كتب الأستاذ حليم خاتون: نقطة نظام..
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: نقطة نظام..
حليم خاتون
8 كانون الثاني 2022 , 05:46 ص


لأن الأمور تجري في لبنان بأسرع مما ينبغي من الانهيارات المتتالية...

لأن لا ضوء يظهر في آخر النفق المظلم الذي يتواجد فيه هذا البلد...

لأن الضباب الكثيف يلف كل شيء، وبات الجميع يسيرون على غير هدى...

لأن أحدا لا يضع هدفاً محدداََ قد يؤدي إلى شيء ما...

...نقطة نظام...

لم يعد بالإمكان انتظار أن يصل الدور حتى يتكلم المنطق...

في لبنان، كل شيء يسير خلافاً للمنطق...

لذا... نقطة نظام...

في لعبة كرة السلة، عندما يشعر المدرب المشرف على سير المباراة أن حركة اللاعبين في الملعب لم تعد تؤدي إلى الهدف المطلوب، يرفع كفيه بإشارة ويقول... تايم أوت (وقت مستقطع)...

يحق للمشرف أن يوقف المباراة لبضعة لحظات، يتوقف فيها عداد الوقت عن السير، حتى يستطيع إعادة تنظيم الفريق كي يلعب الجميع باتجاه الهدف ولا يلعب كل واحد على هواه...

نحن في لبنان اليوم، يلعب كل فريق سياسي أو طائفي باتجاه يختلف عن اتجاهات كل اللاعبين الآخرين لدرجة أن وصف البلد "بحارة كل مين إيدو إلو"... هو قليل جداً على كل هذه الفوضى الحاصلة والتي لا يبدو أن لها أفق بعودة نوع من الانسجام أو التفاهم بين مختلف اللاعبين...

"نقطة نظام"، هي أقل ما يمكن طلبه إذا أردنا وضع نقطة ارتكاز أو نقطة انطلاق تساعدنا على بناء نظام قابل للعيش في لبنان...

في الرياضيات، في كافة العلوم، يجب تحديد النظام الذي نريد عبر تحديد أربعة أبعاد على الأقل لهذا النظام، مع تحديد نقطة الارتكاز التي يجب أن تكون منطلقاً للمعادلة القانونية التي على هذا النظام السير بها...

إذا أردنا الوصول فعلاً إلى نظام يخضع لقوانين منطقية قابلة للحياة، لا مجال إلا عبر تحديد نقطة الارتكاز هذه، والخروج نهائياً من كل الالعاب التي تمارسها كل الأطراف السياسية وكل الطوائف بدون استثناء...

كيف يمكن تحديد هذه النقطة؟

سؤال ليس سهلاً بالتأكيد... لكنه يخضع لأهم قاعدة علمية...

السير بالبلد نحو الاستقرار...

كما تجري كل الأكوان لمستقرِِ لها، علينا بناء نظام يستطيع تأمين هذا الاستقرار، في منطقة غير مستقرة، وفي عالم غير مستقر...

البطرك الماروني طرح نظاماً قائما على الحياد... هكذا ودون تحديد كيف يمكننا تأمين هذا النظام القائم على الحياد...

والحياد في ماذا وعن ماذا...

بدون اي استفزاز، يبدو المشروع مغرياََ فعلا، فقط لو كنا نعيش في عالم مثالي، خالِِ من الذئاب والوحوش العالمية الكبرى أو الوحوش الإقليمية المتأهبة لالتهام أول ساذج يصدق أن عالمنا يحترم المبادئ والإنسانية والحقوق...

لو كان الامر كذلك، لما كانت هناك مأساة فلسطينية ولما امتدت أيدي تلك الوحوش الى سوريا والعراق واليمن...

لذلك... ودون زعل، على البطرك أن يجد حلولا لكل المشاكل التي لا بد أن يثيرها نظامه الهلامي البعيد عن كل الواقع...

رئيس الجمهورية طرح نظاماً يقوم على تفكيك البلد...

هو لا يقول ذلك مباشرة وبوضوح...

رئيس الجمهورية يريد بناء نظام متعدد الاهداف بتعدد الانتماءات...

هو لا يقولها... لكنه يقصدها...

ولكي لا يتحمل وزر هذه النكبة بكل المعايير في تاريخ لبنان المعاصر، هو يدعو إلى حوار لكي يصل إلى نقطة ارتكاز لنظام يقوم على أن كل منطقة تهتم بشأنها وهكذا تقوم دولة كازينو لبنان عند رئيس الجمهورية، بينما يجب على أهل البقاع والشمال زراعة البطاطا... وربما الحشيشة من أجل السواح الذين سوف يأتون إلى الكازينو...

أما أهل الجنوب والنبطية والبقاع الغربي، فإن عليهم إما الموت دفاعاً عن حدود الوطن، أو الدخول في صفقة مع بقية العالم تقوم على توطين كل سكان المخيمات الفلسطينية، واستيعاب كل النازحين السوريين، للوصول في النهاية إلى خليط من التناقضات لا بد أن ينفجر... لكن لا بأس...

فبعد تصفية تل الزعتر وضبية والكارنتينا وغيرها...

لن يزعج أحد السواح الذين سوف يزورون الكازينو قبل أن يقضوا ليال حمراء في الفنادق والمنتجعات المقامة على ممتلكات الدولة المركزية التي لم يجد لها الرئيس عون أي دور...

على مؤتمر الحوار الذي لا يمكن أن ينعقد لألف سبب وسبب؛ على هذا المؤتمر أن يجد التخريجة التي تسمح برسم حدود الكانتونات التي قد يصل الأمر بها أن تفرض على الشعوب اللبنانية المختلفة أخذ تأشيرات دخول في كل مرة أراد أحدهم الذهاب لشراء التموين من البطاطا أو حتى الحشيشة، بينما قد يريد المزارعون بعد التعب... الراحة قليلاً والفرفشة في نظام الكانتونات...

تلقف الرئيس بري طرح الرئيس ميشال عون للحوار ليعلن موافقته على الحوار، وهو أكثر العارفين أن المعاقين الذين فشلوا أكثر من مرة سوف ينتهون في آخر الأمر إلى وضع الأمور في مجلس النواب... أي بمعنى آخر، سوف يقوم هذا المجلس مع كل القوى المعاقة التي لم تفعل شيئا غير البصم الأعمى على كل الموبقات التي كان يرتكبها نظام دستور الطائف الذي لم يستطع تنفيذ إصلاح واحد لو مهما صَغُرَ...

وكلما يذكر مقولة البطرك السابق عن وجوب إصلاح النفوس قبل إصلاح النصوص، وهو ما أدى في النهاية إلى ما نعيشه اليوم فوضى عارمة... حيث كل لاعب على الساحة بلعب على ذوقه ووفقاً للقانون الذي يعجبه...

هناك من يلعب كرة القدم بيديه، وهناك من يلعب كرة السلة برجليه، وهناك من يلعب الكرة الطائرة بقفاه، ومن يلعب كرة المضرب بدون مضرب وبدون حتى تحديد حدود الملعب...

إذا وضعنا أمر تحديد نقطة ارتكاز النظام الجديد في يد البرلمان الحالي، سوف نصل في النهاية إلى عمليات نهب أو سرقة جديدة، في احسن الاحوال...

أو ربما حتى إلى نفس اجترار الأمور كما يحصل اليوم... حيث يجري الكلام بعد الكلام بينما تغرق سفينة التايتنيك في قعر المحيط...

الرئيس الحريري اختصرها منذ البدء حين قال انه لن يذهب إلى اي حوار...

فإن أي حوار سوف يؤدي إلى خسارة امتيازات ما كان يجب أن تكون من الاساس لو كان في تلك الجموع رجال....

حزب الله تقدم باقتراح مؤتمر تأسيسي منذ فترة طويلة، علّ هذا المؤتمر يحدد نقطة ارتكاز لبناء نظام يقول أي لبنان يريدون...

على كل هؤلاء أن يحددوا ويقولوا، أي لبنان نريد...

هنا نقطة الارتكاز...

الكل يعرف أن هذا شبه مستحيل...

لأن كل طرف يريد تفصيل وطن على قياسه...

وحدها الهوية ترفض كل التعاريف التي يحملها أهل العصبية الدينية والعصبية المناطقية...

هل يريد الرئيس عون نظاما علمانياََ في لبنان وكان الأمر وصل معه إلى رفض توقيع أكثر من مرسوم أو قانون إلا إذا تأمنت مناصفة أضحت غير منصفة على الإطلاق...

هل يريد الرئيس بري نظاما مدنيا كما كان يحلم السيد موسى الصدر، وكيف يمكن الوصول الى هكذا نظام وهناك من يقيس الأمور من زاوية المثالثة...

سمير جعجع لم يعد بحاجة لأية مطالبات عنصرية أو فئوية... التيار العوني يقوم باللازم، وأكثر...

بقية الأحزاب المسيحية لا تقل تعصباََ...

وليد جنبلاط أكثر الطائفيين، تمتعاََ بكل ما سوف يحصل...

كرسي جنبلاط على رأس الطائفة

محفوظ بضمانة كل القوى البائسة الأخرى...

حزب الله يتمنى بناء دولة قوية عادلة لكنه لا يريدها لا علمانية ولا حتى مدنية...

هو لم يقلها... لكنه لم يقل العكس أيضاً...

يصلي الحزب ويصوم ويدعو الله قائلاََ... "يا رب تيجي في عينه"...

لبنان لا يطير ولن يطير بجناحيه المسلم والمسيحي...

لبنان لا يستطيع الطيران بسبب قيوده الإسلامية والمسيحية الناتجة عن تعصب اللبنانيين الأعمى...

لو كان المسيحيون من أتباع السيد المسيح فعلاً لرحموا من في الارض حتى يرحمهم من في السماء...

لو كان المسلمون مسلمين فعلاً لوسعت قلوبهم وتقبلوا الآخر غير المسلم بدل أن يقوموا بتضييق المعايير إلى درجة أن كل فئة مسلمة صارت تعتبر نفسها هي وحدها، لا غيرها "مبشرة بالجنة"... وترفض إسلام كل ما عداها...

يقول الكاتب سركيس نعوم إن إلغاء الطائفية السياسية لا يكفي بل يجب إلغاء كل القوانين الطائفية... لكنه يستدرك قائلا إنه ضد الدولة الملحدة...

كيف يمكن إلغاء كل القوانين الطائفية دون إلغاء تأثير الدين على الدولة...؟

هل هذا ممكن؟

هناك شك كبير... لكن إذا أردنا فعلا بناء وطن واحد ومواطنين يتبعون لهذا الوطن لا يمكن فعل ذلك إلا عبر:

إما أنبياء من المتدينين وهذا مستحيل كما أثبت التاريخ وكما أثبتت الوقائع...

أو عبر بوابة تمنع كل القوانين الدينية من اي تأثير في المجتمع... حتى لو أطلق أحدهم على ذلك صفة الدولة الملحدة...

كل صيغة غير ذلك لن تكون سوى تجمع أو اتحاد طوائف أو مزارع دينية...

حتى نصل يوما إلى دولة التسامح الديني الانساني، يتوجب قص كل القوانين الدينية التي، شئنا أم أبينا، لا تفعل غير زرع العصبيات والهبوط بالمجتمعات إلى أسفل درك المجتمعات القائمة المعروفة...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري