كتب الأستاذ جليم خاتوم: ماذا لو؟
مقالات
كتب الأستاذ جليم خاتوم: ماذا لو؟
12 أيلول 2022 , 06:38 ص


لبنان ينتقل كل يوم إلى الأسوأ، هي نتيجة أي اختبار يمكن إجرائه...

يغيب المرء بضعة أشهر عن بيروت؛ يعود ليرى كم شاخت المدينة وزاد البؤس في الأبنية والحجارة والحضارة والثقافة والتمدن أكثر من بؤس عيون الناس الضائعين بين الفكر والحرية والسمو الانساني، وبين غريزة البقاء الحيوانية...

في النهاية، هناك طبقة الواحد في المئة، ومن خلفها طبقة لا تزيد على عشرة في المئة من اللبنانيين، لا تزال تملأ المطاعم والمقاهي في أكثر صور التناقض التي يمكن تخيلها في نفس المدينة حيث يعيش الغنى الفاحش باطمئنان إلى جانب البؤس الضائع في غياهب زمن الذل بعد سقوط كل صور الحضارة...

حكومة سلطة الواحد زائد عشرة في المئة أعطت لنفسها حقوقا تشبه كثيرا حقوق المنطقة الخضراء في بغداد، حيث يعزل اللصوص والعملاء ومدعو الوطنية أنفسهم عن باقي شعب العراق، لأنهم وحدهم، لهم الحق في العيش والتمتع بالقليل مما تبقى من مظاهر الحياة في هذا العراق الفاحش الغنى،والفاحش البؤس في الوقت عينه...

حكومة سلطة اللصوص في لبنان سمحت مثلا للمطاعم والمقاهي والفنادق بالتعامل والتسعير المباشر على الدولار إلى درجة أن يقفز الدولار خلال أقل من أسبوع واحد حوالي العشرة في المئة، فيقفز صحن التبولة أو الفتوش حوالي ٣٠٪...

حكومة "أهلا بها الطلة" تطلب من الناس سرقة المغتربين كي تقوم هي بسرقة ما استطاعوا السطو عليه لاحقا كما فعلت دوماً عبر جهاز متكامل يبدأ بأي مواطن في هذه الدولة ويمر بالهيئات والمصارف قبل أن يقوم رياض سلامة بامتصاص جنى الاعمار ببساطة تفوق كل الصلافة الممكن تخيلها...

تواجهني قريبتي بالقول إن الحياة في لبنان صارت ارخص بالنسبة للمغتربين...

هذا صحيح...

لكن هذا لا ينفي أمرين...

أولاً، أن معظم هؤلاء المغتربين يأتون إلى لبنان لأسباب عاطفية فقط لأن السياحة في كل دول الجوار ارخص كثيرا من الرذالة التي يعيشها هؤلاء المغتربون في وطنهم (تركيا، مصر، تونس، المغرب...الخ)... على الاقل، لا يعاني المغترب هناك مشاكل الماء والكهرباء والفوضى وغياب التنظيم والنظام...

ثانياً، أن أغلبية اللبنانيين يعيشون تحت خط سقف صحن التبولة في اليوم، وإن أي وعكة صحية تتطلب من هؤلاء اللبنانيين وضع الملايين من الليرات لإجراء مجرد فحص مختبر بسيط...

زيارة طبيب صار يتقاضى أقل بالدولار، ولكن أكثر بآلاف المرات عما كان يتقاضاه بالليرة...

صحيح أن إيجار شقة من خمسة غرف كانت تعتبر دولوكس في يوم من الايام، لا يزال بحوالي دولار ونصف شهريا...

لكن هناك اشتراك بمئات الدولارات من أجل الكهرباء، وهناك شراء الماء بمئات الآلاف من الليرات لأن سلطة هذا البلد، الممثلة الشرعية لمعظم لصوص هذا البلد، قررت فرض نظام "عذاب القبر" على اللبنانيين...

تماما كما في القبر، يعيش اللبنانيون بلا كهرباء إلا ما قد يتسرب من أشعة منّ بها الله على هذا الكوكب، أو بعض الماء الذي يصل إلى البيوت بشق الأنفس...

لا ماء ولا كهرباء، ثم يطل على اللبنانيين أحد اولاد الزانية يتحدث عن جهود تبذلها القوى السياسية للوصول إلى تأليف حكومة جديدة كي لا نقع في "الفراغ"... "في الوقت اللي احنا صراحة عايشين عيشة الأنتيكي"...

قد يكون هؤلاء السادة من ذوي الدم الأزرق يشعرون أحيانا مع شعب لبنان "العظيم" في الغباء والتبعية حين يأتي السائق أو الخادمة أو المرافق ليطلب بضعة دولارات من الفتات لقضاء حاجة لا غنى عنها...

حتى خدمة المنازل صارت ترتفع مع الدولار...

من خمسين إلى ستين إلى ثمانين ألف ليرة مقابل ساعة لتنظيف شقة لا يتجاوز إيجار الساعة فيها ال ٧٠٠ ليرة لبنانية لأن اللبنانيين ينهشون بعضهم بعضا، ويسرقون بعضهم بعضا طالما هم أعجز من أن يطلبوا أقل ما يمكن من حق الحياة من هذه السلطة أو غيرها، حيث أهل السلطة سواسية في العهر الذي لا حدود له...

في لبنان، كل التناقض...

يقترب منك طفل أو امرأة في ثياب رثة مع نظرة بؤس لا يمكن معرفة مدى حقيقتها، تعطيه خمسة آلاف أو عشرة آلاف ليرة لينقض عليك بعدها جيش من الأطفال أو النساء الذين جعلت منهم هذه السلطة أصحاب مهنة جديدة قديمة... الشحادة...

"شحادين يا بلدنا"، صرنا "قرطة" شحادين..."

"سراقين يا بلدنا، صرنا قرطة سراقين..."

أناس يشبهون سلطتهم في الشحادة والسرقة التي لا تعرف للعمل والإنتاج معنى...

تجوب شوارع بيروت كي تهرب من الظلام الذي تفرضه سلطة لم تعرف واجبات السلطة يوماً...

تجوب الشوارع هربا من تقنين صاحب المولد الذي قرر تغيير الطبيعة وتقديم ساعة الفجر إلى الثانية بعد منتصف الليل حيث لا ضرورة للكهرباء بعد تلك الساعة... ليس هناك من عداد ولا من يسأل، لأن المافيا اقوى من الحميع...

يهرب المرء إلى شوارع المدن ليرى آلاف الشبان والشابات والمراهقين يجوبون الأزقة ويخرجون من كل الزوايا ليدخلوا في كل مرافق ما كان مفروضا أن يكون مدينة... يخرجون كما الحشرات من الاوكار على دراجات في كل مكان...

يتذكر المرء قريبته التي كانت تشكو من أن الشباب في لبنان لا مستقبل له...

ماذا يفعل هؤلاء بعد يوم من الكسل والنوم حتى منتصف النهار أحياناً أو العمل في السخرة قبل الترويح عن النفس بزيادة الضجة إلى حياة "عذاب القبر" عند بقية الناس...

فجأة تتذكر زوجتك أن هوكشتاين قد تلطف على لبنان والرؤساء "العظام!!" بزيارة...

تسأل بغباء كما كل اللبنانيين، إذا كان الترسيم قد أقر وعن الوقت المطلوب لظهور الغاز والنفط والخروج من الأزمة...

شعب من "التنابل"، يعيش على برامج تقنين ماء وكهرباء وقريبا جدا ربما، تقنين في كمية الأوكسجين المسموح استنشاقه...

لن يفهم هؤلاء أن آخر هموم اميركا هو إعطاء التنابل حقوقا لا يستحقونها...

"التنبل" لا حقوق له...

الجائع الذي يسرق كل يوم بطريقة من الطرق من جائع آخر، ولا يخرج على الناس شاهرا سيفاً لا يستحق لا ماء ولا كهرباء...

يسر بعض اللبنانيين أحيانا بفوز في مهرجان رياضي أو موسيقي أو ثقافي ويفاخرون بعبقرية اللبناني الذي يبهر العالم لأنه قادر على تغليف البؤس والغباء والتنبلة وعدم الإنتاج والعيش على هامش الحياة...

شباب ضائع بلا هدف...

شعب تائه في فراغ كبير من الظلام لا يجد ماء للاغتسال، لكنه رغم كل ذلك يغرق العالم بتحليلات لحل مشكلة أوكرانيا كي لا تنهار أوروبا...

تسأل نفسك وانت تنظر إلى كمية الغباء هذه...

ماذا لو ركب النازحون السوريون البحر رغما عن أنف جيش يتلهى بما ليس من واجباته، ويذهبوا إلى أوروبا طلبا للجوء...؟

ماذا لو بنى الفلسطينيون السفن وابحروا باتجاه فلسطين أو نظموا مسيرات مليونية إلى قراهم المغتصبة في الجليل، بعد إحراق مخيمات ذل زادت أعمارها عن كل منطق...؟

ماذا لو حمل طفل لبناني حجرا وقذف به على سيارات اولاد الزانية الفارهة... مطالبا بالحق الطبيعي في المأكل والملبس والسكن والعلم والعمل الشريف لوالديه بدل التسكع في وطن تنقص مواصفات المواطنة فيه كل يوم أكثر...

ماذا لو...؟

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري