كتب الأستاذ حليم خاتون: نهائية الكيان بين المثل الأوكراني والمثل التايواني
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: نهائية الكيان بين المثل الأوكراني والمثل التايواني
27 أيلول 2022 , 08:00 ص


أن يكون لبنان متعدد المشارب الثقافية، شيء جميل يساعد على تزاوج هذه الثقافات للخروج بهوية لبنانية خاصة...

أن يكون لبنان متعدد الديانات، شيء جميل جدا إذا التزم المسيحيون بالمحبة التي دعا إليها السيد المسيح، وإذا التزم المسلمون بالاخلاق التي هي أساس الإيمان وعبادة الله عند الرسول العربي الكريم...

أن يكون الشعب اللبناني هو وريث كل الحضارات التي مرت على هذه الأرض منذ كنعان والكلدان والسريان والاشوريين وصولا إلى الفتح العربي، مرورا بلجوء البدو والغجر والأرمن والاكراد وغيرهم ممن هرب من ظلم أو من مجازر عرقية، هو أيضاً غنى بكل المقاييس لهوية الوطن اللبناني...

كل ذلك جيد مع شرط عدم نسيان أن هذا الوطن الصغير الذي جمع كل أقليات المنطقة الثقافية والدينية والعرقية هو أيضاً جزء من وحدة جغرافية صغيرة هي بلاد الشام التي تجمعنا مع فلسطين وسوريا والأردن والتي تشكل بدورها أحد أهم أضلاع العالم العربي الكبير...

سنة ٤٣، توصل اللبنانيون إلى تسوية ناقصة جعلت من هذا البلد وطنا تعدديا، لكنه ذو وجه عربي بعد صراعات وحروب ومجاعة وتهجير فقدت أثناءها هذه الأرض أكثر من نصف سكانها أثناء الحرب العالمية الأولى...

بعد ربع قرن عاد هذا الوطن إلى التخبط والضياع حتى خرج الجميع بتسوية ثانية في الطائف كرست عروبة البلد وشراكة كل المكونات في السير بهذا الوطن إلى الأمام...

نجح الطائف في إيقاف الحرب الطاحنة بين المكونات، لكنه فشل في تأسيس وطن...

أنتج مؤتمر الطائف شركة مساهمة لبنانية بين المكونات، لكنه فشل في جمع هذه المكونات في وطن...

إذا كان اللبنانيون قد احتاجوا إلى حوالي نصف قرن وحرب أهلية وأزمة اقتصادية معيشية واحتلال كي ينتقلوا من تسوية ال ٤٣ إلى تسوية الطائف...

فإن الانهيار أتى اسرع مما كان يتصور البعض وها نحن نقف على عتبة تسوية أخرى لا بد من إتمامها عبر صهر كل المكونات وكل الثقافات والخروج بشعب لبناني واحد إذا أصابت وعكة إحدى مكوناته تداعت لمساعدته كل المكونات الأخرى...

في نظام ال ٤٣، صرح رئيس لبنان شارل الحلو أن كل اعتداء على جنوب لبنان هو اعتداء على لبنان، وكأنه كان يتحدث عن بلدين مختلفين يربطهما فقط تعايش في منطقة واحدة...

ورث نظام الطائف بلدا يعبث الاحتلال بالكثير من أجزائه إلى درجة أن الناس كانت تخرج إلى الشرفات في منطقة الروشة لترى كيف تهاجم طائرات الأباتشي خلدة والاوزاعي وبقية الضاحية أثناء عدوان ٩٦...

بينما كانت الجموع تسهر في ملاهي بيروت، أو تقضي نهاية الأسبوع على الشواطئ، كان شباب الجنوب وألأطراف يحررون المناطق ويطردون الاسرائيلي، ثم التكفيري حماية لهذا الوطن...

اليوم، وبعد ثلاث سنوات من الأزمة الاقتصادية الحادة، يقف الجميع على حافة الهاوية والكل يعرف أنه لا بد من تسوية جديدة...

جزء كبير من المسيحيين يعتقد أن تسوية الطائف دفعت هؤلاء إلى هامش الحياة السياسية لذلك لم يتردد البطرك الماروني في المطالبة بتصحيح هذه التسوية...

جزء مهم من الشيعة أحس بأن التسوية الأولى وضعت الثقل عند المسيحيين، وإن التسوية الثانية انتزعت هذا الثقل ووضعته عند السنة...

يريد هؤلاء إعادة تقسيم الجبنة اللبنانية على اعتبار أنهم القوة التي حررت البلد والتي فرضت كرسيا لهذا البلد حول طاولة المنطقة للمرة الأولى بدل أن يكون هو الوليمة على الطاولة...

الكل يعي أنه لا بد من تسوية جديدة...

لكن بكل أسف، الكل يريد من هذه التسوية قضم أكبر كمية ممكنة من السلطة باسم الطائفة...

قد يختلف المرء مع الدكتور أسامة سعد...

قد يختلف مع النائبين الجديدين حليمة قعقور وإبراهيم منيمنة في أكثر من موقف...

لكن يجب تحية هؤلاء الفرسان الثلاثة لعدم تلبيتهم دعوة مفتي الجمهورية من موقع رفض التقوقع الطائفي والتزمت المذهبي والتواجد في محاور إقليمية مشبوهة...

فرنسا التي أوجدت كيان لبنان الكبير، جعلت منه مجموعة طوائف، يحكمها دستور طائفي بامتياز...

أميركا التي ساهمت مع السعودية وسوريا في اتفاق الطائف، كرست تقاسم السلطة على أساس طائفي، كما فعلت لاحقاً في العراق وكما ارادت أن تفعل في سوريا... لأن هذه الصيغة من السلطة هي الكفيلة بإضعاف الرابط القومي وجعل الجميع مجرد دويلات تتبع اميركا ووكيلتها في المنطقة، إسرائيل...

اليوم يقف اللبنانيون عاجزين عن أخذ مصيرهم بأيديهم...

ينتظرون قوة ما خارجية تسوقهم إلى مؤتمر او اجتماع كما في الطائف أو الدوحة...

حتى عندما يدعو أحدهم إلى طاولة حوار، يعجزون عن إيجاد إطار وطني جامع...

لأنهم ينطلقون جميعا من عقلية التاجر الذي يسعى إلى الربح بأي ثمن... إنها ثقافة اللبناني العاجز عن أن يكون مسيحياً حقيقياً أو مسلماً ذا أخلاق...

الأكثرية من هؤلاء تتحدث عن الدولة المدنية وترفع شعار بناء الدولة...

لكن ما أن يبدأ الحديث عن بناء هذه الدولة، يتحول الجميع إلى ذباحين يريد كل واحد منهم قطعة من هذه الدولة...

اليوم ينقسم البرلمان اللبناني إلى ثلاث أثلاث...

ثلث يتبع السعودية مباشرة عبر دار الإفتاء وغير مباشرة عبر جعجع والجميل... (حلف مسيحي سني...)

ثلث ثاني يتبع حزب الله وبعض من لا يزال يؤمن بوجود مقاومة... (حلف شيعي سني مسيحي...)

وثلث ثالث يحوي مروحة واسعة، قد يكون بينها علمانيون، لكنه ثلث مخلوط ولا يمكن أن يشكل موقفا واحداً أللهم إلا إذا استطاعت السعودية شراء بعض الذمم ممن هو جاهز لبيع نفسه، أو استطاعت المقاومة جذبه بعد أن تعود الى نبع الأصالة الوطنية والقومية...

لذلك، لن يفاجأ المرء إن رأى ميشال سليمان الثاني على كرسي الرئاسة باسم جوزيف عون...

فتتكرس دولة الاستعطاء والتبعية إلى الخليج قبل أن تبدأ المقاومة بالبكاء لأن قناع قائد الجيش الثاني سقط، وظهر الوجه السعودي الاميركي القبيح تماما كما حصل مع ميشال سليمان...

حديث السيد نصرالله عن نهائية الكيان افرحت بعض الانعزاليين الذين يطمحون إلى أن يحصل الطلاق بين هذا الكيان وبين بقية أعضاء الجسد الشامي، أو الجسم العربي...

لكن التاريخ لا يمكن أن يقبل بهذا...

ما يحصل من طلاق بين روسيا وأوكرانيا هو الذي اشعل هذه الحرب التي لن تنتهي إلا بزوال أوكرانيا، أو حرب عالمية ثالثة باتت شراراتها ترى بالعين المجردة...

نهائية الكيان قد تستدعي حالة انفصال كما تايوان عن الصين، وهذه مصيبة لن تنتهي نهاية سعيدة مهما طال الزمن...

من يريد الخير لهذا الوطن عليه بأمرين:

نبذ الطائفية وبناء الدولة المدنية...

التكافل والتضامن مع بقية المكونات الأصلية في البلد والمنطقة...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري