كل يغنِّي على ليلاه".. مثل يُقال عندما يشتكي كل شخص همَّه وكأنه أكبر الهموم في الدنيا.. لكن من هي "ليلى" التي يتحدث عنها هذا المثل، وما قصته؟
حتى لو لم تسمعوا من قبل قصة مَثل "كلٌّ يغنِّي على ليلاه"، إلا أنها بالتأكيد ليست غريبة عليكم، فهذا المثل مستوحى من حكاية قيس بن الملوح الشهيرة وابنة عمه ليلى العامرية.
كما لا يخفى على أحد، فقد دارت أحداث قصة حب قيس وليلى في مضارب بادية العرب، فقد كانا يرعيان الغنم معاً في طفولتيهما، ثم أصبحا رفيقين وعاشقين في الصبا.
وكما جرت العادة لدى العرب، فقد حُجبت ليلى عن ابن عمها عندما أصبحت في سن الزواج، لكنه لم ينسَ عشقه وهيامه بها، وراح ينشد فيها الأشعار التي سرعان ما انتشرت بين العرب.
وعندما استطاع قيس بن الملوح جمع مهر كبير قدره 50 ناقة حمراء، وطلب الزواج من ابنة عمه، رفض أهلها تزويجه إياها، فقد كان العرب يرفضون تزويج من ذاع صيتهم بالحب أو تشبب ببناتهم (أي تغزَّل بهن في أشعاره).
ومما زاد من مأساة قيس بن الملوح أن خاطباً من ثقيف تقدَّم لليلى، فزوجها أهلها إياه رغماً عنها، ورحلت معه إلى الطائف.
ومن حينها بات قيس معروفاً بـ"مجنون ليلى"، وظل يتغنى بها في أشعاره حتى مماته، لكن ما علاقة كل ذلك بـ"كل يغني على ليلاه"؟
ذاع صيت مجنون ليلى بين العرب، وقيل إنه من كثرة حبه لها وزهده في الدنيا من بعدها أصابه الهزال ومسٌّ من الجنون، وقيل أيضاً إنه لم يكن مجنوناً في واقع الأمر، لكنه ادعى الجنون كي يقول في ليلى ما يحلو له من الأشعار دون حسيب أو رقيب، وكي لا يفتك به أهلها الذين انتشرت قصتهم بين العرب أيضاً.
أعجب الشعراء المعاصرون لقيس بتلك الهالة التي رسمها حول حبه لابنة عمه، فراحوا هم أيضاً يقلدونه وينسجون أشعار الغزل، ويسمي كل منهم حبيبته باسم "ليلى" كي لا يفتضح أمره ولا يلقى مصيراً مشابهاً لمصير قيس، فيُحرم من الزواج بالفتاة التي يحبها؛ لأنه تشبب أو تغزل بها علناً.
فأصبح لكل شاعر حبيبة تدعى "ليلى" وبات "كل يغني على ليلاه" ويشكو حبه وشوقه لحبيبته تحت غطاء اسم مستعار، وهكذا ذهبت تلك العبارة مثلاً.
حتى قيل إنه إذا سأل أحدهم أحد الأعراب من بني عامر عن مجنون ليلى، سيكون رد الأعرابي: "عن أيهم تسأل؟". مع العلم أن شاعراً واحداً فقط قد هام بليلى العامرية، وهو قيس بن الملوح، ومع العلم أيضاً أن بنات بني عامر لسن كلهن "ليلى"، لكن في تلك الفترة كثر مجانين الحب والهوى، وراح كل منهم يغني، وقيل أيضاً "يبكي على ليلاه" أي على ما يؤرقه.
ونذكر من هؤلاء الشعراء الذين تغنوا باسم ليلى، مزاحم بن الحارث، ومن أبرز الأشعار التي قالها في ليلاه:
ألا أيها القلبُ الذي لجَّ هائماً بليلى وليداً لم تقطع تمائمه
ومنهم أيضاً معاذ بن كليب، الذي قال في ليلاه:
ألا طالما لاعبت ليلى وقادني إلى اللهو قلبٌ للحسان تبوع
ومنهم كذلك مهدي بن الملوح القائل:
لو أن لك الدنيا وما عدلت به سواها وليلى بائنٌ عنك بينها
وقد ذكر الجاحظ أن معظم أبيات الشعر التي كان اسم شاعرها مجهولاً وكان فيها ذكر لاسم ليلى قد نُسبت لقيس بن الملوح، مع العلم أنه قد لا يكون قائلها بالضرورة.
ومن تلك الأبيات هذان البيتان اللذان نُسبا في بعض كتب التراث إلى مجنون ليلى، ولكن بعد أن بحث المحققون اكتشفوا أنهما للشاعر المعروف باسم جميل بثينة، والذي يقول:
وما زلتم يا بثين حتى لو أنني من الشوق استبكي الحمام بكى ليا