ذاكرة مغارة .. مراح سلامة
مقالات
ذاكرة مغارة .. مراح سلامة "\ جورج حدادين
13 تموز 2022 , 08:58 ص


في أحد الأيام قدم إلى " مراح سلامة " عضو مجلس بلدي، حمزة الطرمان، شاب خلوق ومهذب ونشيط يحب بلده مادبا، يخبرني أن هناك لقاء فضائية أردنية مع رئيس البلدية وبعض مدراء الدوائر وناشطين اجتماعيين، وقد تبرع باستضافتهم في مراح سلامة، استمعت إليه وأجبته بأنني لا استقبل أي فضائية أردنية في هذا المعلم، فقال ولكنني بحسن نية ومحبة لهذا المعلم نطقت فأرجوا أن لا تخيبني، فقلت لن أخيبك شرط أن تقول لهم بأنك فرضته عليّ كأمر واقع،

جاءت غادة سابا مندوبة فضائية رؤيا، في اليوم التالي، ومعها جهازها الفني لتصوير التقرير، وإجراء المقابلات وطلبت مني شرح عن هذا المعلم ، ولم تمض دقيقة واحدة على حديثي وأذ بهاتفها يرن ، ثم تعتذر عن المتابعة، وكانت الحجة أنهم يقترحون، روعة المكان تتطلب حلقات، وأعتقد أنكم لغاية اليوم ما زلتم تنتظرون ،

ظهرت حلقة ضمن مسلسل " مين بسبق " الممثل اللبناني وسام الصباغ وزميله أيليا الشويري حيث تم اختيار مراح سلامة أحد معالم ممثلة مادبا للتصوير، ليس إلا.

مراح سلامة ذاكرة مدينة مادبا، المدينة المؤابية التي تأسست في بداية العصر المؤابي، حوالي عام 1200 قبل الميلاد، مدينة لم تتخلى عن أسم عمادها منذ التكوين إلى يومنا هذا، وهي المدينة الوحيدة في الأردن التي تمسكت بأسم ميلادها،

عانت مادبا المدينة خلال فترة حياتها، المقدرة بحوالي 32 قرناً ، من متواليات الدمار وإعادة الإعمار،

حيث دمّرت للمرة الأولى عندما حررها الملك المؤابي العظيم ميشع من الاحتلال العبري، عام 851 قبل الميلاد، بعدما كانت محتلة من قبل العبرانيين مدة أربعين عاماً، وأعيد بنائها،

ثم دمّرت للمرة الثانية على يد الأشوريين، خلال الغزو الأشوري، وهم في طريقهم إلى القدس، في النصف الثاني من القرن الثامن قبل الميلاد،

أجبرت بلاد مؤاب على دفع الجزية للبابليين، الذين انتزعوا حكم بلاد الرافدين من الآشوريين عام 612 ق.م. وكانوا يدفعوا الجزية بالفضة ( ليس بالذهب، نفي وهم البحث عن الذهب في هذا البلد).

ثم حصل ما عرف بالسبي البابلي الأول، على يد نبوخذ نصر عام 598 ق.م.

ثم تبع السبي البابلي الثاني، عام 586 ق.م. ويزعم ان تدمير الهيكل قد حصل في هذه الحملة، مع العلم أن كافة التنقيبات الأثرية ، التي قامت بها بعثات أجنبية ( ما يعرف باتباع مدرسة التوراة ) الذين يعتمدون أحداث التوراة والمواقع المذكورة أساس ومعطيات التنقيب ، بما فيهم علماء آثار يهود / اسرائيليين، ولم يتم العثور على أي أثر لهيكل، ولم يتم تأكيد وجود هيكل على أرض الواقع،

وبناء عليه ظهرت المدارس العلمية للبحث عن الآثار، بعيداً عن مدرسة الأساطير التوراتية.

ثم أختفى ذكر مادبا في المصادر التاريخية مدة خمسة قرون، ولا يعني اختفاء أسمها أنها اختفت في الواقع،

بل أصبحت أقل قيمة مما كانت عليه، وأصبحت تابعة لحسبان، بسبب عوامل جديدة طارئة.

ثم عاد ذكرها للظهور، مرة أخرى، عندما حوصرت لمدة ستة أشهر من قبل " يوحنا أركان " عام 129/128 ق.م.

احتل الملك الكسندر جانيوس مادبا، ضمن أثنا عشر مدينة من المنطقة العربية، وأعادها أركان الثاني الى الملك النبطي أرتاس (حرف السين في نهاية أسم الملك المؤابي لدلالة عن أسم ذكر) مقابل مساعدته ضد أخية أرسطو بولس الثاني في نزاعهما حول الملك.

ملاحظة: يجري الحديث عن عشر مدن عربية ومن ضمنها مادبا، تم إعادتها الى الملك النبطي "أرتا"

ثم دمّرت مادبا على يد الفرس في القرن السادس ميلادي ، وأعيد بنائها،

في القرن الثاني بعد الميلاد، ورد اسم مدينة مادبا في كتاب " كلوديوس بتولوميوس" المختص في الجغرافيا ضمن مدن ولاية شبه الجزيرة العربية،

كذلك اعتبرها اوربوس من قيصرية في القرن الثالث الميلادي ضمن مدن ولاية شبه الجزيرة العربية.

خلال العصر الغساني أصبحت مادبا مقراً الكرسي الأسقفي ، حيث شارك أسقفها في المجمع الخلقدوني عام 451 ميلادي ، وفي هذا المجمع ذكر مندوب مادبا النبطية وليس البيزنطية.

ثم اختفى ذكر مادبا في المصادر التاريخية، بين منتصف القرن الثامن ونهاية القرن التاسع عشر ميلادي، حيث دمرها زلزال بلغ شدته 8 درجات على مقياس رختر، عام 745 بعد الميلاد، وهجرت بعد ذلك حوالي 1135 عاماً،

في عام 1818 زار مادبا الضابطان إربي ومنجلز، وهما من البحرية البريطانية، لكنهما لم يذكرا فيها إلا وجود " البركة الرومانية الكبيرة "

ملاحظة: هما عابرا طريق، مروراً في خربة مادبا المدمرة والمهجورة، لماذا أطلقا على هذه البركة صفة البركة "الرومانية " الكبيرة ؟،

علماً بأنهما غير مختصين في الآثار، ولم تكن لديهما أي أدلة علمية على أنها رومانية، مثلاً نقوش أو كتابة تثبت ذلك.

فلماذا نتبنى نحن مقولات مشوهة، بالرغم من معرفتنا الحقيقية والأكيده، أنها بركة مؤابية مذكورة في مسلة ميشع،

وفي عامي 1871 و 1873 م زار مادبا القانوني البريطاني ترسترام، المختص بعلم الطبيعة، وبقي فيها لعدة أيام ووصفها وصفاً دقيقاً، وأشار إلى لوحات أثرية،

في نهاية القرن التاسع عشر اكتشفت خارطة الأراضي المقدسة، في كنيسة الأرثوذكس، ألتي تشمل الأراضي والمدن والممتدة بين نهر النيل ونهر الفرات، تتكون الخارطة من مليوني قطعة حجرية مكعبة، ذات الألوان مختلفة، ومن ضمنها حجر الصخر الزيتي، وتم اكتشاف القصر المحروق من قبل الأرشمندريت اليوناني ميتاكساكيس الذي ابدى اهتمام كبيراً بتاريخ وآثار المدينة وقام بعمل حفريات، وهو أول من قام بدراسة الجزء الغربي من من صالة هيبولوتس، التي اكتشفت بالصدفة أثناء بناء بيت سليمان الصناع بالقرب من كنيسة العذراء.

علماً بأن الحفريات في مادبا، بدأت عام 1965 أي التنقيب العلمي الآثري،

يتبع...

المصدر: موقع إضاءات الإخباري