرحيل حيث ان كل الظروف مواتية لبقائها في العراق والخليج  وباقل كلفة مالية وقوة عسكرية مناسبة لا يستفز وجودها احدا. اما الحديث عن مقاومة عراقية ، فقد مضى اكثر من خمسة اعوام  على اطلاق شعار ( اما الخروج عموديا او افقيا) من العراق. لكن واقع الحال هو ازدياد الوجود الامريكي تجذرا وعلى مساحة العراق كلها وتتغذى منه كل الاحزاب المتصارعة والمتنافسة.

ان اعادة الانتشار والتموضع الجارية الان ستفضي الى الغاء بعض الكيانات الوظيفية  واحياء وانعاش كيانات اخرى وتوسعة رقعتها ودورها الاقليمي( المملكة العربية المتحدة)  بما يضمن امن الكيان من جهة  وافساح المجال لامريكا  كي تتفرغ لاعادة بناء بنيتها التحتية المهترئة وتحديث آلتها الحربية بما يتلائم مع متطلبات المواجهة المستقبلية مع الالة الحربية الروسية والصينية.كل ذلك من اجل الابقاء على الاقتصاد الامريكي الاقتصاد الاول في العالم. ان البراغماتية والعملانية الامريكية، والجرأة المعهودة لدى الدولة العميقة في امريكا كفيلة بان تحقق اهدافها ولنا في تاريخ الحرب الباردة وما بعدها ما يؤكد ذلك

نحن امام قوة غاشمة  لا تتورع عن استخدام كل الوسائل المتاحة من اجل تحقيق اهدافها وان التصدي لها يستدعي جدليا الاسلوب والوسيلة القادرة على افشالها، ان ما لدينا من قوى على الارض ينقصه الوعي الثاقب والمنهج السليم القاىم على شمولية المواجهة في السياسة والقوة العسكرية، اذا اردنا ان نحافظ على وجودنا. وعي ارقى وارفع ياخذ الامور برمتها وليس بالقطاعي والمفرق. ان الهجمة الامريكية شاملة وعليه فان المواجهة يجب ان تكون شاملة حتى لو ادى ذلك الى المبادرة بالحرب الاقليمية  وليس انتظار الطرف الاخر ليشنها علينا. ان الهجوم هو خير وسيلة للدفاع عن الوجود والمكتسبات وعلينا ان نتذكر المقولة الخالدة(( ما غزي قوم في عقر دارهم الا وذلوا)) .

لقد ان الاوان ان نطبق عملا لا قولا " هيهات منا الذلة، لا اسر ولا مجازر بعد اليوم، لقد ولى زمن الهزائم واقبل زمن الانتصارات

م/ زياد ابو الرجا