ذاكرة مغارة..
ثقافة
ذاكرة مغارة.. "مراح سلامة "\ جورج حدادين
30 آب 2022 , 21:06 م


الأنباط حضارة الزراعة والتجارة البعيدة

حيث أصبحوا أغنى شعوب الشرق

من الشخصيات الهامة، في القرن الأول قبل الميلاد، النبطي "حريد و" ( يسمى في الأدبيات التاريخية، هيرودس، حرف السين تضاف الى نهاية الاسم لتدليل على جنس الذكر عند اليونان) وهو ابن انطيبار والي ادوم، الذي كان شديد البأس وواسع الحيلة،

ولد حريدو في عسقلان عام 74 ق.م. لأم عربية، وتعلم اللغة والعلوم الرومانية، الذي أصبح حاكماً على الجليل وعمره لم يزد عن خمسة عشر عاماً،

احتل الأنباط مملكة أدوم حوالي عام 300 ق.م. ونقلوا العاصمة إلى رقيمو ( البتراء)، ثم تمدد الأنباط وحكموا مملكة مؤاب ثم مملكة عمون وسيناء وغزة، التي أصبحت الميناء الرئيسي للأنباط، ثم ضموا العلا ومدائن صالح ألتي كانت تدعى الحجر، وهي اليوم مدينة في السعودية،

أصبح الأنباط أغنى شعوب الشرق، نتيجة ممارسة التجارة البعيدة، فلم يكتفوا بنقل البضائع مقابل أجر، بل أصبحوا يشترون البضائع من المصدر وينقلونها ثم يبيعونها في الأسواق،

لا بل أكثر من ذلك، أرسلوا جاليات نبطية إلى الاسكندرية، ثم إلى صقلية والصين، ليتم البيع عبر هذه الجاليات، أي أمسكوا بتجارتهم البعيدة في القارات الثلاث.

في يوم زار مراح سلامة، مجموعة إيطاليين، جاءوا بسبب اطلاعهم على "تريب أدفايزر"الذي يعطي مراح سلامة تقييماً ممتازاً 4.5 / 5 فقرروا الحضور، وتناولوا الطعام والشراب في هذا المعلم،

توجه لي أحدهم بسؤال، هل تعلم من أين أكون، أجبته أنت إيطالي، قال تمعن في سحنتي، هل أشبه زملائي هنا، قلت لا، قال هل تعلم لماذا؟

أنا من أحفاد أنباط صقيلية، وافتخر،

فعلاً أول ما رأيته شعرت أنه يختلف عنهم، وهو أقرب لنا من ناحية البشرة والشكل،

ميكائيل أنجلو بوناروتي، ‏ كان رسام ونحات ومهندس وشاعر إيطالي، و لإنجازاته الفنية الأثر الأكبر على فنون عصره، وخلال المراحل الفنية الأوروبية اللاحقة،

ولد في 6 مارس 1475، في مدينة كابريزي، إيطاليا.

اعتبر ميكائيل انجلو، أن جسد الإنسان العاري، الموضوع الأساسي بالفن، مما دفعه لدراسة أوضاع الجسد وتحركاته ضمن البيئات المختلفة،

وقف ميكائيل أنجلو يتأمل تمثالاً، انتهى للتو من نحته، فما كان منه، أن اسدى ضربة بالمطرقة على يد التمثال فكسرها، صارخاً أنطق، حيث وصل به الانبهار، يتصوره فعلاً بشراً يماثله منتظراً أن يتحدث أليه.

عندما انتهيت من غسل وتنظيف المراح، وقفت أتصور عبقرية المكان بفعل الطبيعة والإنسان معاً، وتشكّل المكان عبر الزمان، جلست مشدوهاً، وأمام ناظري يمر مسلسل من 27 ألف حلقة،

في أربعة أجزاء:

العصر الحجري ( وهو أطول عصور البشرية، استعمال الإنسان حجر الصوان أداة عمل إلى بداية العصر النحاسي) وفي نهايته كان العصر الزراعي، الذي بدأ لأول مرة في تاريخ الشرق في منطقة عين غزال/ عمان، وفي الوقت ذاته كان هذا المجتمع أول من أكتشف البعد الثالث، فصنع تماثيل عين غزال، أول تماثيل في تاريخ البشرية، ثم العصر النحاسي ( 5000 ق.م. إلى 3500 ق.م.) فالعصر البرونزي ( 3500-1200 ق.م.) يليه العصر الحديدي.

وأتصور تطور الإنسان وفي الوقت ذاته تطويره أدوات العمل، أتصور إنساناً عارياَ، بشعره الكش الكثيف وعيونه التائهة، لحظة دخوله المغارة مرعوباً، يبحث عن الدفء والأمان، ثم تمر الأيام ويصبح هذا الإنسان ذاته، واثقاً من نفسه ومن قدراته، ليتحكم في تشكيل المغارة بما ينسجم مع متطلباته والضرورات، يفتح فتحة في سقف المغارة ، في العصرالزراعي، ندعوها روزنا، حيث استعمل المغارة مخزن للمحاصيل الزراعية، الروزنا، ليدلق من خلالها: القمح والشعير والتبن والعقدة داخل المغارة.

ثم تصبح المغارة ذاتها في العصر المؤابي، بداية العصر الحديدي، مقسمة إلى ثلاثة أقسام:

مسبح عام ومعبد مصنع للنبيذ،

وجداريات منحوتة،غاية في الدقة والتعبير عن رقي فن النحت والرسم على الجداريات في زمانهم، تصوّر فلسفة الفن المؤابي، حيث تداخل الشخوص البشرية والحيوانية، والأبعاد، فكلما ابتعدت عن الجداريات أبصرت الوجوه والأجساد الكبيرة، وكلما اقتربت منها تظهر الوجوه والأجسام الدقيقة، مما يشئ على قدرتهم في تشكيل أدوات حديدية دقيقة.

كثير من هذه الأجساد والوجوه لم الحظها خلال السنوات الأولى من العمل، فبعضها ظهر بعد التقاط صور أمام الجدارية، وبعضها الأخر لفت انتباهي إليها، اصدقاء وزوار كانوا يقفوا أمام هذه الجداريات متأملين، ومن ضمنهم أطفال، وكان حماس الأطفال طاغياً،حالما شكرتهم على دقة ملاحظتهم، واعترافي لهم بأنني لم الحظها قبل اكتشافهم.

يتبع 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري