د. عامر الربيعي/ بمناسبة استشهاد السيد محمد باقر الصدر: مختصر أطروحة الدكتوراه في جامعة ديكارت رينيه عن محمد باقر الصدر
دراسات و أبحاث
د. عامر الربيعي/ بمناسبة استشهاد السيد محمد باقر الصدر: مختصر أطروحة الدكتوراه في جامعة ديكارت رينيه عن محمد باقر الصدر
د.عامر الربيعي
9 نيسان 2022 , 01:44 ص



د. عامر الربيعي/ بمناسبة استشهاد السيد محمد باقر الصدر: مختصر أطروحة الدكتوراه في جامعة ديكارت رينيه بتاريخ 6/12/2021  عن محمد باقر الصدر


الدراسة التي بين ايديكم، ستتناول موضوع محمد باقر الصدر ، وستطوف بشكل مختصر ومبسط عن أبرز المنعطفات التي يراها محمد باقر الصدر من انها لعبت دورا مهما في جمود الأمة الإسلامية ، وخاصة في ميدان العلوم الاجتماعية . 


 كما تعلمون حضرات الاخوة والاخوات، ما لهذه الشخصية من ثقل في الفكر الاسلامي وعلى مختلف الصعد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولنتاجه الفكري في نظرية المعرفة الانسانية ، والتي على اساسها دخل في نقاش مع مفكري العالم من منظري نظرية المعرفة التي تبحث في اصل الوجود ، واصل التفكير ، وماهية التصور ، وماهية التصديق ، وما اذا كان هناك عقل أو معرفة أولية أو قبلية ،ام لا , ادخل في نقاش ومناظرة مع مدارس الفكر العالمي بشقيها العقلية والتجريبية ،محاورا أبرز رموزها في المذهبين اللذان ينتميان إلى منبع فكري واحد وأقصد المذهب الرأسمالي والمذهب الماركسي الذي اتخذ من الديالكتية الجدلية منهجا له.


يعتبر محمد باقر الصدر مبدئيا من أنصار المدرسة العقلية ، واستطاع من تقويم بعض الثغرات في المنطق الارسطي، كما ان الصدر يعتبر أن المدرسة التجريبية لا يجوز لها أن تدعي انها الأساس الذي يحب ان ينطلق منها التصديق ،ولا يجوز لها - التجربة- التواجد في حيز لا يجوز لها، ليصل الصدر الى نتيجة إلى أن العقل والتجربة مهمان في تحصيل العلوم وباسبقية المدرسة العقلية ، لأنها أوسع منفتحة على علوم ما وراء الطبيعة.

لم يكن الصدر يختص بجانب دون آخر، فمثلما وجه نقده لمدارس الفكر المختلفة ، وقوم خطواتها ، انتقد الوعاء الفكري الذي يغترف منه التاريخ الاسلامي ليكسب استمراريته.

 

 وحتى نعرف الصدر لمن لا يعرفه فهو يعتبر من ابرز المفكرين المعاصرين في التاريخ الاسلامي الحديث: 

▪︎مناظرات بين المدارس الفكرية العالمية العقلية والحسية والتجريبية والديالكتية الوجودية ، وغيرها العديد من الانساق الفكرية التي بنيت على اساس تراكمي ، حول الحقيقية في الوجود هل هو الله جل في علاه ، ام المادة ، وبين حقائق الوجود وباطن الإنسان وما يزخر به من شعور ، وتفاني وحب الذات ، وفرح ، و غيرة وحسد، وانفعالات نفسية ، وبين جسد محاط بالرغبات تحركه الحواس الخمس ، ليقول الصدر ان المادة غير قابلة على استيعاب ما يزخر به عقل الإنسان من طاقات خلاقة تكتشف يوما بعد يوم ان لهذا الوجود نظاما متناسقا ، وراءه صانع، وعقل قبلي هو الأول، وهو ما تعتنقه المدرسة العقلية الإسلامية وتنطلق منه " هو الله " جل في علاه.


▪︎وصل إلى مستوى وضع نظرية في التاريخ ، باعتباره مفهوما متعاليا له بداية انطلق منها وله غاية. من حركته و هدف يصل إليه، والمحرك الأساسي للمساحة التاريخية هو الإنسان ويغير طبيعة حركة هذه المساحة وفق ما يعتنقه من منظومة مفاهيمية ومعرفية تقوم عليها الرؤية الاجتماعية و السياسية والاقتصادية.


▪︎ اكتشف المذهب الاقتصادي في الاسلام ، موضحا ما هية المذهب وماهية العلم ، ومن ان المذهب اطار ، والاسلام يمتلك هذا الاطار ، مسنتبطا ذلك من خلال النصوص القرانية واحاديث الرسول ص من خلال حياته في المدينة المنورة، ولا يوجد في الاسلام علم الاقتصاد بتفاصيله المتعارف عليها عند علماء الاقتصاد كما في النظام الراسمالي. وسنفصل ادناه من خلال هذا المختصر.


▪︎وضع النظرية السياسية في الاسلام ، وطبيعة نظام الحكم الذي يجب أن يقود الأمة الإسلامية ، بما يتناسب ويتوافق ومنظومة المفاهيم التي يؤمن بها انسان العالم الإسلامي، والتي يجب أن لا تختلف مع القيادة التي تعتنق نفس منظومة المفاهيم ، بحيث وصل إلى نتائج من ان الاسلام يرفض أطروحة الدولة القائمة على العقد الإجتماعي، والدولة الملكية ، والدولة المستبدة، ودولة الحق الإلهي، وإنما يجب أن يكون نظام الحكم ديمقراطي يحكم فيه الشعب طبيعة النظام الحاكم بحيث تكون المسؤولية جماعية ، تحت عنوان دمج فيه بين ولايه الفقيه والشورى في حكم الامة.


 ولد هذا المفكر في العراق في مدينة الكاظمية - سميت بالكاظمية نسبة الى الامام موسى بن جعفر الكاظم- في بغداد عام 1934 اكمل دراسته في مدينة النجف حيث التحق بالحوزة العلمية التي كان يعتبرها صرحا علميا قل نظيره في العالم.

كان للعائلة التي ينتمي لها الصدر المعروفة "بال الصدر" باع طويل في العلم والمعرفة ولرجالات هذه العائلة دور في اتحاف المكتبات الحوزوية والعلمية والتاريخية في العالم الاسلامي، فبالإضافة الى البيئة والمحيط الذي نشأ فيه و المكان الاول الذي احتضن بوادر النبوغ لديه كان للمدرسة و الاصدقاء ولأساتذة دور ايضا في بلورة شخصية محمد باقر الصدر وخاصة خاله محمد رضا ال ياسين ، ناهيك عن ان مدينة الكاظمية والنجف تعتبر من الاماكن المقدسة وذات رمزية في المذهب الاثنى عشري وخاصة وان العراق يحتوي على مراقد سبعة من الأئمة وأبرزهم مرقد الامام علي في مدينة النجف.

 على الرغم من ان الاطروحة تناولت الجانب الاقتصادي , واعتبرته المحور الاساسي الذي تدور حوله الاطروحة , لكن بنفس الوقت,و لتعدد المجالات الفكرية التي خاض فيها الصدر , ارتأت الضرورة الاشارة الى جانب من اسهامات الصدر في نظرية المعرفة الخاصة به وبدايات تاريخ علم الكلام الاسلامي .

*فأصبحت الاطروحة مكونة من مقدمة , تناولت هذه المقدمة محورين مهمين هي بدايات الصدر , العائلة , الطفولة , المدرسة , الالتحاق بالحوزة العلمية في النجف , والمراحل الدراسية فيها . اما المحور الثاني تناول بدايات علم الكلام في التاريخ الاسلامي , ونظريات المعرفة الاسلامية وابرز رجالاتها ,وإسهاماتهم في التقويم الفكري او التطعيم الفكري من نظريات المعرفة للحضارات العالمية الاخرى منعا للعقلية والحسية* .

*أسباب الانحطاط عند المسلمين*

 وضع محمد بتقر الصدر مجموعة من الاسباب اعتبرها الصدر مواضيع اساسية ادت الى الاسهام في استمرار تأخر الامة الاسلامية وعدم قدرتها على اللحاق بالمستوى الحضاري الذي يليق بها كما لدى غيرها من الأمم التي تستند على جذور حضارية أو مذهبية من هذه الأسباب :

 1- منها ما اعتبره اسباب تنتمي الى الموروث الحضاري ، وحقبة التاريخ الاسلامي الاول ,وكيف ادى انحراف منهج الاسلام الذي جاء به الرسول محمد ص الى نظام الخلافة والشورى ,وهذه الفاصلة التاريخية اعتبرها الصدر بداية الانحراف في التاريخ ألإسلامي ، ناهيك عن طبيعة المفاهيم التي يعتنقها من تبوء منصب القيادة ومدى اقتناعه بها ، وقدرته على تطبيقها مثلما كان يفعل الرسول محمد ص . 

2- اما العامل الاخر الذي ورثته الامة الاسلامية , وكرست من تقوقعها ومنعها من الانطلاق , كانت مناهج التفسير للقران الكريم التي اتبعها المفسرون , حيث قسم الصدر مناهج التفسير الى نوعين , اسمى النوع الاول بمنهج التفسير ألتجزيئي اما الثاني اسماه منهج التفسير التوحيدي او الموضوعي .

 3- ومنها ما الحق بالفكر الاسلامي من خلال محاولات المفكرين المحدثين او مفكري الحداثة ,أو ما يعرف باسم التغريب , حيث عمل تيار الحداثة على التوفيق بين الاسلام ومفاهيم ومنظومة القيم لكل من الرأسمالية والاشتراكية الماركسية. 

 وغيرها العديد من الاسباب لكن بمجموعها ادت الى تكريس الانحطاط والتأخر في تاريخ الأمة الإسلامية , ولتكشف عن هيكلية لدول إسلامية وعربية متأخرة وتابعة لركب الحضارة الغربي و مكتفية بالاستيراد بمختلف اشكاله والاستهلاك بمختلف اشكاله، ليضع الصدر يده على ما اعتبره دور العوامل النفسية، وتأثيرها في خلق الاندماج بين انسان العالم الإسلامي ونزوعه الى الرفض لأي إطار ينبثق عمن استعمره في حقب معينة من التاريخ، وهي عوامل تناقض ورفض تأسيسية في ذهنية انسان العالم الاسلامي.

وهذه الاشكالية , تعتبر من الاشكاليات الملحة لدى العديد من العلماء والمفكرين العرب والمسلمين , اللذين كانوا يرون في تفوق العامل المادي في الفكر الرأسمالي او الاشتراكي , في اختزال وتطويع كل الجوانب الاخرى , يحمل في مسيرته تصادمية مع العامل الحضاري لجهات لا تعتنق هذا العامل , ولا تعتبره اولوية يجب العمل والبدأ منها . لكن هذا لا يعني ان محمد باقر الصدر لا ينشد التغيير بل على العكس , يؤيد الصدر التغيير , لكنه ينطلق من منظور انفتاح العقل على المطلق ,وان التغيير ملازم للوجود , ولذلك فان فكرة التغيير ملازمة للوجود , اي انه يجب ان يتم اعطاء معنى للعالم , لتتمكن من تغييره ، ومعنى الوجود يحمل جوانب عديدة منها ما هو ميتافيزيقي وأخلاقي , وهكذا كل حركة تغيير بحاجة الى منظومة اخلاقية وقيميه تستمدد منها عملية التغيير معناها والزاميتها, ذهب الصدر الى هذا النوع من التغيير لأنه يرى ان التغيير وفق هذا المنطق يعيد النظر في مختلف العلوم الاجتماعية ومفهوم التقدم ومفهوم التنمية وغيرها العديد من المفاهيم.

لذلك فان هذه القيم والمفاهيم المصاحبة لعملية التغيير وفق راي الصدر فأنها ستتحرك في المحيط الاجتماعي , وسيناط بالفرد والجماعة نوع من العلاقة الاجتماعية التي ستفرز واقع يندمج مع هذه القيم والمفاهيم التي يحملها المذهب او المنهج الجديد القادم وفق عملية التغيير المنشودة , وسيكون هناك معنى اخر للعديد من المفاهيم : التفاوت الطبقي , و الندرة والكثرة في الثروات والإنتاج , ومفاهيم المنفعة , وحب ألذات ونظرية الصراع , وغيرها العديد من المفاهيم التي تترك اثرها على عناصر المجتمع . 


عناصر المجتمع التي حددها علماء الاجتماع بثلاث عناصر وهي: الانسان والإنسان الاخر والطبيعة . اعترض الصدر على نظرية علماء الاجتماع و راها انها تفتقر الى العنصر الرابع والأساسي في هذه العلاقة، وأعاد صياغة عناصر المجتمع , وفق نظرية اسماها نظرية الاستخلاف، واعتبر ان عناصر المجتمع مكونة من اربع عناصر وهذه العناصر هي الانسان وعلاقته مع الانسان الاخر وعلاقتهم مع الطبيعة وعلاقة المجموع مع الله سبحانه وتعالى . 


ووفق هذه العلاقة ستتم عملية تحريك المساحة التاريخية وجوانبها المختلفة, ومن ضمنها النمط الاقتصادي ألسائد وفق رؤية هذا النمط لطبيعة القوانين الطبيعية , والقوانين الاقتصادية , حيث يعتبر الصدر وفق نظرية الاستخلاف وعناصر المجتمع ان الاسلام يمتلك رؤيته الخاصة في تفسير الكون وظواهره والمجتمع وعلاقاته , لذلك اعتبر الصدر وفق هذا المفهوم ان هناك نوعين من القوانين , اسماها العلمية والثانية الطبيعية وبين كيف ان لهذه القوانين علاقة مع ارادة الانسان التي تتأثر بكل المؤثرات التي تطرأ على الوعي الانساني , ويرى الصدر انه من الطبيعي ان تتحد ميول ورغبات واحتياجات الانسان وتتفق وتتكيف وفقا لنوعية المذهب السائد, ورؤية هذا المذهب للقوانيين الاقتصادية. كما يجب الاشارة الى ان التنظير للاقتصاد الاسلامي لم يكن الصدر الوحيد الذي تطرق الى هذا الجانب , فقد سبقه العديد من المفكرين من ابرزهم شاه ابادي ، عبد الاعلى المودودي ، محمد اقبال ،محمد جواد مغنيه , سيد قطب. حسن ألبنا وغيرهم .


انطلق الصدر لغرض اكتشاف المذهب الاسلامي من خلال نصوص القران الكريم , التي تطرقت بشكل عام عن نواحي اقتصادية واجتماعية تمس حياة الانسان والمجتمع والوجود .

*تمحور الفصل الاقتصادي حول المحاور التي تنبثق من اشكالية هل يوجد في الاسلام المذهب الاقتصادي الاسلامي ؟*

*ومدى قدرة المذهب الاقتصادي في الاسلام على ان يكون مذهبا مطبقا , يجد له مكانا بين المذهب الرأسمالي والاشتراكي*

من هذا المنطلق اراد محمد باقر الصدر من خلال مقارنة الاقتصاد الاسلامي من جهة وبين الاقتصادين الرأسمالي والاشتراكي من جهة ثانية , لأجل معرفة اي من المذهبين يمتلك القدرة على المساهمة في معركة العالم الاسلامي ضد التخلف الاقتصادي ومدى قابلية كل واحد من هذه المناهج في ان يكون اطارا لعملية التنمية الاقتصادية في العالم الاسلامي , ووفق التجربة التي خاضتها الامة الاسلامية في ظل هذين النظامين , يطرح محمد باقر الصدر رؤيته ونظريته في الاقتصاد القائلة من ان هناك مذهبا اقتصاديا ثالثا , لم يطبق بعد و يمتلك مقومات التطبيق وقادر على قيادة الامة الاسلامية , وذلك لان المذهب الاقتصادي الاسلامي يمتلك منظومة من القيم والأخلاق تنتمي الى العامل الحضاري التي تنتمي له الامة الاسلامية , ناهيك عن التوافق بين ثقافة انسان العالم الاسلامي ونمط العلاقات التي تسود بين العناصر المكونة للمجتمع , ولا بد من الاشارة الى ان الاسس التي استند عليها محمد باقر الصدر في التنظير الى وجود مذهب اقتصادي في الاسلام , استمدت بالدرجة الاساس من القران الكريم , والسنة النبوية , ومدرسة ال البيت وسيرة الائمة الاثنى عشر.

بالنسبة للقران الكريم فهناك العديد من النصوص التي تحوي على اشارات , تشير بها الى مختلف جوانب الحياة بصورة عامة , ومنها قوانين طبيعية عامة تدخل في طبيعة تكوين الثروات , وكيفية توزيعها وحقوق الفقراء والمساكين والزكاة والخمس وغيرها العديد من قوانين تخدم المجتمع و تهدف الى خلق العدالة الاجتماعية بين افراد المجتمع , اما من ناحية السيرة النبوية فالعمل على الاخذ بكل ما كان يقوم به الرسول محمد ص او سكت عنه عند صدوره من احد المسلمين باعتبار ان صمته عن فعل معين قام به احدهم , بانه فعل صحيح, كما امر الرسول ص المسلمين بالتحلي بالأخلاق وبالتفاني والإيثار ومساعدة المحتاجين والفقراء للوصول الى خلق الدولة الاجتماعية ولعل بدايات تكوين المدينة المنورة ابان هجرة الرسول , وتفعيل القانون الاخلاقي المؤاخاة , ذو اثر اجتماعي الهدف منه تقويم اخلاق الانسان المسلم من خلال اقتسام مع اخوه المسلم ما يملك، وما يأكل .

 اما دور الائمة عليهم السلام فكان بدأ من الامام علي في فترة الخلافة الراشدة الى دور باقي الائمة في عصر الدولة الأموية وعصر الدولة العباسية , الى الامام الثاني عشر المهدي المنتظر،

 كان يرى فيهم تنوع أدوار ووحدة هدف.

ولغرض ان يثبت الصدر ان في الاسلام مذهبا اقتصاديا، قام بوضع الإطار الذي يتحرك به علم الاقتصاد من جهة، والإطار الذي يتحرك به المذهب الاقتصادي، وإيضاح الفرق بينهما، حيث يرى الصدر ان علم الاقتصاد هو علم اختص في البحث بطبيعة الثروة، وقوانين انتاجها وتوزيعها وأسباب الازدهار والتخلف، لكنه لا يوجد طريقة للتنظيم، وانما يأخذ طريقة من الطرق المتبعة في المجتمعات، فيدرس نتائجها واثارها كما يدرس العالم الطبيعي نتائج الحرارة واثارها.

وضع محمد باقر الصدر هيكلية للاقتصاد الاسلامي مكونة من ثلاث اسس وهي الملكية المزدوجة , مبدأ الحرية الاقتصادية المحدودة, مبدأ العدالة الاجتماعية .

من حيث المبدأ الاول القائم على الملكية المزدوجة , يرى الصدر ان الملكية في المجتمع الاسلامي لا تنطبق عليه الصفة الاساسية في الملكية لكل من المذهبين الرأسمالي والماركسي وذلك يعود الى ان النظام الإسلامي يفسر الملكية تفسيرا اخلاقيا , ينطلق من مبدأ اساسي من ان المالك الحقيقي للأرض هو الله ودور الانسان هو طابع الوكالة والخلافة على الملكية الخاصة , من هذا المنطلق يتم تحديد ملكية متعددة الاوجه والجوانب وهو ما اصطلح عليه بالملكية ألمزدوجة حيث يؤمن الاسلام بملكية الفرد وملكية الدولة والملكية ألعامة والمباحة ويخصص لكل واحد من هذه الاشكال الثلاثة للملكية حقلا خاصا تعمل فيه , ولا يعتبر اي منها شذوذا اقتضته الضرورة , وإنما يعتبر هذا التنوع في الملكية مذهبي اصيل قائم على اساس وقواعد فكرية معينة موضوع ضمن اطار معين من القيم والمفاهيم , تناقض الاسس والقواعد ومنظومة القيم المفاهيم التي قامت عليها الرأسمالية الحرة , وتناقض الاشتراكية الماركسية التي قامت على انقاض الرأسمالية , فمن حيث الرأسمالية الحرة نلاحظ ان الفكر الرأسمالي كان يؤمن في بداياته بالملكية الخاصة باعتبارها المبدأ الاساسي , وان الانسان هو المالك الحقيقي للأرض والثروة , لكنها غيرت من مبدأها , عندما اخذ مفهوم الحرية الخاصة يتطور , وتضاؤل مفهوم الحرية الاقتصادية , ادى ذلك الى ان يقوم النظام الرأسمالي بسن قوانيين تمنع من تملك الافراد لبعض الثروات والمرافق الطبيعية , ولا تسمح له بالإساءة في استعمال حقه في التصرف والانتفاع بماله. 

اما الاشتراكية الماركسية فإن الإسلام لا يتفق معها في اعتبار ان الملكية اشتراكية كمبدأ عام , يحرم فيه الانسان من تحقيق رغباته في التملك , حيث يقوم بتقليص الملكيات الفردية وتركيز الملكيات العامة ,الى ان وصلت الاشتراكية في ظل الماركسية الى تقديس الملكية العامة ووضع كل الثروات بيد الدولة التي تقودها طبقة من البروليتاريا للوصول الى الغاء الملكية الفردية بالكامل , لتصل في نهاية المطاف الى اضمحلال الدولة وملكيتها.

لكن مع تطور الأنظمة الإجتماعية، وخاصة تحت بند الملكية المزدوجة نلاحظ ان كلا النظامين الرأسمالي والاشتراكي اضطر الى الاعتراف بالشكل الاخر للملكية والذي يتعارض مع القاعدة العامة فيهما.

اما ما يخص الهيكل الثاني في الاقتصاد الاسلامي الحرية الاقتصادية المحدودة، فيعتبر من اركان هيكل الاقتصاد الاسلامي عند الصدر، يسمح فيه بملكية محدودة للأفراد ضمن إطار من القيم المعنوية والخلقية التي يؤمن بها الاسلام، يخالف هذا الهيكل ذو الملكية المحدودة المذهب الرأسمالي الذي يسمح بحرية اقتصادية غير محدودة، ويخالف ايضا الإشتراكية التي تصادر الحريات العامة من خلال اطاره العام. 

سماح الاسلام بملكية محدودة مثل ما ذهب اليه الصدر نابع من قيدان يقيدان الملكية الخاصة , القيد الاول ذاتي مستمد من القيم والتعاليم الاخلاقية في الاسلام , والقيد الثاني موضوعي وهذا ينقسم بدوره الى شقين , شق يتم تحديده من قبل الشريعة في القرآن والسنة كتحريم الربا والاحتكار وغير ذلك , والشق الثاني يوضع من قبل الشريعة في اشراف ولي الأمر على النشاط العام وتدخل الدولة في حماية المصالح العامة .

اما الركن الثالث من هيكل الإقتصاد الإسلامي فيكمن في العدالة الاجتماعية , حيث يرى محمد باقر الصدر ان العدالة الإجتماعية في ظل الإسلام يجب ان لا تخرج عن اطار الهدى وتوجيه وتعاليم الدين الاسلامي الاخلاقية ،

 وكل هذه الاخلاقيات تظهر في التعامل من خلال فرض الضرائب على اموال الاغنياء من المسلمين وتعطى للفقراء لسد حاجاتهم الضرورية, وتخصيص ملكيات عامة للدولة تنفق عن طريقها الدولة على الفقراء وتعمل لرفع مستواهم العام للمعيشة في المجتمع.

من خلال هذه المبادئ , نلاحظ ان النظام الرأسمالي الذي يشير اليه فلاديمير لينين في كتابه مختارات , ان هناك مبادئ اساسية تقوم عليها الرأسمالية ومنها ان الرأسمالية هي بالضرورة احتكارية لأنها مرت بأربع مراحل اولها مرحلة الاستيلاء على مصدر الخام , واحتكار البنوك لرأس المال المالي , واحتكار حيازة المستعمرات لأجل تصدير راس المال المالي وغيرها العديد من العناوين التي توضح مدى الانحدار والخطورة التي يعاني منها العامل الاخلاقي المتبع في تحقيق خطوات وأعمدة الرأسمالية واستمراريتها الاحتكارية , اما بالنسبة للماركسية , فباعتراف كارل ماركس وباعتراف فلاديمير لينين , من ان الماركسية هي مرحلة متطورة قامت من الرأسمالية ولتصحيح التقيح الذي قادته الرأسمالية في المجتمعات , وفي كلا المذهبين نستطيع ان نطرح الاشكالية الخاصة بالدافع الذاتي المحرك لحركة التغيير , وخاصة وان ماركس نادى بضرورة تسليم القيادة الى الطبقة العمالية , لان النظام الطبقي عامل وجد عندما سيطر الأغنياء على مقاليد الحكم , فمن اين استقى ماركس مبادئه الاخلاقية ليحرك بها الطبقة العمالية , اذا كانت الماركسية قامت على انقاض الرأسمالية!

تطرق محمد باقر الصدر الى جهاز التوزيع في الاسلام , وقسم نظرية التوزيع الى : التوزيع قبل الانتاج, والتوزيع بعد الانتاج , موضحا دور الحاجة والعمل وعلاقتهم بالثروة التي على اساسها يتم معرفة دور العمل في التوزيع, في الأنظمة الثلاثة.

في النظام الرأسمالي : يرى هذا النظام ان العامل انقطعت علاقته بالثروة عندما استلم العامل الاجر , وحصل على حقه في اشباع رغباته , مهما كان عمله .

النظام الشيوعي: فترى ان المجتمع الذي يذيب الافراد فيه يصبح هو العامل والمالك الحقيقي لنتاج عمله , وليس للأفراد الا إشباع رغباتهم وفق مقولة كل من وفق طاقته , ولكل وفق حاجته, وهذا ما اعتبره الصدر ان العمل هنا اصبح اداة انتاج وليس اداة توزيع

النظام الماركسي : يرى ان العمل البشري هو الاساس , لان العامل هو الذي يخلق القيمة التبادلية للمادة التي اسبغ عليها عمله , فبالتالي لا قيمة للمادة . 

النظام الإسلامي فهو يخالف الشيوعية في قطعها للعلاقة بين العامل والثروة اي نتاج العمل , ولا يشترك مع الإشتراكية في ان العمل هو المكون الأساسي للقيمة ألتبادلية لان الإسلام يرى ان قيمة كل مادة هي حصيلة الرغبة الاجتماعية العامة.


 لذلك تعتبر الحاجة في جهاز التوزيع اداة رئيسية , ولغرض ان يظهر الصدر مكانة الحاجة في جهاز التوزيع قسم المجتمع الى ثلاث طبقات , الاولى الأغنياء بما تملكه من طاقات تعتمد في كسب نصيبها من التوزيع على العمل بوصفه اداة للملكية , لذلك فهي تنتج فوق حاجتها . اما الطبقة الثانية التي تنتج الا ما يشبع رغباتها فهي تعتمد على الحاجة والعمل , والطبقة الثالثة الضعيفة بدنيا أو ذات العاهات او غيرها تركن هذه الفئة على اساس الحاجة فقط, فهي تحصل على نصيب من التوزيع لضمان حياتها وفقا للضمان الاجتماعي والتكافل.

ولغرض ان يكمل هيكلية النظام الاقتصادي في الاسلام , الذي من ابرز تعاليمه تحريم الربا , او الارباح المبالغ فيها , ولكي يضع اطار للبنك بان يبقى وسيطا ولا يتجاوز هذه المهمة , قام الصدر بالتنظير لوضع اطروحة و هيكلية بنكية خالية من الربا , من المؤكد مثل هذا الطرح , في بيئة بنكية تعتمد على الربا , وبيئة ذات نظام مالي يرتكز فيها اقتصاد الدولة على البنوك ذات الثقل في استقرار العملة والرأسمال التجاري والصناعي, من المؤكد ستكون بدايات البنك اللاربوي صعبة , وبنفس الوقت هو يحتاج إلى بيئته ذات المفاهيم المتوافقة مع خطواته، واللافت للانتباه انه في يومنا المعاصر اصبحت هذه الاطروحة متواجدة في مساحات واسعة من بلاد العالم الاسلامي , وتحتاج إلى تطوير مستمر ، ناهيك عن ان هنالك العديد من البنوك الربوية في مختلف دول العالم وضعت خدمة لوكلائها بفتح حسابات من دون ربا.


الدكتور عامر الربيعي

جامعة ديكارت رينيه باريس