كتب الأستاذ حليم خاتون: بين التحرير والتحريك، نعم للخط ٣٢
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: بين التحرير والتحريك، نعم للخط ٣٢
1 آب 2022 , 10:52 ص



في أحاديث الإعلامي المقرب جدا من الرئيس ميشال عون، والقريب إلى حد بعيد من مصادر في حزب الله، غسان سعود؛ يتحدث الأخير بما معناه أنه لو كان بالإمكان المطالبة بما بعد الخط ٢٩ جنوباً، واضعا خطا افتراضيا هو الخط ٣٢، لكان يجب فعل ذلك...

لكن بسبب الوضع اللبناني المعقد، يجب التنظير لخط ٢٣ زائد...

في لبنان، الوضع فعلا بالغ التعقيد...

نحن نعيش في بلد قيد التأسيس، سواء أعجب هذا الأمر جماعة صيغة دولة ال ١٩٤٣، أو دولة الطائف، أم لم يعجبهم...

كل ما أتى زائر إلى لبنان، يلتقي بجماعة أو اثنتين أو أكثر من ٨ أو من ١٤ آذار، أو ما بينهما...

وفي حالة السعي إلى تركيع البلد، لا يتوانى بعض الزوار، كما الضابط الإسرائيلي الأميركي، عاموس هوكشتاين؛ لا يتوانى هؤلاء عن جولة على مجموعة من الأطراف لكي يكون الركوع والسجود أمام الأميركي الذي يحاصر ويخرب لبنان، متوافقا عليه من كل هذه الأطراف بلا استثناء...

في لبنان هناك بطرك، ومطارنة، ومفتين، وشيخ عقل او اكثر، بالإضافة إلى باقة من رجال ونساء يدوسون على هذا الشعب المسكين "بعقلاته"؛ كل أولئك وهؤلاء ليسوا أكثر من أشباه رجال أمام اصغر موظف اميركي، ربما من الدرجة العاشرة...

في بلد، تتألف السلطة فيه من هكذا نوع من المخلوقات الطفيلية التي تعيش على امتصاص دماء الفقراء، لا يمكن أن يكون لبنان أكثر من وطن في طور التكوين، مع ملاحظة أن اتجاه هذا التكوين ليس بالضرورة نحو الأفضل...

في السادس من شباط سنة ١٩٨٣، خرج بعض من كان يعادي إسرائيل، واسقطوا اتفاقية ١٧ أيار التي كان امين الجميل يحاول تمريرها ليركب لبنان قطار كامب ديفيد...

وفقاً للخرائط التي يحملها الاستاذ محمد عبيد الذي كان يومها من قياديي حركة أمل، كانت اتفاقية التطبيع والخيانة تلك تعطي لبنان حدودا برية وبحرية بحيث تضم مياه لبنان الاقتصادية كامل حقل كاريش واجزاء من الحقول التي أظهرها المسح الجيولوجي الإسرائيلي مقابل الشاطئ الفلسطيني...

بمعنى آخر، إن أربعين سنة من الجهاد والمقاومة جعل حزب الله يقف في موقع داخل البحر أسوأ من اتفاقية ١٧ أيار...

حزب الله الذي يصر على الخلط بين الدولة والسلطة رغم تبيان الفرق الهائل بين الكلمتين؛ حزب الله يقف في منطقة حدودها السفلى هي سلطة نهب وسرقات وفساد وحتى خيانة، بينما الحدود العليا لهذه المنطقة هي مقاومة شريفة أنجزت تحرير سنة ٢٠٠٠؛ مقاومة لا تترك أسراها في السجون، ولا ترضى بالظلم يقع لا على أهل هذه الأرض ولا على أهل أي أرض أخرى مما خلق الله...

أن يكون في لبنان عدة أطراف وعدة لغات في المفاوضات بحيث تقوم نفس المنظومة بالتوافق ليس فقط على النهب، بل أيضاً على التفريط بحقوق مكتسبة لهذا الكيان الذي تكرس سنة ١٩٢٠ على يد الاستعمار الفرنسي الذي سعى جاهدا لتقسيم سوريا الطبيعية إلى كيانات متعددة يمكن ابتلاعها... أن يكون هذا الأمر؛ لهذا معنى واحد، نحن لسنا وطنا، وفي شعبنا واحد زائد واحد ليس دوما، أثنين...

منذ أن أعلن السيد نصرالله أن المقاومة لن تقبل التفريط بحقوق لبنان؛ ومنذ أن استطاع هذا السيد أن يجبر اميركا وإسرائيل على رؤية لبنان بحجم هو بالتأكيد أكبر عدة أضعاف مما قامت السلطة بتهميشه حتى قال وزير دفاع العدو في الستينيات، موشيه دايان أن لبنان لا يحتاج إلى جيش ليحتله...

فرقة موسيقية من النساء تكفي للقيام بالمهمة...

منذ ذلك اليوم، ولبنان يعيش عاصفة عز وكرامة لا يشبهها إلا الأيام الأولى لانتصارات حرب تشرين سنة ٧٣، حين وصل الجيش السوري إلى مشارف بحيرة طبريا، وعبر الجيش المصري قناة السويس وحطم خط بارليف في أكثر أيام الأمة العربية مجدا...

يومها خرجت الجماهير العربية تحتفل بنصر ما لبث أن تحول إلى مجرد وهم حيث تبين أن المقصود من هذه الحرب لم يكن تحرير الأرض وصيانة العرض، بقدر ما كان المقصود تحريك مفاوضات "الحل السلمي واستعماله التكتيكي"...

تبين أن كل ما أراده محمد أنور السادات كان وضع كل الاوراق في يد اميركا للوصول إلى كامب ديفيد...

من المؤكد أن السادات لم يكن يعلم أنه يدمر تاريخ مصر، ويحطم مكانتها القيادية في حركة عدم الانحياز التي ضمت آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية...

لكن الأكيد أن السادات كان يريد فقط تحريك الأمور لينتقل من محور مقاتلة إسرائيل ومن وراء إسرائيل، إلى ما وصلت إليه مصر اليوم من موقع الذيل في مجموعة تحالف إسرائيل والرجعية العربية...

سواء أراد السادات، أم لم يرد...

تحولت مصر إلى جمهورية موز...

الشعور بالعزة والكرامة كان يزيد ويزيد كل يوم مع كل كلمة يقولها السيد نصرالله...

بعد شعار "إن إسرائيل أوهن من بين العنكبوت"...

بعد موقف حيفا وما بعد ما بعد حيفا...

بعد تدمير ساعر والصمود الاسطوري في وجه رابع اقوى جيش في العالم يقف وراءه كل شذاذ الآفاق من عرب وعجم...

سمى بنا حزب الله الى آفاق لم تصلها الأمة منذ عقود...

في كل مرة يحرك السيد نصرالله إصبعه يفقأ بها عيون كلاب الداخل اللبناني والخارج العربي والغربي، تزهو الامة، وترقص القلوب فرحا لقرب يوم النصر والتحرير لكامل فلسطين وإعادة بعث أمة الضاد من بين القبور...

لنفاجأ في اليوم التالي بالسيد يضع ثقته في سلطة لا يثق بها حتى ذباب لبنان وبراغيثه...

كل ما نخشاه هو أن تتحول كل تلك المواقف العظيمة إلى مجرد سحابة تسمح للسلطة في لبنان أن تقوم بفعل الخيانة والتفريط بالحقوق...

عندما وضع السيد تاريخا محددا لإعادة الحقوق هو ما قبل ايلول سبتمبر ٢٠٢٢، هلل الناس واستبشروا خيرا بأن المقاومة التي لم تفرط يوما، لن تفرط ابدا...

فجأة خرجت السلطة أمس تنسف موعد الناس مع الكرامة الآتية في أيلول، وراح البعض الذي لا يجرؤ على إعلان الخط ٢٩ وما بعد ما بعد الخط ٢٩ حدودا لمياه لبنان الاقتصادية؛ راح هذا البعض يتحدث عن مفاوضات ماراثونية سوف تسمح للإسرائيلي باستمرار سرقة غاز ونفط فلسطين بينما اللبناني يفاوض والفلسطيني في غزة غارق في نومة أهل الكهف...

هل كانت كل المواقف تهدف فعلا لتحرير كل حقوق لبنان، أم كان الأمر مجرد تحريك بسيط كي تتخلى إسرائيل عن بضعة كيلومترات...

على اي اساس يجب أن نعود إلى الناقورة...

هل على أساس نفس الستاتيكو القائم الذي يسمح لإسرائيل، ويمنع على لبنان...؟

السلطة في لبنان لا امل يرتجى منها...

الوقوف وراء هذه السلطة هو ضياع البوصلة أمام المقاومة وأمام الناس...

الوضع الدولي الذي يسمح اليوم بعدم التفريط ولا بنقطة ماء واحدة ما بعد ما بعد كاريش قد لا يستمر إلى ما لا نهاية...

صحيح أن الحرب في أوكرانيا، والوضع في تايوان يبشران بنهاية العصر الأميركي...

لكن أي نزاع حدودي لا بد أن يصل إلى توافق ما...

إسرائيل تستغل الأحداث للسيطرة على غاز شرق المتوسط... بينما السلطة في لبنان تريد المراوحة في نفس المستنقع إلى أن يتفاهم خصوم الحرب الأوكرانية ومسألة تايوان، ونكون نحن لا نزال نبحث في جنس الملائكة...

إذا أردنا فعلا التحرير الكامل،

إذا أردنا فعلا التحرر والبدء ببناء الدولة القوية العادلة...

هذه فرصتنا...

ليس المهم انتاج الغاز والنفط اليوم بقدر ما أن المهم هو منع العدو من هذا...

لذلك، يا رفيق غسان سعود، إذا قبلت الرفاقية، أجل نريد الخط ٣٢ وربما ٣٣ وربما أيضاً الخط ٤٠ مقابل رفح...

لأن الهدف ليس بضعة أمتار مكعبة من الغاز...

الهدف هو إزالة هذا الكيان اليوم قبل غداً... والفرصة متاحة اليوم شاء من شاء، وأبى من أبى...