دكتور حسين علي غالب - بريطانيا
ساهمت المرأة الجزائرية عبر مسیرتھا التاريخية في البناء الحضاري للدولة الجزائرية، وعرفت بمواقف نضالية، وبأعمال بطولية، دوّنت اسمها في سجل الخالدين بحروف من ذهب، نضال المرأة الجزائرية كان وسيبقى شعلة مضيئة في ذاكرة الجزائریین والشعوب العربية والعالم.
ھذا الكتاب” المرأة الجزائرية في الثورة التحريرية – حقائق وشهادات- "والصادر عن دار ومضة للنشر یرصد مساهمات المرأة الجزائرية ونضالها عبر التاريخ في الحیاة السیاسیة، ويقدم نماذج حیّة عن نساء جزائريات كان لھن دور كبیر في ذلك مثل الملكةتینھینان الفیلالیة، ملكة قبائل الطوارق، المعروفة بالحكمة والدھاء.
كذلك الملكة تھیا أو ضَمیا أو داھیة الملقبة بالكاھنة، فارسة البربـــر، وھي ملكــــــــة من قبیلة جراوة في جبال الأوراس في الجنوب الشرقي للجزائر، وكنزة الأوربية ابنة زعيم قبیلة أوربة الأمازيغية التي تزوجت من إدريس الأول العلوي، وقد لعبت دورا ھاما في إرساء قواعد الدولة الإدريسية خاصة بعد وفاة زوجها إدريس الأول.
والأميرة زينب تانفزاویت من قبیلة ھوارة الأمازيغية، كانت أرملة أمیر أغمات وتزوج بھا الأمیر أبو بكر اللمتوني، وقد لعبت دورا بارزا وحاسما على مسرح الأحداث السیاسیة للدولة المرابطیة.
والأميرة أم ھاني شیخة العرب ابنة باي قسنطينة رجب 1666م –1672م، وزوجة شيخ العرب أحمد بن السخري بوعكاز صاحب ثورة 1637م والتي حكمت في نفس الفترة من القرن 18م معظم الصحراء الشرقية للجزائر أزید من نصف القرن من حوالي سنةـ 1724م.
والدایخة بنت محمد بن قانة زوجة الباي عبد الله (1804ـ 1807م) (بایلك قسنطینة)، وسحابة الرحمانیة أم عبد المالك السعدي، وعلجیة بنت بوعزیز ابنة شيخ قبیلة النمامشة وزعیم الحدود الشرقية لبایلك قسنطينة.
وفي مجال العلم والمعرفة یتضمن المخطوط حقائق عن نساء جزائريات كان لھن الدور الكبير في نشر العلم والمعرفة في حقل التربية والتعليم والإصلاح، مثل – لالا زينب القاسمي التي توّلت شؤون الزاوية (زاوية الھامل)، والسيدة المتعلمة ذھبیة بنت محمد بن یحیى أحد شيوخ زاوية "الیلولي”، وكذلك زوجة الشیخ عاشور الخنقي بایة (بیھ) بنت أحمد حسان، عائشة بنت عمارة بن یحيي بن عمارة الشريف الحسني، وعادلة بیھم الجزائري زوجة مختار بن محمد بن الأمیر عبد القادر الجزائري التي أسست مدرسة دوحة الأدب الخاصة بالإناث وكانت بینھا وبین الشیخ عبد الحمید بن بادیس مراسلات لتعلیم فتیات جزائريات، كما یتحدث المخطوط عن نشاط تلميذات ومعلمات جمعية العلماء المسلمين أمثال زھور ونیسي، زبیدة قدور زوجة المناضل سليمان عمیرات، أمینة سعدون شریف، وخديجة لصفر خیار، خدیجة ختیر وآمنة زعنان وفتیحة زموشي.
الكتاب یرصد حیاة أكبر عدد ممكن من المناضلات والمجاهدات اللوّ اتي كان لھن بصمات ھامة في مسیرة المقاومة الجزائرية أمثال: ( فاطمة نسومر) وخلال ثورة التحرير(حسیبة بن بوعلي، ملیكة قاید، مریم بوعتورة، فضیلة سعدان، وسیدة شرشال یمینة أوداي (لازلیخة)، وصلیحة ولد قابلیة، سامیة لخضاري،جمیلة بوحیرد، جمیلة بوباشا، جمیلة بوعزة، زھرة ظریف، لویزة اغیل احریز، خیرة قرن، زھور زیراري، سلیمة الحفاف زوجة بن یوسف بن خدة، بایة الكحلة، مامیة شنتوف، نفیسة حمود، جانین بلخوجة، زلیخة بقدور، مریم بلمیھوب زوجة زرداني، لیلى موساوي، نسیمة حبلال السكرتیرة الشخصیة للبطل عبان رمضان، بالإضافة إلى دور المرأة في حیاة الأمیر عبد القادر.
كما یصور الكتاب ھمجیة الاستعمار الفرنسي في استعمال وسائل العنف الوحشية ضد المرأة الجزائرية، وفي لحظات تاريخية نادرة تعاظم فیھا التعذيب السادي من طرف الجلادين وتسامى فیھا حب الجزائـر، رسمت فیھا المرأة الجزائرية رمز الإنسانية التوهج والتمجيد والتحـدي، فمنحتھا الثورة الجزائرية التحرر والمصیر المشترك.
كذلك یضم كتاب المرأة الجزائرية في الثورة التحريرية (حقائق وشهادات) للأدبية عائشة بنور التعريف بصديقات الجزائـر وذكر مواقفهن الباھـرة أمثال المناضلات آني ستینـــر، جاكلین نیتر قروج، المجاهدة "ایلیات لو” أو فاطمة الزهراء المرأة التي أسلمت من أجل الجزائر، ایفلین لافالیت، جاكلین اورانغو، ریموند بیتشارد.
كما یتطرق الكتاب إلى المرأة الجزائرية في كتابات الرحالة الذين كتبوا عنھا وعن لباسھا وعاداتھا، وألفوا كتبا في ھذا الشأن أمثال یوجین دوماس والرحالة الإنجلیزي الدكتور”شــو” Shaw. Dr الذي زار الجزائر في الفترة ما بین 1720و 1732م، والفرنسیین نفسهم "بیسونال” Peyssonel الذي أقام بالشرق الجزائري بین 1724 و1725م،”دوبارادي” Paradis .V الذي زار الجزائر سنة 1789م، وغیرھم ممن أبھروا بقوة وشجاعة المرأة الجزائرية خاصة الریفیة، كذلك تركت زيارات كل من كبار الكتاب والأدباء” فرومنتان، وت.غوتتیھ، وقونكور، فلوبیر، ودودییھ، وبول بوردو وموباسان، جان لوران، ألفونس دودي Daudet Alphonse، كي دو موباسان”، والرحالة "بول أودال Audel Paul، ومیخائییل سیرفانتاس الإسباني في روایة دون كیشوت وانطباعاته عن المرأة الجزائرية، متخذا من زرید نموذجا في الذوق والارتقاء بالحضارة في مختلف مناحي الحیاة، شكل ذلك أثرا كبیرا في نفوسهم وفي كتاباتهم وتجسّد ذلك من خلال ما سطروه في مؤلفاتهم من انطباعات عن حیاة أھلھا وملابسهم وعاداتهم وتقاليدهم. صفحات امتلأت بھا مؤلفاتهم وذاكرتهم، فشكلّ تراثا أدبيا كبيرا ومميزا كان للمرأة الجزائرية الجانب الأكبر فيه.
وفي النھایة یتحدث الكتاب عن نضال المرأة الجزائرية في الأدب العربي، وما جادت به قــرائح الشعراء أثناء القبض على جميلات الجزائر ومحاكمتھن وقرار إعدامهن من طرف المحاكم العسكرية الفرنسية.
فالمجاهدة جميلة بوحيرد مثلا كتب عنھا ما یقرب من 450 قصيدة (كتبها 171 شاعرا عربیا)، كتبها أشھر الشعراء في الوطن العربي مثل نزار قباني، صلاح عبد الصبور، عبد المعطي حجازي، بدر شاكر السیاب والجواھري وعشرات آخرین، حتى تحوّلت إلى أسطورة تاريخية.
بالإضافة إلى أقـــوال وشهادات لمجاهدات على قید الحیاة وكذا أشعار كتبت في السجون مثل أشعار بایة حسین، كذلك یتضمن المخطوط قوائم بأسماء فدائيات وبعض مناضلات المناطق، ورسائل شهداء كتبت في السجون أمثال رسالة الشھـیـد زبـانـة إلى أمه.
وختاما فإن الكتاب یلخص بالشهادات الحية والوثائق نضال المرأة الجزائرية الرافضة للاستعمار الفرنسي، وھذا النضال الذي كان حافزا ورؤى متجددة في مسار الثورة الجزائرية ونموذجا للمجتمعات المتطلعة نحو المستقبـل.