ٱوراق مبعثرة في ذكري ثورات الشعوب المقهورة؟
مقالات
ٱوراق مبعثرة في ذكري ثورات الشعوب المقهورة؟
محمد سعد
26 كانون الثاني 2022 , 19:26 م


بقلم : محمد سعد عبد اللطيف،"مصر،


إرحل من شرطية تونسية ،لشاب في سوق الفواكهة والخضر في "سيدي بوزيد" في نهاية عام 2010 م قالتها من مصدر السلطة والعنف وقهر الشعوب ،لتصبح شعار "ارحل " في عواصم عربية لتشتعل النار في جسد الشاب " محمد البوعزيزي " فٱشعلها في الشعوب المقهورة علي سلالم قصور السلاطين العرب، فٱنتظروا المشعوذيين والفقراء والسكاله ٱن ينثر "

ملح الطعام " فخرج السلطان في خلسة .وقال (اعيش انا ويموت ضحاياي ) ،فخرجت صرخة المحامي اليساري التونسي لتعلن "بن علي هرب " فهبت رياح عاتيه وعاصفة ناحية الشرق في عاصمة المعز لدين الله الفاطمي " تحمل طائرة ٱخري الي مدينة ومنتجع "شرم الشيخ "لتخرج الجماهير من كل بقاع المحروسة ،التهاردة العصر كلنا. رايحين القصر " في خطاب مقتضب نقلتة شاشات التلفزة العالمية تنحي ديكتاتور حكم البلاد والعباد 30عاما "وتشعل شرارة الحراك ناحية الشام في عاصمة الدولة الٱموية ومازالت النيران، مشتعله هناك حتي كتابه هذة السطور بعد ان شابت الرؤية في ليبيا وسوريا واليمن ،وبعدها السودان والجزائر والعراق ولبنان

لتخرج جموع الشعوب الغاضبة والباحثة عن الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. لترفع" شعار أرحل " ثم حدث ما حدث من تآمر دول عربية وغربية ضد الثورات العربية وبذلت الجهود وأنفقت عشرات بل مئات المليارات من الدولارات وأريقت الدماء وغابت الحقيقة "من يحارب من " في سوريا وليبيا واليمن وأصبحت (ثورة بلا عنوان) في محاولة يائسة لإعادة الشعوب إلى مربع الطاعة، وتثبيت وتبديل وجوه الحكام للإبقاء على التبعية للغرب وتهميش دور الشعوب في ما بات يعرف بالثورة المضادة، كما حدث في اوروبا عام 1848م ولكن كانت الثورة المضادة من الكنيسة والاقطاع وهي وإن كانت قد حققت فقد انكسر حاجز الخوف وذهب إلى غير رجعة وارتفع الوعي وظهرت الحقائق والتحالفات ضد رغبات الشعوب بلا أقنعة أو رتوش، وكلما زاد العنف والقمع والقهر فتلك أهم أسباب تقصير المدة الزمنية لعودة الثورات الشعبية إلى مسارها السابق ومن ثَمَ نجاحها بطريقتها السلمية في الجزائر ، وكذلك في السودان والان تحاول قوي الشر من داخل مؤسسات الدولة العميقة الي سرقة الثورة في السودان وكذلك ماحدث،من محاولة اللعب بالقانون في الجزائر بالمادة "102" من الدستور والالتفاف والرجوع إلي معسكر الجنرالات فالشعوب تعلمت من أخطائها السابقة لا ريب في هذا، فالمزيد من الكبت يقرب موعد الانفجار ولا يبعده.الجزائر لها تاريخ اخر مع التغيير هل تعلمت الدرس السابق وجنبت البلاد من الفوضي .

لكن كما أخرج الربيع العربي أجمل ما في الشعوب العربية الثائرة من أفعال وصفات فقد أخرج أيضاً أسوء من فينا من نهازي الفرص والوصوليين وتجار الثورات وهذا الوصف تتقاسمه مناصفةً الأنظمة التي ثارت عليها الشعوب والكثير من النخب والفصائل التي أفرزتها ثورات الربيع العربي في مختلف مراحلها وتصدرت المشهد الثوري وبالتزامن مع ازدياد شراستها وردة فعل أضلاع الثورات المضادة "أنظمة ونخب وأذرع وفصائل في شتى المجالات والتحركات".

لقد ابتلي الربيع العربي وطحنت شعوبه التي كانت وما زالت وقود ثوراته والدافع الأكبر وربما الوحيد لفاتورته من أموال ومقدرات ودماء ووجدت تلك الشعوب نفسها محشورة بين مطرقة الثورة المضادة وأنصاف الثائرين وفصائل سياسية وإعلامية واقتصادية وحتى حقوقية مندثرة بثوب الثائر ومرتدية قناع المناضل وراح كلاً من الفريقين يستحوذ على ما تطوله يديه من مقدرات وثروات الشعوب مستغلين الوضع الراهن لأقصى درجة، متمنين استمراريته على ما هو عليه.

الأنظمة لا يعنيها أو يهمها استمرارية الوضع الكارثي الحالي من عدمه في سوريا واليمن وفلسطين وصفقات التطبيع ،

ورسم حدود وتبادل الاراضي والقتل علي الهوية وظهور الطائفية وعدم الاستقرار فهذا كفيل وضامن ليجرف في طريقه أي متطلبات أو مسؤوليات سياسية واقتصادية واجتماعية، ويبعث برسالة للشعوب ها هي النتيجة لو فكرتم في الثورة مرة أخرى، فالوضع غير مستقر ولا بد من إرجاء مطالب الحقوق والحريات العامة وحقوق الإنسان حتى يستقر الأمر ونفرض سيطرتنا وعلي البيت الابيض وحكام النفط أن تمدنا بالأسلحة والأموال ومنحنا الغطاء السياسي اللازم حتى نتمكن من استمرارية وفرض النظام الحاكم الذي يخدم مصالحك وأجندتك واستراتيجيتك ويرسخ نفوذك ويحفظ حقوقك ونصيبك من الثروات والمقدرات التي ستضمن لنا أن نفي بما ساعدتنا وأمددتنا به من قروض وصفقات تسليح وخلافه، فلو رحلنا وتمت إزاحتنا فقد ضاع استثمارك وذهبت أموالك بلا رجعة، فالقاعدة التاريخية تقول الثورة تَجُبْ أي تقطع ما قبلها.

أما المعارضة التي اختفت في بلدان الربيع العربي أو من تقوم بتمثيل أنها معارضة وتتحدث بأسماء الشعوب وتتصدر المشهد وتقدم نفسها على أنها الطرف الآخر للمعادلة المقابل للأنظمة، فمن مصلحتها استمرارية الوضع ومراوغته في مكانه، فلو أقصيت تلك الأنظمة وعادت الكلمة الفصل للشعوب الثائرة فسينتهي دورها حتماً فلقد انكشفت كل الأقنعة أو كادت وظهر بما لا يقبل الشك أن الكثيرين من متصدري صفوف المشهد السياسي من المعارضة ما هم إلا جامعي مكاسب وثروات عبر تجارة واستثمار المقاومة والمتاجرة بالثورات، يحدث هذا بينما الثوار الحقيقيين إما تحت الثرى أو منفيين أو مغيبين خلف قضبان المعتقلات أو تم استبعادهم وتهميشهم والدفع بهم لخلفية المشهد؛ فالثائر الحقيقي لا يعرف أو يتقن فنون المساومة على المباديء والحقوق ولا يستسيغ منطقية الحلول الوسط ويعلم علم اليقين أن الحل الوسط دائماً ما يكون الرابح فيه من يمتلك قوة المال والسلاح بشتى أنواعه "إعلامي واقتصادي وعسكري" والظهير السياسي "داخلياً وخارجياً" ومستنداً على حليف يمده بأسباب ووسائل الاستمرارية في النضال والوصول لنهاية الطريق.

لكن لا يمكننا إغفال حقيقة أن هناك البعض من النخب انحازت لأحلام الشعوب وتبذل قصارى جهدها لإيصال صوتها والتعبير عن أمنياتها وتطلعاتها، مقاومةً كل الإغراءات متحملة شظف الحياة ووحشة المنفى حتى لا تنحرف عن الطريق وتلحق بركب التجار وعاقدي الصفقات على أوراق الربيع العربي وموقعين بحبر مداده من دماء الثوار والشعوب وتلك هي أسباب استبعادهم وتهميشهم.

التاريخ يعيد ويكرر نفسه وتبقى الحقيقة الخالدة واليقينية والثابتة أن الشعوب باقية والأنظمة تتبدل وتتغير، ويبقى الشعب هو الحكم والطرف الأقوى في المعادلة مهما حاولت كل أو معظم الأطراف تحييده، الثورات تخلق قادتها وتفرز نخبها وتفرض سيطرتها في النهاية وستذهب إلى الصفحات السوداء من كتب التاريخ كل تلك الأنظمة الفاسدة والنخب المستأجرة، فالتاريخ كما الشعوب لا يرحم المتآمرين والخونة والمتخاذلين، قد يكتب المنتصرين التاريخ لكن الشعوب هي من تقرر صدقه من كذبه، فما لا تتضمنه ذاكرة التاريخ تختزنه عقول الشعوب ويتوارثه الأبناء والأحفاد، فكم من أنظمة ونخب مجدتها صفحات كتب التاريخ ولعنتها قلوب وضمائر الشعوب قبل ألسنتها. !!

" محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث في الجغرافيا السياسية"

المصدر: موقع إضاءات الإخباري