كتب الأستاذ حليم خاتون: لبنان - إسرائيل، التعايش المستحيل
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: لبنان - إسرائيل، التعايش المستحيل
12 تموز 2022 , 00:35 ص


لنضع فلسطين جانباً...

لنضع العروبة جانباً...

لنضع الدين الاسلامي جانباً...

لنضع الدين المسيحي جانباً...

ما هو الكيان الإسرائيلي؟

من هو هذا الكيان؟

ما هو دور هذا الكيان، ولماذا تم تبني المشروع الصهيوني لاستيطان فلسطين من قبل الإمبريالية البريطانية أولاً، ومن ثم الإمبريالية الأميركية...

لماذا أراد الاتحاد السوفياتي استخدام هذا الكيان لنشر النفوذ السوفياتي في العالم العربي عبر الهجرة المكثفة لليهود السوفيات الذين كان من المفروض أن ينشروا البروباغاندا السوفياتية في عالم عربي متخلف...

إنها نفس المدرسة الإمبريالية البريطانية التي أوجدت دولة جنوب افريقيا العنصرية قبل تحررها الجزئي مع نيلسون مانديلا في القرن الماضي...

هي نفس الإمبريالية البريطانية التي أقامت دولة روديسيا حيث سادت الأقلية البيضاء على شعب زيمبابوي الأسود...

تماماً كما قام مستوطنون بيض بمصادرة الأراضي الخصبة والمياه ونهب الثروات في دول الاستيطان الافريقي، وتأسيس نظم عنصرية تلعب دور الشرطي في القارة السوداء، كذلك فعل المستوطنون الصهاينة الذين قاموا بتهجير الفلسطينيين وتدمير القرى وارتكاب المجازر بغية إقامة وطن "قومي يهودي"...

أي نظرة ولو سطحية إلى منطقة بلاد الشام تُظهر بشكل لا لبس فيه أن الكيان اللبناني يلعب نفس الدور المالي والتجاري الذي يريد الكيان الصهيوني في فلسطين لعبه...

مرفأ حيفا مقابل مرفأ بيروت...

النظام المصرفي "اليهودي" مقابل النظام المصرفي اللبناني...

السياحة في فلسطين المحتلة مقابل السياحة في لبنان...

الانتشار "اليهودي" مقابل الانتشار اللبناني في العالم...

قد يقول قائل إن هذه الأسباب يمكن أن تكون تكاملية وليس بالضرورة تنافسية...

هذه النظرة تصح لو كان هناك وحدة حال في منطقة بلاد الشام التي تعيش في سلام...

وجود التنافس لا يفسد في الود قضية بين مجموعات متشابهة أو متناسبة تاتي من تاريخ واحد ومن جغرافيا واحدة ولا تسعى إلى السيطرة الشوفينية القائمة على التميز عن الآخر...

في حالة الكيان الصهيوني، نجد أنفسنا أمام أيديولوجية التفوق العرقي التي تقول بأن اليهود هم شعب الله المختار وان بقية العالم وُجد لخدمة هذا الشعب ليس إلا...

يكفي سماع "النشيد الوطني" لهذا الكيان حتى يكتشف المرء مع أي نوع من البشر يتم التعامل...

لم يكن التعاون بين النظام العنصري الابيض في بريتوريا وبين حكام تل أبيب يأتي من فراغ؛

كان النظامان يحملان نفس عقيدة التفوق على بقية الأجناس...

تماما كما كان النظامان يلعبان نفس الدور القمعي ضد حركتي التحرر العربية والإفريقية على حد سواء...

نظام بريتوريا ضد حركات التحرير في انغولا وزيمبابوي وغيرها ونظام تل أبيب ضد مصر جمال عبد الناصر وضد الوحدة العربية وضد الأنظمة التي تسعى إلى التقدم والنمو الاقتصادي في العراق وسوريا...

بالإضافة إلى النظرة العنصرية إلى العرب، لعب اغتصاب فلسطين دورا في إعطاء الأفضلية دوما إلى لبنان، إلى أن تمكن الكيان من محو هذه القضية من الذاكرة العربية...

لم تكن الأنظمة العربية تجرؤ على التعامل علنا مع هذا الكيان بسبب القضية الفلسطينية إلى أن استطاعت وفي مراحل متعددة متتالية شيطنة الفلسطينيين، كما تعمل اليوم على شيطنة المقاومة اللبنانية في سبيل إيجاد الذرائع للتعامل مع هذا الكيان...

أثناء الحرب الأهلية وقع في يدي كتاب يدعو ويرى إمكانية التعايش بين اليهود والعرب في فلسطين...

كان عنوان الكتاب: "نحو حل ديمقراطي للصراع العربي الصهيوني..."!!

هل يمكن فعلا التعايش في نظام وطني ديمقراطي في فلسطين والعالم العربي بين العرب والصهاينة؟

حتى في منظمة التحرير الفلسطينية بدأ العد التنازلي عن الحقوق يوم بدأ الحديث عن إمكانية هذا التعايش...

فهل هذا التعايش ممكن فعلا؟

ما حصل في جنوب إفريقيا، لم يكن انتقالا من حالة العداء إلى حالة التعايش هكذا ببساطة...

ما حدث في جنوب إفريقيا، كان هزيمة للنظام العنصري أمام حزب المؤتمر الوطني الإفريقي حيث كان عدد السكان البيض لا يزيد على أربعة إلى خمسة ملايين نسمة يتحكمون بمصير أكثر من ثلاثين مليون من ذوي البشرة السوداء وعدة ملايين من الملونين ذوي البشرة الداكنة من أصول هندية وباكستانية...

أصر نيلسون مانديلا على انتخابات حرة حيث يصوت البيض والسود والملونون على قدم المساواة... صوت واحد لكل مواطن...

نجح حزب المؤتمر في الانتخابات فكان أول عمل قام به مانديلا، هو فك أسس النظام العنصري وانهاء الدور الاستعماري الذي كانت تلعبه هذه الدولة ضد حركات التحرر والتقدم الاجتماعي... ورغم كل الجهد الذي جرى لا يزال البيض يسيطرون على كل مجالات الاقتصادية ويستاثرون بالثروة وسط بؤس مروع ينتشر داخل المجتمع الأسود...

إذاََ، إذا أردنا فعلا خلق واقع للتعايش بين الفلسطينيين والصهاينة، يجب الانطلاق اولا من إنهاء أسطورة شعب الله المختار وتفوق أحفاد اسحاق على كل البشر بما في ذلك أحفاد اسماعيل الذين يشكل الفلسطينيون جزءًا منهم...

هناك حوالي ستة ملايين فلسطيني يعيشون على أرض فلسطين التاريخية، وهناك أكثر من هذا العدد بكثير يعيشون في الشتات أو في مخيمات اللجوء...

كيف يمكن الوصول إلى التسامح والتعايش قبل السماح لفلسطينيي الشتات بالعودة إلى قراهم ومدنهم وبيوتهم التي تم اغتصابها من قبل السلطة الصهيونية...

حتى لو قبل الفلسطينيون بعدم محاكمة مجرمي الحرب الصهاينة، هل يمكن فعلا إيجاد سلطة تحترم المساواة الكاملة بين "اليهود" والعرب الفلسطينيين؟

نظريا، هذا ممكن في حالة واحدة، وهي انتفاء الدور الاستعماري لدولة الكيان وتوقفه عن لعب دور شرطي المنطقة في لبنان وسوريا والعراق ومصر وحتى في البلدان الابعد جغرافيا...

هل هذا ممكن، ونحن نرى تجمع كل كلاب الامبريالية تحت الجناح الاميركي؟

نظريا، يمكن اعلان مساحة فلسطين التاريخية منطقة حرة لكل الفلسطينيين واليهود في العالم شرط عدم وجود جيش ووجود شرطة محايدة لا يكون فيها لا يهود ولا فلسطينيون...

نظريا هذا ممكن، بمدى إمكانية وجود الجمهورية الفاضلة التي لم يستطع تأسيسها أي مجتمع حتى يومنا هذا في العالم المعروف لدينا...

هل يمكن قيام سلام وشرق أوسط جديد؟

نظريا، هذا ممكن فقط عند انتفاء الدور الاستعماري وقيام مجتمع العدالة الاجتماعية وإلا سوف نعيش صدامات اجتماعية لن تلبث أن تتحول إلى صراع ديني أو عرقي...

ما نراه اليوم في الخليج العربي ليس أكثر من صورة مشوهة أخرى للتقدم والإنسانية تشبه ربط التقدمية في المجتمعات الغربية بمدى انتشار المثلية الجنسية والتشجيع عليها وعلى المخدرات والتحرر من كل المقومات الأخلاقية التي اعتادت مجتمعاتنا العيش عليها...

إذا كان محمد بن زايد أو ملك البحرين يستطيعان العيش مع اضطهاد ابناء جلدتهما ومنع الديمقراطية الحقيقية ومنع الفكر والحريات، فهما بالتأكيد لن يجدا صعوبة في التآخي مع الصهيوني سواء كان هذا نتنياهو أو ليبيد أو أي كان... لكن هل سوف يكون هذا موقف شعوب الجزيرة العربية التي يتم دفعها للقبول بصداقة وأخوة قتلة الشعب الفلسطيني أو اللبناني او السوري أو العراقي...؟

تستطيع العربية أو الاقنية الإماراتية تصوير العشرات وربما المئات من اتباع السلطان الذين يمشون على دين هذا السلطان...

لكن ما لا تستطيع هذه الاقنية تغطيته، هو أن الأغلبية العظمى من هذه الشعوب لا يمكن أن تقبل ولا تقبل فعلاً بما يجري من تزوير الحقائق والتاريخ...

يستطيع السلطان شراء الناس من المال الوفير اليوم... لكن ماذا عن الغد...

ماذا سوف يحصل حين تنتفي القدرة على شراء الضمائر؟

ماذا سوف يحصل حين يستطيع ذوو الأفكار الحرة الحديث بصوت عال؟

ماذا سوف تكون المواقف حين يرى الاماراتي أو البحراني أن الصهيوني يدوس على القرآن أو يحرق المسجد الأقصى، أو يضرب عجوزا فلسطينية تدافع عن شجرة زيتون في الحقل...

يوجد بالتأكيد الكثيرون من الحقيرين الذين يعتقدون أن حقارتهم تجعل منهم اندادا لأسيادهم...

لكن مهما فعلوا ومهما عملوا، سوف يظلون دوما عبيدا لخدمة شعب الله المختار...

أساساً، إذا انتفى دور هذا الكيان الاستعماري وصار فعلا جزءًا من واقع المنطقة، هل سوف تستمر الحماية الغربية له...

إذا كان التناقض بين هذا الكيان وكافة أهل الأرض الذين عملوا دوما على اضطهاده وطرده باتجاه منطقتنا يصل إلى هذا الحد...

فإلى أي حد يمكن أن يصل هذا التناقض بين هذا الكيان والكيان الشامي عامة، واللبناني تحديداً؟

اغتيال الحريري جاء لإشعال فتنة مذهبية في لبنان حتى لو لم يستطع اغبياء دار الإفتاء رؤية هذا...

تدمير القطاع المصرفي جاء لتدمير الحلقة المسيحية بين العالم العربي والعالم الخارجي حتى لو يستطع البطرك الماروني أو مطران بيروت رؤية هذا...

تفجير مرفأ بيروت جاء لصالح مرفأ حيفا الذي استثمرت فيه دولة الإمارات أكثر من ١٥ مليار دولار والذي قامت الشركات الصينية بزيادة كل مجالاته كي يأخذ موقع مرفأ بيروت...

منع إعادة تأهيل المصافي في الزهراني وطرابلس هو لصالح أنابيب تصدير نفط الامارات عبر فلسطين المحتلة...

لن يمضي وقت طويل حتى نرى مصافي ونقاط تصدير على الساحل الفلسطيني لصالح المستعمر الصهيوني...

كل هذا يحدث، بينما تقبل السلطة في لبنان وتحديدا الرؤساء الثلاثة وحزب القوات والتقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل الذين أعلنوا صراحة التخلي عن ١٤٣٠ كلم٢ من مياه لبنان الاقتصادية لصالح دولة الكيان الاستعماري... أي التخلي للمنافس عن أحد أهم عناصر القوة الاقتصادية...

في هذا الوقت، توافق المقاومة الفلسطينية على سرقة غاز فلسطين عبر الصمت وعدم رفع معادلة تمار ولفيتان مقابل رفع الحصار على غزة...

يحدث كل هذا، ويبدو على الأقل حتى اليوم أن القوى التي كانت تدافع عن الخط ٢٩ في لبنان، كانت إنما تزايد فقط على ميشال عون، وهي موافقة فعلا على التخلي عن ١٤٣٠كلم٢ استجابة لمطالب السفيرة الأميركية والا ما معنى رفض إطلاق مسيرات حزب الله الى كاريش والمنطق السخيف عن قرار الحرب والسلم على لسان البطرك الراعي الذي على ما يبدو، يمهد للقبول بموقف السلطة القائمة التي تسير على مسار التخلي عن تلك ١٤٣٠كلم٢...

على نفس هذا النهج، يسير نواب "التغيير"...

بعد اغنية الحياد...

بعد اغنية الدين الإبراهيمي...

هذا هو الكيان يتقدم مرة أخرى خطوة إلى الأمام ويستغل الحرب الأوكرانية للدفع إلى ناتو عربي، بدل أن يستغل العرب هذه الحرب لتسجيل أهمية احترامهم في زمن الحاجة القصوى للطاقة...

هل يمكن لوم النظام الرسمي العربي، ونحن نرى مقاومة فلسطينية نائمة ومقاومة لبنانية تدور في حلقة مفرغة...

يوما، تعلن المقاومة في لبنان ارسال المسيرات،

ويوما آخر تدين السلطة التي تخضع لتهديد العقوبات، لكن دون امتلاك الجرأة على الصدام مع هذه السلطة... هذا إذا وجدت الارادة فعلا لمحاربة عدو لا بد من محاربته عاجلا أم آجلا...

اليوم تؤمن لنا حرب اوكرانيا دعما، أو على الاقل، حياد نصف العالم، فعل نتحرك أم ننتظر حتى تعود القوى العظمى الى الاتفاق فيما بينها ونعود نحن لنكون الساحة التي يجري عليها البيع والشراء...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري