سوريا وعاشق دماء البشر\ مها علي
منوعات
سوريا وعاشق دماء البشر\ مها علي
15 آب 2022 , 17:16 م


الكاتبة: مها علي

أنا وبس والباقي خس.. جملةٌ يضعها أردوغان البراغماتي وساماً على صدره ويتغنى بها, فمن الواضح أن أنقرة أعادت صياغة توجهاتها نحو الإعلان جهاراً نهاراً بأن مصالح السياسة والاقتصاد تعلو على أي شيء آخر وهو ما بدا جلياً في تراجع أنقرة عن مواقفها المعادية لمصر منذ سقوط حكم الإخوان المسلمين الذي كانت تدعمه بقوة, حيث ذهب أردوغان لتصفية الأجواء مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي, وبدأ التقرب من الإمارات ووضع حداً للقطيعة مع السعودية التي بدأت منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي, وهذا يندرج تحت الحراك السياسي الجديد لأنقرة لأجل إعادة بناء التحالفات.

كما أقام أردوغان علاقات حسنه مع عبد الفتاح البرهان، الذي أطاح بحليفه الإخواني عمر البشير في السودان, وهو مستعد أيضاً للتخلي عن المجموعات الإرهابية المتواجدة في الشمال السوري لكن في الوقت الذي يخدم مصلحته في الانتخابات المقبلة عام 2023.

كل ما سبق ينطوي تحت خباثة شريرة لأردوغان, ومما استجد مؤخراً من أفعاله التي تحمل الصفة البراغماتية المعادية للإنسانية, هو صمت إعلام الدولة التركية وجيشها واستخباراتها عما حدث في الشمال السوري منذ أيام من قِبل الإرهابيين الذين يطلق عليهم أردوغان إسم (المعارضة), رغم أنهم أحرقوا العلم التركي في جرابلس وهتفوا ضد اردوغان, فقد اتضح أن ثمرة هذا الصمت هي شمّاعة يريد التعلق بها أردوغان لأجل أن يقول لإيران وروسيا أنه مستعد للمصالحة مع الرئيس بشار الأسد ولكن غضب ما أسماه (المعارضةالسورية) يمنعه والدليل هذه التظاهرات التي خرجت واستنكرت تصريحات الوزير جاويش أوغلو وطالبت بعدم المصالحة, وفي بيان للخارجية التركية: تم توضيح التضامن التركي مع (الشعب السوري) والمقصود به المعارضة, وذلك ليتم ترقيع ما قد مزّقه وزير خارجيتها جاويش أوغلو الذي يُوصف حالياً بالمحرك للإنقلابات السياسية التركية.

إن ما حدث في الشمال السوري المحتل يُعد ورقة مُساومة بيد أردوغان لأجل المراوغة مع إيران وروسيا , ريثما تحدث الانتخابات المقبلة لأردوغان, لأن هذه التظاهرات دفعت أردوغان بشكلٍ أو بآخر للقول أنه يريد لقاء الرئيس بشارالأسد والمصالحة معه, ولكنه لا يستطيع مواجهة مايقارب تسعة ملايين سوري, أربعة منهم لاجئين في تركيا وخمسة موجودبن في الشمال السوري المحتل.

وفيما يخص التسريبات حول إجراء اتصال هاتفي بين الرئيس الأسد واردوغان فإن القيادة السورية لم تؤكده بعد, إلا أن عدم التعليق الروسي على أنباء أن فلادمير بوتين الصديق الجديد والعدو القديم لأردوغان هو من يقود شخصياً هذه الجهود لتنسيق هذا الاتصال الهاتفي يؤكد جدية التسريبات, ويُظهر المواقف الجديدة لتركيا التي انقلبت بمعظم الملفات, واتخذت العدو صديقاً والصديق عدواً.

لكن الواقع لا يُبشر بقرب المصالحة التركية السورية, لأن الخلاف السوري التركي معقد للغاية والمصالح متشابكة ومتعارضة في الوقت ذاته بين جميع الأطراف الحليفة والمعادية لسوريا, أولاً بسبب وجود الميليشيات الكردية في الشمال السوري وشرق الفرات والمدعومة من واشنطن ومن الغرب ضد تركيا وضد القيادة السورية في آن واحد, رغم أن الأكراد أتوا إلى سورية لاجئين هاربين من البطش التركي قبل مئة عام أي أنهم ليسوا سوريين ورغم ذلك يطالبون بلا حياء بإقامة دولة لهم على الأرض السورية, ولا يخفى على أحد أن أردوغان يخشى الأكراد ويُصنفهم إرهابيين ويخشى انضمامهم إلى الأكراد المتمردين داخل تركيا وبالتالي تهديد سلطته, وربما هذا الملف هو الملف الوحيد الذي تتمسك به تركيا وغير خاضع للمساومة وأما باقي الملفات فهي قابلة للمساومة ولعبة المصالح الأردوغانية, وتحت ذريعة إبعاد خطر الأكراد عن أنقرة تجرأ أردوغان وطالب بما أسماه (منطقة آمنه) في العمق السوري وهذا ما لم ولن يستطيع الحصول عليه, لأن سوريا قيادة وشعباً ترفض هذا والحلفاء يدعمون رفضها, ومما سبق نجد أن القضاء على الميليشيات الكردية ونزع السلاح منها هو مصلحة مشتركة بين سوريا وتركيا ولكن دون السماح لتركيا باقتطاع أراضي سورية.

أما الخلاف الثاني فهو كائن في أن أردوغان أسس ما يسمى (الجيش الوطني السوري عام2019) في الشمال السوري المحتل متجاهلاً ما يحتويه هذا الجيش من إرهابيين أجانب يحملون جنسيات مختلفة ومنهم (الإيغور من الصين وأيضاً المجموعات التي تحمل الفكر الإخواني التكفيري التي جاءت من أوروبا ومن بعض البلاد العربية), ويريد أردوغان تحقيق مكاسب سياسية لهذا الذي يسمية (جيش وطني سوري) وطبعاً هذا مرفوض جملةً وتفصيلاً لدى القيادة السورية.

ولا ننسى موضوع اللاجئين السوريين الذي قام أردوغان بابتزاز الغرب لعدة سنوات من خلالهم, وهدد أوروبا بفتح الحدود أمام اللاجئين للعبور إلى أوروبا إن لم تعطيه الأخيرة مساعدات مالية لأجل احتوائهم وبذلك قبض أردوغان المليارات بذريعة احتوائه للاجئين السوريين, والآن يريد الاستفادة منهم كورقة داعمة له في الانتخابات المقبلة في ظل وجود أحزاب رافضة لوجودهم في تركيا.

أما بالنسبة للحرب الروسية الأوكرانية فقد حققت تركيا مكاسب كثيرة لعدم لحاقها بركب أمريكا والغرب, من خلال التعاون الأمني مع أوكرانيا والتعاون في مجال الطاقة مع روسيا.

باختصار, إن تركيا اليوم بقيادة أردوغان لا دِين لها ولا إلتزام,

والقادم من الأيام سوف يعتمد على التطورات المفاجئة في السياسات الإقليمية والدولية، التي قد تؤثر في موقف أردوغان في سوريا, فهو مُستعد لفعل أي شيء من أجل مصالحه فلا صداقة تدوم ولا عدو يبقى عدو لأجل بقاء أردوغان في الحكم.  

المصدر: موقع إضاءات الإخباري