الجزائر الهمة والجامعة العربية الهرمة
مقالات
الجزائر الهمة والجامعة العربية الهرمة
م. زياد أبو الرجا
29 كانون الثاني 2022 , 06:11 ص


كانت قمة انشاص التي تمت بدعوة من الملك فاروق عام ١٩٤٦م اولى القمم العربية التي شارك فيها الملك عبد الله بن الحسين ملك الاردن والامير سعود بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية والامير عبد الاله الوصي على عرش العراق وشكري القوتلي رئيس الجمهورية السورية وبشارة الخوري رئيس الجمهورية اللبنانية والامير سيف الاسلام عبد الله نجل امام اليمن.بعد قمة انشاص دخلت الجامعة العربية في سبات دام قرابة عقدين من الزمن دون انعقاد اي قمة ، حيث عقد مؤتمر القمة العربية الاول عام ١٩٦٤م بدعوة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر وذلك لمناقشة مشروع الكيان الصهيوني في تحويل مجرى نهر الاردن. منذ ذلك الحين تكررت القمم العربية حتى يومنا هذا حيث عقدت ثلاثون قمة عادية وعشرة قمم غير عادية وقمة سداسية واحدة في الرياض تلبية لدعوة عاجلة من الملك خالد بن عبد العرير وضمت رؤساء ( مصر، سوريا ، لبنان، والكويت) بالاضافة الى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.اشار مظفر النواب اليها في قصيدة شعرية وقال:

والله بمحض الصدفة كان سداسيا

فيا نجمة داوود ابتهجي طربا

فالقمة سداسية......

ان غالبية القمم عقدت في مصر ( عشرة قمم عادية واربعة غير عادية) والمغرب ( ستة قمم عادية وقمتان غير عادية) ، اما نصيب الجزائر من القمم كان ثلاثة فقط لا غير( القمة السادسة عام ١٩٧٣م والقمة غير العادية عام ١٩٨٨م لدعم الانتفاضة الفلسطينية ومؤتمر القمة السابع عشر عام ٢٠٠٥).

القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر والتي دأبت الدبلوماسية الجزائرية وعلى اعلى المستويات لعقدها في الوقت المحدد لها دون تأجيل ويسعى الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لانجاحها وبحضور الجمهورية العربية السورية الدولة المؤسسة للجامعة حيث يدرك الرئيس الجزائري ان القمة فاشلة بدون عودة سوريا لملء مقعدها الشاغر وان الجزائر ارض الشهداء والمواقف القومية لا تقبل الفشل الا انها في مواجهة الفيتو - الاستعصاء- الذي تطرحه بعض الدول العربية يضع الجزائر امام امرين احلاهما مر فانعقاد القمة بدون سوريا يشكل طعنة للجزائر ولجهودها الدبلوماسية، وتأجيلها يعتبر مقدمة الى عدم انعقاد القمم العربية ودخول الجامعة العربية في غيبوبة نهائية مرة والى الابد.

ان الجامعة العربية الهرمة والكسيحة التي تخلت عن ميثاق تاسيسها وقراراتها المتعددة والتي انخرطت لاحقا في العدوان على الدول العربية الاعضاء ومنحت التغطية السياسية والشرعية لاحتلال العراق وليبيا والمشاركة في تدمير سوريا وتفتيتها وعجزها عن وقف الحرب في اليمن وانتهاءا بالموقف من التطبيع والمطبعين .

ان جامعة بهذه المواصفات لا يرتجى منها امل ولا يضيرها ان تفشل الدعوة الجزائرية .

ان بنيان الجامعة العربية قد تصدع منذ اكثر من عقدين من الزمن وفشلت كل محاولات راب صدعه ولم شمل اعضاءه على مواقف وسياسات عربية موحدة، حيث انه ازداد تصدعا وتفرق الاعضاء بين مطبع مع العدو ومنسق معه سياسيا واقتصاديا وامنيا وبين من لا يعنيه اصلا العمل العربي المشترك وقلة واهمة ما زالت ترى ان الجامعة العربية يمكن ان تكون البيت الجامع للعرب. ان الجامعة العربية بيت متهدم ومنهار على اركانه وغير قابل للترميم والاعضاء هجروه وتركوا رايات بلادهم ترفرف على اطلاله.

امام هذا الوضع العربي المزري والمتردي ، ما جدوى السعي الى عقد قمة عربية لا تقدم ولا تاخر؟ فضلا عن ان الجماهير العربية من المحيط الى الخليج ترى فيها انها ( الجامعة العبرية) وليست العربية، حيث وصل الصلف الى حد مطالبة بعض العرب بانضمام الكيان الغاصب لفلسطين لعضويتها، فالجامعة العربية التي نعرفها في غيبوبة ابدية، والجماهير العربية يقتلها سعارها عبر دوامة العنف التي تفتك بابناء الشعب الواحد داخل الوطن الواحد على اسس عرقية ودينية ومذهبية وقبلية مستمدة السلاح والرعاية والدعم الفكري والسياسي من رعاة مشروع (( تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ)) وبات كل طرف من اطراف الصراع الداخلي يستنجد بالكيان الصهيوني لفرض سيطرته على خصومه ونيل مشروعيته. نحن هنا نرصد حركة اطراف ليبية وسودانية وعراقية وسورية ولبنانية تستنجد نهارا جهارا بالكيان ورعاته لتحقيق غاياتها.

في ظل هذا الوضع المأساوي والاوضاع والمعطيات السائدة ، ما الذي تريده الجزائر من عقد قمة عربية على ارضها الطاهرة؟ هل تعتقد الجزائر ان القمة ستزيح عن خاصرتها الغربية التموضع الصهيوني في ارض المغرب؟ او التخلص من التهديد الاخواني الاردوغاني على خاصرتها الشرقية في ليبيا؟ ناهيك عن تموضع الارهاب العالمي الذي تحشده امريكا والناتو على حدودها الجنوبية حيث التهديد المباشر لمنابع البترول والغاز الجزائرية.

ما ان وضعت روسيا بقيادة بوتين والصين بقيادة شيجين بنج على راس استراتيجيتيهما اسقاط نظام القطب الواحد الذي تربعت على عرشه امريكا بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي وذراعه حلف واسو حتى انقلبت وتبدلت الاستراتيجيات الدولية والاقليمية واخذت الاصطفافات تتمحور حول المصالح بعيدا عن الايديولوجيا، وفي خضم هذا الصراع اكتسبت بعض الدول الاقليمية مكانة استراتيجية هامة علاوة على ما كانت تتمتع به سابقا، واصبحت في عين العاصفة الامريكية ، ولنا في العراق وسوريا وليبيا خير مثال على ذلك، والجزائر ليست استثناءا، انها الدولة الاكثر استهدافا بحكم تاريخها وموقعها وموقفها وثرواتها الكثيرة وخاصة الطاقة. تخشى امريكا من التقارب الجزائري الروسي والانخراط في مشروع الحزام والطريق الصيني وتطور التعاون العسكري بين روسيا والجزائر ومما يثير رعب امريكا هو نشر منظومات ال S 400 في الجزائر الذي سيكشف الجناح الجنوبي للناتو ودوله. ان ما يجري منذ سنوات في الجزائر وما حولها هو خطوة استباقية تقوم بتنفيذها امريكا وادواتها في المنطقة وفي المقدمة منها الكيان الصهيوني وجيوشها الارهابية في التموضع حول الجزائر. اعتقد جازما ان الدولة الجزائرية على وعي ودراية بما يجري ويحاك ضدها، وفي مثل هكذا اوضاع لا الامم المتحدة ولا الجامعة العربية يمكن ان ترميا حبل النجاة للجزائر. ان منجاة الجزائر تكمن في صياغة تحالفات واصطفافات مع قوى التحرر والانعتاق من الهيمنة الامريكية، وان تقول للجامعة العربية والامم المتحدة ما قاله الشاعر الجزائري مفدي زكريا في التنديد بالامم المتحدة اثر موقفها المفضوح من قضية الجزائر في الدورة الرابعة عشرة عام ١٩٥٩

اكذوبة العصر، ام سخرية القدر

هذي التي اسست، في صالح البشر؟

سوق ، يباع ويشرى، في معابرها

حق الشعوب، لنصاب ومحتكر

كم خان فيها قضايا العدل ناصعة

قوم، يسوقهم (( الدولار)) كالبقر

م / زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري