كتب الأستاذ حليم خاتون: قدر حزب الله، السير على بيض الداخل..
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: قدر حزب الله، السير على بيض الداخل..
24 أيلول 2022 , 18:52 م


هل يستطيع حزب الله فعلاً السير على بيض الداخل في لبنان دون كسره؟

شرط هذا مرهون بأن يكون حزب الله نفسه بوزن الريشة...

هل يمكن لحزب الله أن يكون بوزن الريشة!!؟

أن يكون حزب الله في لبنان بوزن الريشة هو نهاية لهذا الحزب، وهو بالتأكيد نهاية مرحلة من مراحل لبنان المقاوم لصالح صيغ أخرى لا بد أن تنتج مرحلة متقدمة من لبنان مقاوم آخر، قد يرث حزب الله، تماما كما ورث حزب الله نفسه كل المقاومات التي وجدت في هذه المنطقة...

كل حزب في لبنان يحب هذا البلد على طريقته...

لكل حزب في لبنان، لبنانه الذي يختلف عن لبنان الحزب الآخر...

عندما يخاطب السيد نصرالله الآخرين قائلاً ما معناه إن لهم لبنانهم، وإن لحزب الله لبنانه، هو لا يبتعد عن الحقيقة...

لكنه ورغم كل ما حصل في البلد وما يحصل، يبدو حزب الله وكأنه لا يزال يراهن على أمر لا يمكن المراهنة عليه...

هل يناقض حزب الله نفسه بين الكلام التوافقي العام وبين يقين تبعية الآخرين، كل الآخرين إلى عالم هو غير عالم هذا الحزب...

حزب الله يعرف أن لبنان القوات اللبنانية لا يمكن أن يكون سوى لبنان اميركا والسعودية وإسرائيل...

حزب الله يعرف جيدا ان لبنان بقايا تيار المستقبل لا يمكن أن يكون سوى لبنان التبعية لنظام عالمي تقوده اميركا... ومشروع اميركا في المنطقة صهيوني بامتياز...

حزب الله يعرف جيدا أن العونيين ليسوا بعيدين عن التبعية لأميركا مع الحلم بأن يكون لهم مكان لا يكونون فيه تابعين لإسرائيل... وهذا مستحيل في المشروع الغربي لهذه المنطقة...

حزب الله يعرف أن الاشتراكي لا مبادىء له غير السير كما تجري الرياح...

التقدمي الاشتراكي وريث ذلك الأمير الذي وقف على التل يوما في مرج دابق، حيث اشتبك العثماني مع المملوكي، ثم انضم الى صفوف المنتصر كي يقطف بانتهازية اثمان الخضوع للقوي...

حتى حركة أمل، فإن حزب الله يعرف أن هذه الحركة تعيش النقيضين:

الاخلاص لقضايا الأمة والإنسان في هذه الأرض، وفقا لمقولات السيد موسى الصدر من جهة، واستنادا إلى تاريخ طويل من رفض الظلم منذ قريش وحتى يومنا هذا...

وركوب مقولات السيد موسى واستعمالها قناعا يخفي الغوص كل يوم أكثر في منظومة نظام طائفي بغيض هو عكس كل تعاليم الامام الصدر، من جهة أخرى...

كما أن الضد لا يُعرف إلا بالضد، كذلك حزب القوات اللبنانية...

يقوم حزب القوات على نظرية النقيض لكل مقاومة تقوم أو قد تقوم في هذا العالم العربي المستهدف بأكمله، وفي بلاد الشام بشكل خاص...

هل يستطيع حزب القوات اللبنانية تشكيل دولة خارج المشروع الغربي؟

أقصى ما يمكن أن يسمح به الغرب، ومن خلفه أميركا، هو صيغة لبنان القوي في ضعفه...

لبنان الملهى الليلي للمنطقة...

لبنان مخيمات اللجوء الفلسطيني أو أحد مشاريع الوطن البديل لهذا اللجوء...

لقد تبين بشكل لا يسمح لأي تأويل أن الكيان اللبناني ليس ضرورة لهذا الغرب، سواء كان هذا الكيان مسيحياً أم لم يكن...

لبنان الذي كان إحدى طبقات اسفنج اللجوء الفلسطيني، لإنهاء القضية الفلسطينية، صار اليوم موطن النزوح السوري الذي يضم عشرات الآلاف من الجاهليين الجدد، من دواعش ونصرة وغيرهم من مفرزات تنظيم الإخوان المسلمين القائم على فكر ارهابي منذ ابن تيمية وحتى محمد عبد الوهاب في الجزيرة العربية وسيد قطب في بلاد النيل...

ما ينطبق على القوات ينطبق على كل الأحزاب والحركات اللبنانية...

حتى اليسار في لبنان، لم يكن سوى جزء من عقيدة السمسار والمقاول والتاجر الانتهازي...

يسار بدأ اصلاحيا مع الحركة الوطنية وانتهى مستجديا مكانا له في المنظومة بعد التوافق السوري السعودي الأميركي...

حزب الله جاء يرث كل هؤلاء سواء أراد ذلك أم لم يرد...

لكن حزب الله الذي يرث كل تلك الأحزاب الطائفية، يرث أيضاً شيئا من أوساخ هذه الأحزاب...

حزب الله ابن هذه البيئة ويحمل الكثير من درنها...

من المؤكد أن قسما كبيرا من جمهور حزب الله العام والعريض مصاب بنفس امراض المجتمع اللبناني في العلاقات العشائرية والطائفية والمذهبية بما في ذلك نزعة محاولة احتكار الحقيقة واعتبار نفسه مركز الكون...

اللبناني، بكل الفئات، وكل الطوائف، يعتبر نفسه خليفة الله على الأرض... هو وحدة على حق...

يرتكب اللبناني الفساد، ويرى القشة في أعين الآخرين، ولا يرى ألواح الخشب في عينيه...

يرتكب السبعة و"ذمتها"، ثم يحاضر في العفة...

من المؤكد أن نسبة الفساد العالية جداً جداً في المجتمع اللبناني قد خرقت بيئة المقاومة وجمهورها، وبنسب ليست قليلة على الإطلاق...

ورغم عدم وجود دلائل على تورط قيادات من حزب الله أو ممثليه في السلطة في شبكات الفساد المنتشرة بكثافة إلى حد بعيد... لكن تساؤلات ظهرت فيما يخص تلزيمات المرفأ مثلاً، التي حصلت والتي تسكت جميع القوى والأحزاب عنها، رغم أنهم لا يفوتون عادة أي شيء يمكن أن يطال الحزب...

هل صفقة المرفأ جاءت توافقية، كما صفقات انتشار المولدات التابعة للجميع دون استثناء والتي تعمل بشكل مباشر وغير مباشر على عرقلة كل مشاريع الكهرباء بحجج شعبوية رغم أن هذه الكهرباء لو مهما علت اسعارها، لن تصل إلى نصف اسعار المولدات...

يتحدث البعض عن أرباح تصل إلى حوالي ٤ مليارات دولار في المازوت الذي توقف حزب الله عن جلبه من إيران دون فهم الأسباب ودون أية شروحات مقنعة باستثناء بعض الخزعبلات غير المنطقية التي يروجها انصار الحزب في الجنوب على الأقل...

حزب الله الآتي من أوجاع الظلم الذي امتد قرونا، تخطى كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو ومؤخرا اتفاقيات إبراهيم وحتى مؤتمرات مدريد وواشنطن وفرض نفسه على الساحة أهم قوة تتصدى للصهيونية العالمية...

لكنه يقف عاجزا أمام المخطط الأميركي القائم على استهداف لبنان بالجوع والعطش وأبسط مقومات الحياة بعد فشل الآلة العسكرية الغربية في تركيع سوريا وبعد التراجع الجزئي في العراق، بفضل حزب الله ودوره حاملاً لراية الثورة الإسلامية التي لم تصلها بعد بيروقراطية السلطة...

يتنازع حزب الله قوتان جاذبتان:

١- المبادئ الإنسانية العظيمة التي حملها وجدان لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى حيث الآخر هو إما أخ لك في الدين أو أخ لك في الخلق...

٢-التقوقع داخل جماعة غير عرقية ولا عنصرية دفعها الظلم التاريخي إلى هذا التقوقع المذهبي (الشيعي)...

لم يكن التشيع في التاريخ طائفة بقدر ما كان تمردا على ظلم اهل بيت النبوة وإيمانا بالعدالة الإنسانية التي جسدها الامام علي بن ابي طالب، والإصلاح الثوري الذي حمل لواءه الامام الحسين بن علي...

على حزب الله أن يختار بين أن يكون حزبا شيعيا فئويا ملوثا كما كل المجتمع اللبناني، أو أن يسمو إلى العلو الإنساني ويكون جديراً فعلاً بانتظار المخلص والمهدي...

أمام حزب الله واجب تخطي هذه الفئوية، والانطلاق إلى رحاب الإنسانية...

وحده هذا الموقف هو ما يمكن أن يحرر حزب الله من القيود المجتمعية الرثة التي تسلسل كل الأحزاب الباقية في عبودية الأنانية والعنصرية والتعصب...

ليس المطلوب التغزل بالامام علي عبر كلمات جورج جرداق وغيره من كبار المفكرين بقدر ما المطلوب وحدة الإنسان في لبنان كان من كانت معتقداته أو أصوله أو لونه أو جنسه...

هل يعرف حزب الله كل هذا ويصبر ويسير على طريق الجلجلة في لبنان للوصول إلى السمو...؟

هل يقبل حزب الله باستمرار نظام النهب والفساد والسرقة إلى حين يتمكن سلما لا حربا بالقضاء عليه...

ما رفضه علي في معاوية والحسين في يزيد لا يمكن لحزب الله القبول به مع أصنام هذا النظام...

هناك مبادىء لا يمكن تخطيها مهما بلغت التضحية...

مع السيد حسن نعرف أن المفاوضات لا يمكن أن تتنازل عن حقوق شعوب هذه المنطقة...

لا ثقة لنا بهذه السلطة ولا بغيرها ممن باع فلسطين وباع حدود لبنان القطرية...

لكننا نتوجه إلى السيد قائلين إن هناك من يبيع حقوقا في الترسيم باسم وطنية ميشال عون، وروح المقاومة عند السيد نصرالله...

سوف نقبل فقط.حين يخرج السيد ويقول لنا ماذا يجري ولماذا يجري ما يجري...

لقد تجرع الامام الخميني كأس قبول وقف النار لأن الجمهورية كانت لا تزال في أولى ايامها...

المقاومة كبرت حتى صارت عملاق المنطقة...

لسنا مجبرين على تجرع كأس الترسيم مع ما أضيف عليه من عسل النفط والغاز والمال...

في لبنان، كثيرون لا يميزون بين المال والرفاهية من جهة، وبين العزة والكرامة، من ناحية أخرى...

كل ما يمكن قوله إنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري