كيف تجري مفاوضات الملف النووي الإيراني وما هي آفاقها؟.
مقالات
كيف تجري مفاوضات الملف النووي الإيراني وما هي آفاقها؟.
أحمد رفعت يوسف
16 كانون الأول 2021 , 13:38 م
كيف تجري مفاوضات الملف النووي الإيراني وما هي آفاقها؟.

بداية لابد من عرض الأسس التي استؤنفت على أساسها المفاوضات، والأوضاع التي استجدت منذ الانسحاب الأمريكي من الاتفاق الموقع عام 2015 وحتى استئناف المفاوضات الحالية.
* إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن شعرت بالخطأ الكبير الذي ارتكبته إدارة ترامب بانسحابها من الاتفاق النووي الذي تم توقعيه في عام 2015 .
* أمريكا اتخذت عقوبات إضافية بحق إيران وبعضها اتخذ صفة قانونية بموافقة الكونغرس، وإلغاؤها يتطلب موافقة الكونغرس.
* الشعور الأوروبي بحراجة موقفهم، فهم من جهة غير راضين عن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، ومن جهة ثانية لا يستطيعون الخروج عن الموقف الأمريكي، فأصبح موقفهم ضعيفا تجاه إيران، كما أظهر المزيد من العجز الأوروبي والدلائل على التهميش الأمريكي لأوروبا.
* الكيا ن الصه..يو ني في أزمة حقيقية.. فهم من جهة يستشعرون بالخطر، ومن جهة ثانية يدركون عجزهم عن وقف التقدم الإيراني، واللجوء إلى الخيار العسكري، ويدركون أن أمريكا تتهيب  هذا الخيار وتتهرب منه، لكن لا خيار يرضي قادة الكيا ن سوى هذا الخيار.
في الجانب الإيراني صحيح أن الوضع الاقتصادي يضغط على الإيرانيين، لكن الانسحاب الأمريكي من الاتفاق وفر لهم الفرصة للتخلص من عدة قيود وضعها عليهم الاتفاق، وحققوا قفزات نوعية في التجهيزات والعلوم النووية أهمها:
* رفع نسبة التخصيب إلى عشرين بالمئة، ثم إلى ستين بالمئة، مع إشارات إلى إنهم ربما تجاوزا ذلك.
* تخصيب نسبة من الوقود النووي بما يكفي - حسب الخبراء - للبدء بتصنيع قنبلة نووية لو أرادت ذلك.
* تحقيق تطور مهم في عدد من مجالات وخاصة في أجهزة الطرد المركزي.
* إيران تشترط إلغاء كل العقوبات القديمة والجديدة التي اتخذت بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق مع ضمانات بعد انسحاب أي إدارة أمريكية مقبلة من أي اتفاق يتم توقيعه.
وسط هذه الظروف المعقدة هناك العديد من التساؤلات لابد من الإجابة عليها، لمعرفة المسار الذي تسير فيه المفاوضات. 
* هل تستطيع إدارة بايدن إلغاء العقوبات.؟. الجواب "لا" وعلى الأقل التي تتطلب موافقة الكونغرس على إلغائها.
* هل ستستطيع أمريكا اللجوء إلى الخيار العسكري؟ الجواب "لا" ولهذا حديث آخر.
* هل ستستطيع إسرائيل اللجوء إلى الخيار العسكري؟. الجواب "لا".. وما نسمعه ليس سوى تهديد أجوف.
* هل تستطيع إدارة بايدن أو الأوروبيين تقديم ضمانات بأن لا تأتي إدارة أمريكية تلغي أي اتفاق قد يتم التوصل له، خاصة وأن كل الدلائل تزيد من احتمالات عودة ترامب في الانتخابات المقبلة ؟ الجواب "لا".
وفي الجانب الإيراني:
* هل ستقبل إيران أي اتفاق جديد بدون رفع العقوبات بشكل كامل؟.. الجواب "لا".
* هل ستتراجع إيران عن التقدم الذي وصلت إليه في التخصيب والأجهزة؟.. الجواب "لا".
* هل ستتخلص إيران من الوقود النووي الذي خصبته؟ الجواب "لا".
هذا يعني أن كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أنه لن يكون هناك اتفاق جديد.
والسؤال هنا كيف ستسير الأمور؟.
* الأمريكيون طالما أنه ليس لديهم إمكانية تنفيذ أي خيار عسكري، وليس لديهم إمكانية تلبية شروط إيران، فالحل الوحيد أمامهم هو التفاوض ثم التفاوض، وتأخير إيران قدر الإمكان مع دراسة بدائل بالتعطيل السيبراني أو التخريبي.
* والأوروبيون طالما أنهم ليس أمامهم القدرة على المبادرة في أي اتجاه إلا خلف الأمريكي، فهم مستمرون بالتفاوض.
* الروس والصينيين من مصلحتهم إظهار المزيد من الضعف الأمريكي والأوروبي، وبالتالي لن يستخدموا أي ضغوط على إيران، خاصة وأن إيران تتموضع معهم في الحلف "غير المعلن" المعادي للأمريكيين.
* إسرائيل بدورها خياراتها محدودة، طالما أنها لن تستطيع المبادرة بالخيار العسكري ولا تستطيع جر الأمريكيين إلى هذا الخيار، وهم مدركون بأن أي خيار فردي بالعمل العسكري ستكون أثمانه باهظة إلى الدرجة التي لن تستطيع تحملها، وبالتالي ليس أمامهم سوى إطلاق التهديدات الجوفاء، والعمل كما الأمريكيين بالتخريب والعمل السيبراني قدر المستطاع.
أما الإيرانيون فهم يسيرون في مسارين:
* الأول أنهم يستخدمون دبلوماسية ذكية في المفاوضات بالتعامل معها بكل جدية، والتأكيد على الالتزام بها، وأنها تسير بشكل جيد، وأنهم مستعدون لتوقيع اتفاق شرط تلبية شروطهم "المحقة" وترك الأوروبيين والأمريكيين يصرخون، ويتحدثون عن الصعوبات في المفاوضات وصعوبة التوصل إلى اتفاق.
* الثاني هو الاستمرار بكل جدية، وبدون كلل أو ملل، لتطوير قدراتهم النووية، حتى الوصول الكامل إلى ما يسمى "العتبة النووية" التي تمكنهم من تصنيع السلاح النووي في اللحظة التي تستدعيها الظروف، مع الإشارة إلى أن هذا الموضوع لا يزال محكوماً بفتوى الإمام الخميني بمنع تصنيع السلاح النووي، لكن هناك تهديدات إيرانية بفتوى أخرى تبيح تصنيع هذا السلاح في حال أجبرهم الطرف الآخر على هذا الخيار، والأمريكيون والأوروبيون والإسرائيليون يعرفون ذلك.
* أيضاً تستفيد إيران من الاتفاق الاستراتيجي الذي وقعته مع الصين وقرب توقيعها اتفاق مشابه مع روسيا.
* إيران تراهن أيضاً على عامل الوقت، وهو لصالحها مع الصدام الأمريكي مع كل من الصين وروسيا، والذي يمنع أمريكا من خوض مغامرة عسكرية مع إيران ستنهي أي قدرة لهم على مواجهة الصين وروسيا.
* كما تراهن إيران على الانتصارات التي يراكمها محور المقاومة، في العراق ولبنان وسورية وفلسطين، إضافة إلى اقتراب حسم الموقف في مأرب اليمنية، الذي سيغير موازين القوى في شبه الجزيرة العربية.
هذا يعني إن المفاوضات ستستمر وتستمر بدون أي نتيجة، وسوف تأتي اللحظة التي سيضطر فيها الطرف الآخر على الاعتراف بإيران دولة عتبة نووية، لأن الخيار الآخر هو جرها إلى تصنيع السلاح النووي، مع ما يعني ذلك من تبدلات جوهرية في موازين القوى والقوة في المنطقة والعالم. 
أما في حال تمكنت الرؤوس الحامية في أمريكا أو الكيا ن الصه..يو ني، من ارتكاب خطيئة جنونية باستخدام الخيار العسكري، فسوف يكون هذا الخيار قاتلاً لأمريكا 
وإسرائيل، لأنه سيكون أكبر وأوسع من الساحة الإيرانية، ولهذا حديث آخر.