العراق: صراع الصدر والظهر والعجيزة وبداية أفول الدين السياسي والطائفية\ د. عادل سماره
مقالات
العراق: صراع الصدر والظهر والعجيزة وبداية أفول الدين السياسي والطائفية\ د. عادل سماره
1 آب 2022 , 22:10 م


د. عادل سماره

هكذا انتهى العراق بعد قرابة عقدين من حكم تحالف الديمقراطية الأمريكية وقوى الدين السيا/طفي (السياسي الطائفي)

والسؤال: هل هذه الإيديولوجيات عراقية ومن ثم عروبية؟ ام هي لاجتثاث العروبة وليس فقط اجتثاث البعث. فالاجتثاث لا علاقة له بالديمقراطية والتعددية إلا إذا كان المُجتث عميلا وخائناً؟ أم لأن الديمقراطية الأمريكية طبقت على العراق ما تم تطبيقه على النازية في ألمانيا ولا سيما بعد سيطرة التشويه الغربي للاتحاد السوفييتي ومساواته مع النازية، فلماذا لا يفتح هذا على تشويه البعث ايضا! ومع ذلك فالنازية بقيت بل أُبقي عليها بغض النظر عن تغير تمظهرها داخل ألمانيا نفسها ومختلف الدول الأوروبية في أحزاب يمينية هي تختلف عن النازية بالإسم فقط. ولعل أوضح وآخر شاهد على ذلك الاحتضان الغربي للنازية الجديدة في أوكرانيا. ثم ما هي سياسة الغرب عموما وخاصة أمريكا تجاه العالم أليست فاشية؟ ما طبيعة الأنظمة التي تحكم في عدة بلدان أوروبية حاليا أو تشارك في الحكم أليست فاشية؟ كما ان معظم جنرالات النازي جرى دمجهم في المؤسسة العسكرية الأمريكية وكثير من الفلاسفة أيضا وعلى راسهم مارتن هيدجر.

قاد حكم الدين السياسي الأمريكي والطائفي الشيعي إلى خلق الضد أي الدين السياسي السني سواء القاعدة ومن ثم داعش.

هل الاحتلال الأمريكي الذي حمل معه "المعارضة العراقية الطائفية من المهجر" هو وهي عراقيين؟ أم هما قوى إيديولوجية مركبة بين دين سياسي إسلامي أمريكي وطائفية إسلامية يجمعهما اجتثاث عروبة العراق.

وبغض النظر عمن قاوم الاحتلال الأمريكي فقد كانت مقاومة تصالحية لا إقتلاعية للمحتل بشقيها السني والشيعي. وهذا واضح في جانب الطائفية الشيعية من بقاء الاحتلال بعد ما يسمى الانسحاب ولاحقا استدعاء الاحتلال لحماية الحكم الطائفي الشيعي من المعارضة الطائفية السنية ممثلة في داعش. التي هي ايضا الأداة الأخرى للاحتلال الأمريكي. نعم فالطائفية وليس شرطا الطائفة تركع وتتعامل إذا لم تتمكن من الانتصار، وهذا ينسحب على الطائفيين في الطائفتين ذلك لأن هدف الطائفية كدين سياسي ليس الوطن ولا التنمية بل السلطة وتسخير الله من أجلها وهذا يعني إلهين للطائفيين من الطرفين السني والشيعي.

ماذا يعني هذا فيما يخص المقاومة غير أن دم الطبقات الشعبية التي قاومت بجدارة الاحتلال الأمريكي، قد أُهدر ليجري تثميره في تركيز تحالف طائفي أمريكي الانتماء من السنة والشيعة إلى جانب ملحق كردي هدفه انفصالي مضيفاً إلى تبعيته لأمريكا عمالته للكيان الصهيوني بينما لا انتماء وطني ولا قومي لقيادة الطرفين الشيعي والسني.

ولكن هل قادت عمالة القيادات التابعة سواء بصفحتي وجهها أي الدين سياسي والطبقي ، إلى افتراق بين الطبقات الشعبية بتضحياتها وبين القيادات الطائفية؟ في الحقيقة حتى اليوم كلا بعد. فلا زالت هذه الطبقات مأخوذة بسيطرة إيديولوجيا الدين السياسي ويتم تحريكها قطيعياً من قبل هذه القيادات. ولذا كانت الفورات سواء الحالية أو ما قبل ثلاث سنوات فورات معتكرة خليطة بين شكوى الجوع والعطش والظلام والبطالة وبين تقديس راس الطائفة صاحب العمامة التي كما وصفها ماركس ذات يوم حيث وصف عبقرية محمد علي بقوله: "هذا الرجل الذي حوَّل العمامة المفتخرة إلى رأس حقيقي". فهذه العمامات هي طبعة جديدة من المافيا مضافا لها العباءات أو بعض الزي الغربي كما هو نوري المالكي والعبادي...الخ.

ولأن البنية السلطوية بأكملها بهندسة وإشراف أمريكي مع الاحتفاظ بدور إيراني فقد تم اجتثاث عروبة العراق. وكان ثمن ذلك إطلاق يد هؤلاء جميعا في استبدال النظام العلماني السابق بنظام دين سياسي طائفي من جهة ومطلق اليد في نهب البلد باعتبار أن النهب يقود إلى إهلاك المجتمع بحيث لا يقوى على حراك مضاد، وإن حصل فهي فورات مختلطة الدوافع تنتهي بالإحباط.

الطائفية حالة مغلقة لا تاريخية ونقيض لمختلف السرديات الكبرى أي نقيضا للقومية والاشتراكية بشكل خاص وهي جوهريا حالة مافيوية في تشكيلة اجتماعية اقتصادية محيطية/طرفية وبالتالي فهي بالديمقراطية الشكلية تغطي نهبها للمجتمع كونها تقدم له خليطا سيء الهضم هوالدين السياسي والبرلمانية المصاغة خصيصا لتبقى السلطة بيد مافيا الدين السياسي الذي كي لا ننسى هو إيلاج أمريكي في البلد او تنبيه وتحفيز امريكي لمدفون طائفي قمعه الشهيد صدام حسين وكان لا بد من إنعاشه.

قد يتسائل البعض: ألم تقم الطوائف بقتال المحتل الأمريكي في العراق؟

نعم قامت الطبقات الشعبية من الطائفتين بل كل الطوائف والمكونات الشعبية في العراق بقتال المحتل، بما هي نسيج الشعب العربي في العراق، ولكن كانت الطبقات الشعبية تقاتل بينما قياداتها عادت مع المحتل وجرى تنصيبها سلطة على يد الحاكم الأمريكي بريمر الذي صاغ دستور العراق.

ألا نلحظ هنا هذا التناقض السافر، الشعب يقاوم والقيادات تحكم وتساوم المحتل ومع ذلك تبقى لها قواعدها في هذه الطبقات الشعبية؟

وهذا ينطبق كذلك على القيادات الطائفية السنية التي ولدت داعش لاحقاً ولا تزال . وداعش تخدم الاحتلال وتتغذى منه ويؤدبها احياناً.

واليوم، هل وصل هذا التقاسم للسلطة والثروة كتقاسم طائفي وداخل الطائفة الواحدة إلى طريق مسدود وخاصة بعد التحرير الشكلاني؟ وما هوالدرس المستخلص من هذاالصراع في الطائفة الواحدة؟ ولماذا تجرَّأت هذه الطائفية على كل هذا العسف والتجويع للشعب أي بمن فيه قاعدتها الفقيرة والكثيرة العدد؟

يعود تطاول هذه القيادات على الشعب لثلاثة عوامل:

• غياب أو ضعف حركة عراقية وطنية عروبية ما فوق طائفية،

• ووجود واقع عربي تابع وتطبيعي ومتذيل للإمبريالية، أي غياب قوة مثال عربية

• تضميخ الطبقات الشعبية بهوس الدين السياسي حتى للطائفة الواحدة كنسخة أفيون جديدة يمكنك ملاحظة انتشارها من خلال توفير فضائيات ومنابر تلهج بالدين السياسي وليس الدين.

• حرص العدو الأمريكي على بقاء جميع الطوائف في العراق يهدد بعضها بعضا مما يحفظ للقيادات الطائفيةمراكزها ومكاسبها ويُشعل الطائفية الدين سياسية في قاعدة كل طائفة ضد الأخرى كي لا ينطلق وعيها إلى مجال طبقي ووطني عام.

مرة أخرى، هل وصل التناقض داخل قمة الطائفة الواحدة حد الصراع؟ دعنا نقول أن وصول أو ارتطام العربة الطائفية ببعضها أمر متوقعا طالما هي طائفية نهبوية تابعة ومافيوية معا.

ولعل أهمية هذا الحدث كامنة في تعرية مزدوجة تبين أن الدين السياسي ليس دينيا ولا وطنياً وهذا يؤشر إلى تطور هام على الصعيد العربي مفاده:

• إن تراجع موجة الدين السياسي في الوطن العربي هو مقدمة لاستعادة عروبة الأمة

• واقتران هذا بتراجع "شعبية" الطائفية وتصارع قيادات الطوائف وحتى اجنحة الطائفة الواحدة كنقيض للقومية وللطبقة وخاصة لأن الصراع وصل داخل الطائفة الواحدة مما يؤكد لا وطنيتها ولا تديُّنها.

بقي أن نوضح الفارق بين الطائفية اللبنانية والعراقية. ففي الحالة اللبنانية يكمن الاختلاف فقط في توازن التعدد الطائفي مما خلق تصالحا مصلحيا نهبويا تقاسمياً. بينما في العراق تمكنت طائفة من الانفراد بالسلطة سواء لحجمها أو لأن الاحتلال منحها السلطة لأنها حملته على ظهرها وحملها على ظهره لاحتلال العراق.

أما الفارق الأساس فهو أن قيادة الطائفة الشيعية في لبنان هي قيادة غير طائفية، هي تعبير عن الوجود الموضوعي للطائفة كتجمع أو حزب مشروعه وطني ومقاوم. وهذا ما كان للطائفة السنية في لبنان في الفترة الناصرية. أما في العقود الأخيرة فقد تمكنت قيادة الطائفة السنية أو قيادة معظمها من جر الطائفة إلى موقع لا عروبي تابع لأنظمة الدين السياسي الخليجية وخاصة السعودية.

ما نقصده هنا هو أن الطائفة وجود موضوعي ولكن قياداتها أو قشرتهاالقيادية يمكن أن تكون وطنية في مرحلة وخائنة زلِقة في مرحلة أخرى. هذه الأمور جرى اكتشافها أو حتى هي نفسها تمظهرت بعد هزيمة 1967 أي هزيمة المد القومي الذي في حينه كان طاغياً على أمراض الطائفية والإقليمية والجهوية والقطرية...الخ. فنفس الجماهير التي تقتتل اليوم في بغداد أو لبنان طائفيا هي التي كانت تلتف خلف قايدة عبد الناصر دون سؤال إن كان سنيا او شيعيا.

ومن هنا، يمكن اعتماد نفس المنطق في قيادة ذو العمامة للمقاومة والتحالف التاريخي المطلوب وصولا إلى امتداد هذا عربيا ضد أنظمة التبعية. فالذي يحدد الموقف من المسألة هو طبيعة قيادتها ومواقف هذه القيادات. لم يكن صوتاً للحراكيين والإنفصاليين من قيادات أو برجوازية الأمازيغ في الجزائر إبان الثورة وحكم بن بيلا وبو مدين ولكن صار صوت هذه الفئات العميلة عاليا حينما جرى الانحراف بالدولة عن التنمية والاستقلال إلى التبعية التي هدفت إعادت الاستعمار وإن ليس بجنوده. هذا إلى أن تمكنت قيادات قوى الدين السياسي منذ الأمين زروال من عنق المجتمع وأخذته إلى العشرية السوداء. فهذه الجماهير التي تذابحت في العشرية هي ابناء وأحفاد الجماهير الملتحمة المتحدة التي هزمت الاستعمار الفرنسي. ولا يختلف مناخ الحرب الأهلية/الطائفية في لبنان عن ذلك. فحينما كانت الطائفية السنية في لبنان ناصرية الهوى لم تكن هناك فرصة للمارونية المتغربنة لإشعال الحرب. وحتى اليوم، اليست القيادات المارونية اليوم جناح وطني وجنح عميل! منهنا فإن وجود الدولة العربية المركزية وحده الذي يضع هذه الظواهر في أكياس قمامة نووية تُدفن بحيث لا تبين ثانية.

هل يعني هذا أن للقيادة والحزب الثوري دوره في تغيير مسار شعب وأمة، طبعاً نعم . ويعني بأن للقيادة دور في توجيه القاعدة الشعبية للطائفة.

نعود إلى العراقم فما يجري اليوم يؤكد زيف الادعاء بأن النظام العراقي البعثي كان طائفيا لصالح السنَّة حيث كان الشيعة في الحزب والمناصب أكثر من السنة. صحيح ان النظام لم يكن ديمقراطيا ولكنه كان تنمويا وعلمانيا وعلى حواف الاشتراكية. هل هذا يكفي، بالطبع لا، لكنه يكفي للرد على تبرير ديكتاتورية طائفية تابعة وفاسدة بحجة أن النظام السابق كان طائفيا.

هنا ، في تجربة العراق، أكثر من لبنان تتضح إشكالية مجتمع تسيطر عليه إيديولوجيا الدين السياسي المضادة للقومية والاشتراكية وحتى للوطنية حيث تتلوث الطبقات الشعبية بإيديولوجيا تحولهاالى جسد وتحصر عيون الجسد في القشرة العليا من برجوازية الطائفة لتكن وحدها التي ترى او تبصر لها ولغيرها.

العراق إذن إلى اين؟

في هذه الفوضى المزدوجة كصناعة محلية وخارجية ليس بوسع أحد الجزم بما سيحصل. والذي يبدو أن جناحي القيادات الطائفية الشيعية على خصومة واضحة، ويبدو أن المرجعيات تراجعت أمام الجناح السياسي الطبقي الطائفي لهذه الطائفة. كما أن الطائفية السنية تتمتع بمشكلة نظيرتها الشيعية. أما القيادات الكردية فهي مختلفة داخليا على مرشح الرئاسة من جهة وتتمنى اشتعال عراق العرب ايضا. كما أن رئيس الوزراء الكاظمي هو امريكي ولذا سهَّل احتلال المنطقة الخضراء والبرلمان مما يعني أنه ميال لصالح مقتدى الصدر الذي له تواصلاته مع السعودية وامريكا. ويبدو بالمقابل أن إيران تشتغل بهدوء. فهي لا شك ليست مع عراق عروبي قوي، ولكنها أيضاً في مأزق ربما لها دور في الوصول إليه حيث دعمت الحكم الطائفي الشيعي المرتبط أمريكيا . صحيح ان هذا اضعف عروبة العراق، لكنه قاد ايضا إلى دمار كل شيء.

من هنا، فإن احتمال اشتباك الشارع المأفون بقياداته أمر وارد. هذا رغم وجود وساطات مؤخرا سواء للذهاب إلى انتخابات جديدة مما يعني رشوة الجميع بمعنى:

• بقاء ممثل امريكا رئيسا للوزراء لمدة تقارب العامين

• منع مرشح الطرف المضاد لمقتدى الصدر من الوصول لرئاسة الوزراء

ومع ذلك تبقى الأمور مفتوحة على عدة احتمالات. لكن التطور الهام وراء كتابة هذه المقالة هو:

• حصول تراجع مد الدين السياسي في الوطن العربي وفقدانه شعبيته تدريجيا، وهذا يلزمنا بالنضال لاستعادة الشارع العربي.

• إنكشاف خطورة وفساد القيادات الطائفية مما يعني بداية تراجع شعبية الإيديولوجيات الطائفية، وهذا يصب في صالح المشروع العروبي.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري