كتب الأستاذ حليم خاتون: عشرة أيام في بلد المافيا.
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: عشرة أيام في بلد المافيا.
حليم خاتون
23 كانون الثاني 2022 , 18:42 م


في اميركا، كانت المافيا متعددة الرؤوس...

كان يطلق عليهم لقب منظمات الجريمة المنظمة...

كانوا متفقين على اقتسام اميركا بشكل "عادل" فيما بينهم...

لكنهم كانوا منظمين إلى درجة خضوع الجميع لمجلس أعلى يقوم على تنظيم الأمور ومنع الصدامات التي كانت تقع بين الحين والآخر بين هذه المجموعات المافياوية...

طبعا، لم يكن الوضع مثالياً...

فكثيرا ما كان الكبير يأكل الصغير...

أو يستغل طرف ما طرفاً آخراََ، لإحداث تغييرات في بنية نظام المافيا وقلب الأمور...

قد تكون مقارنة عصابات المافيا الأميركية مع الأحزاب والمنظمات والطوائف والمذاهب اللبنانية فيها بعض الصعوبة...

لكن النتائج في النهاية تقول إن المافيات الأميركية، مع كل الصيت السيء الذي تحمله، تظل أكثر رحمة وأكثر إنسانية وأكثر تنظيما وأكثر وطنية وأقل سوءاً بكثير مما تتميز به منظومة المافيا اللبنانية...

على الاقل، في اميركا كانت المافيا مجموعة عصابات لا تزيد على عدد أصابع اليدين، وتتسيد على اكثر من ٩٩٪ من الشعب...

في لبنان، عدد عصابات المافيا لا يُعد ولا يُحصى...

صحيح أن الأحزاب والتنظيمات والحركات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والمنصات لا يزيد عددها على بضعة مئات وقد لا تصل إلى الألف...

إلا أنه يجب الاعتراف بأن كل لبناني يولد، هو مشروع مافيا جديدة...

ليس في الأمر أية مبالغة...

من اكبر تجمع من اللبنانيين إلى اصغر تجمع، يجد المرء دوما مئات، وربما ألاف المجموعات الصغرى التي تشكل بحد ذاتها مافيا جنينية تتواجد داخل المافيا الوسطى، قبل أن تتجمع المافيات المتوسطة لتشكل المافيا الكبرى التي يجلس على عرشها الزعيم، وزوجة الزعيم، وكل واحد من أبناء وبنات الزعيم... وأقرباء الزعيم واصهرته إلى آخر المعزوفة...

لتوضيح الصورة أكثر، على المرء النظر إلى أي حزب أو تيار او حركة الخ... على انه دودة كبيرة الحجم تتكون من مئات الديدان المتوسط الحجم؛ وكل واحدة من هذه الديدان المتوسط تتكون من عدة مئات أو آلاف من الديدان الصغيرة...

تماما كما يكون جسم الميت بعد الموت بفترة كتلة ضخمة من الديدان... هكذا هي الأحزاب والتجمعات اللبنانية على اختلافها...

*لبنان*... هو جسم ميت تأكله الديدان على اختلاف أحجامها من الداخل...

عندما تختفي الأخلاق عند اي كان... يصبح المرء أمام جيفة نتنة تتناتشها الديدان...

في لبنان، لا وجود للأخلاق...

الكل يلتف على الكل، والكل يأكل من الكل...

لا يعرف المرء كم هو عدد اللبنانيين الضحايا لما جرى وما يجري، وهو بالتأكيد عدد ضئيل جداً، ولا يتجاوز الواحد بالمئة من اللبنانيين الأبرياء...

لكن عدد الديدان المافياوية هو بالتأكيد أكثر من أربعة ملايين لبناني وأكثر من ٩٩٪ بالمئة من السوريين والفلسطينيين والأجانب المتواجدين على أرض لبنان...

رغم أن نسبة الديدان بين الأغنياء مرتفعة جداً، إلا أن نسبة هذه الديدان بين الفقراء والأكثر فقراََ، هو أيضا عالِِ جداً...

إنه ببساطة انعدام منظومة الاخلاق في المجتمع اللبناني...

أكثرية الشعب اللبناني بلا اخلاق...

يذهبون إلى المساجد والكنائس، لكنهم، عندما يتعلق الأمر بالدولار، يبيعون الله والرسل والصحابة وحتى الاب والام...

كما صرح أحد السُنّة أمس بأن سعد الحريري هو إله حتى لو صار الدولار بمئة ألف، سوف يجد المرء من يقول الأمر عينه عند الشيعة والمسيحيين والدروز... إنها قلة الأخلاق التي تجعل من أمثال البشر هؤلاء مجرد حشرات لم يعد يؤثر عليها الديمول...

حشرات طفيلية تعيش على أكل كل ما حولها...

الجراد ياكل كل الاخضر...

أما هذه الحشرات اللبنانية فهي تأكل الأخضر واليابس...

لبنان بلد... الزعامات فيه ديدان، ومعظم الشعب فيه، من الديدان أيضاً...

هكذا بلد لا يمكن أن يكون فيه أقل نوع من الأمل...

اهل الثورة نفسها هم مجموعة من الانتهازيين...

لا يختلفون بشيء عن مجموعة الفاسدين الذين يهاجمون...

اكبر دليل على هذا الفساد المستشري في كل فرد من الأغلبية العظمى من الشعب اللبناني، هو ما ظهر أمس أمام بيت الوسط القابل للتكرار امام معراب أو بعبدا أو المختارة أو عين التينة أو اي قصر من قصور رؤوس المافيا اللبنانية...

أكثر من مليوني حساب إيداع، لا يخرج إلى الشارع ألا بضع مئات يطالبون بالحقوق...

تفسير ذلك سهل...

معظم الأموال المودعة هي أيضاً اموال غير شرعية، أو على الأقل، فيها التباس... وإلا لكان خرج أصحابها للمطالبة بها...

هل يُعقل أن يموت مريض على باب مستشفى، أو جائع في الطرقات بينما عنده في المصارف المبلغ الفلاني...؟

هل يُعقل أن تطير مدخرات النقابات، والضمان الصحي وغيرها ولا يحرك أحد ساكناً، رغم أن القوانين الداخلية تمنع وضع هذه المدخرات في سلة استثمارية واحدة...؟

هل يُعقل أن تطير تعويضات نهاية الخدمة مع تبخر قيمة النقد، ولا يحرك أحد ساكناً...

هل يُعقل أن يخرج محمد نجيب ميقاتي ليقول أنه (الزعيم السُنّي) الذي لا يغير ضباطه أثناء المعركة...

في الوقت الذي عزل فيه الخليفة عمر بن الخطاب، وعمر هو من هو من ايقونات السُنّة؛ عزل في اليوم التالي لتولي الخلافة قائد الجيوش الاسلامية التي تحارب الجيوش الرومية، خالد بن الوليد، وخال هو من هو أيضاً عند السُنّة...؟

هل يمكن أن يصدق المرء هذه الخزعبلات التي تجري في لبنان...؟

تخرج تسريبات تتحدث عن تحالف ابن ميقاتي مع رندة بري في مسألة الpcr في مطار بيروت... فتخرس كل الألسن عن كشف حقيقة ما يجري... ولا يتكلم في هذا إلا تلفزيون الجديد المتهم بدوره بالتبعية لمحور الشر الأميركي وقبض الأموال من الامارات لقاء التنقيب على حزب الله...

هل يُعقل أن تخرج موازنة تخفض الضرائب عن المصارف من ١٧٪ إلى ٥٪، وكل ما نسمعه هو تعليقات مختصرة لا تزيد عن التنديد عند محمد رعد وسكوت عند باقي الكتل...؟

يقول وزير المالية أنه سوف يفرض جمارك ١٠٪ على البضائع التي يُنتج مثيل لها في لبنان، وهذا يعني وفقاً للخبير الاقتصادي الدكتور جباعي على ال NBN أن التجار سوف يرفعون الاسعار بنفس النسبة كي يحموا قوانين الربح والخسارة... بينما لو أراد الوزير حماية المنتج الوطني فعلاً، لقام بإلغاء ال TVA بشكل كامل وزاد الجمارك على كل الاستيراد بنسبة ١٠٪، وهكذا يسمح للمنتج الوطني بأن يكون ارخص من المستورد، مع فارق في الأسعار لا يقل عن ٢٠٪...

لكن هم الوزير، كما هم النظام اللبناني القائم على خدمة طبقة التجار، ليس تشجيع الصناعة أو الزراعة الوطنية، بل مجرد محاولة التحايل في اكبر عملية غش تجري في لبنان...

في السوبرماركت في لبنان، ترتفع الأسعار بين اللحظة واللحظة دون أية مبالغة...

كأن تدخل وتجد أن كيلو التفاح ب ٢٠٠٠٠ليرة والخيار ب ١٥٠٠٠...

تنزل إلى القسم السفلي لشراء ما يلزم من هناك ثم تصعد، لتجد أن التفاح صار ب ٢٣٠٠٠، والخيار ب ١٧٠٠٠!!!! هذا جرى في اقل من نصف ساعة...

تشتري اللوز المقشور على أساس سعر ٢٩٠٠٠٠ليرة للكيلو، وهو ارخص من باقي المحلات...

في المساء تجد وزير الاقتصاد يقتحم هذا السوبرماركت، تذهب للحشرية فقط وتسأل عن اللوز المقشور... فإذا الكيلو نزل عندهم بعد الاقتحام إلى ٢٤٠٠٠٠ليرة للكيلو بينما لا يزال في المحال غير المُقتحمة بين ٣٠٠٠٠٠ و ٣٣٠٠٠٠ليرة للكيلو...

لماذا في المانيا يحق للشاري أن يعيد ما يشتريه خلال فترة زمنية بينما في لبنان، "إذا أكلت الضرب... خلاص، صحتين... تعيش وتاكل غيرها"...

في لبنان، تذهب عند كاتب العدل فتدفع الرسوم عشرة أضعاف اكثر، لأن الحكومة رفعت رسومها لتتناسب مع فرق دولار...

هناك يبلغك كاتب العدل أن المستأجر القديم أ.ق دفع إيجار شقته اللوكس حوالي ٧٠٠٠٠٠ليرة عن كامل سنة ٢٠٢٢، أي حوالي ٤٥ دولارا عن كامل السنة، أي أقل من أربعة دولارات في الشهر...

تذهب الى المحل الذي كنت دفعت في تحريره من المستأجر القديم في التسعينيات ٢٥٠٠٠دولار ثم أجرته بعقد فعلي بالدولار هو ٥٠٠ دولار شهريا، فيعطيك ٧٥٠٠٠٠ليرة على أساس ١٥٠٠ليرة للدولار، أي حوالي ٤٧دولارا... أي أقل من ١٠٪ من العقد الفعلي...

تتساءل، ألم يكن من الأفضل، تقوية مصالحك في الخارج بدل العودة الى لبنان "الاخضر" المزيف...؟

أما مستأجر المحل، فهو صاحب قلب كبير، هو كاراج سيارات، يأخذ بالطبع من الزبائن على أساس ١٥٠٠ليرة للدولار!!!!

حتى قبل أن يصعد المرء إلى الطائرة، تبدأ مجموعات المافيا بالنتش...

تماما كما النمل القارض، يشعر المرء بأن جسده يتعرض للعض والنتش منذ لحظة القرار بالسفر إلى بلد الأرز الذي لم يعد للرب دخل به...

ارز بشري صار لجعجع، وارز الباروك لجنبلاط، ولكل واحد من الزعامات في لبنان ارزه المر الذي تمتد جذوره إلى داخل كل بيت، تتغذى من دم أهل هذا البيت... حتى لو كان دما مسرطناََ...

حاكم وحكومة يضعون للدولار عدة اسعار...

لكل مافيا سعرها الخاص للدولار...

حتى الحكومة صارت واحدة من هذه المافيات... ولها سعرها أيضاً...

يتظاهر أهل العسكريين على تدني القيمة الشرائية للمعاشات...

هل سوف يصبح دولار العسكريين بعشرة أو عشرين ألف ليرة مثلاً...؟

في لبنان، ليس هناك دولة...

في لبنان ليس هناك رجال دولة...

في لبنان المزرعة، هناك سلطة دنيوية من مجموعة من اللصوص من الرؤساء ورؤساء الأحزاب والمجموعات، ومن يمثلهم أو يماثلهم...

في لبنان، هناك سلطة دينية من بطرك ومطران وشيخ، هم جزء من مجلس العصابة غير المنظمة، الحاكمة باسم الرب، ولكن على هدى كل شياطين الأرض قاطبة...