كتب الأستاذ حليم خاتون: ماذا يريد اللبنانيون..!؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: ماذا يريد اللبنانيون..!؟
حليم خاتون
15 تشرين الثاني 2022 , 23:57 م


ما اجتمع إثنان من اللبنانيين إلا وكان الشيطان ثالثهما...

ليس من الصعب تطبيق هذا القول على اللبنانيين البسطاء، لكن يمكن رؤية ذلك بوضوح اكبر بكثير عندما يتعلق الأمر برجال الطبقة الحاكمة، سواء كانوا أهل دنيا أم أهل دين...

هؤلاء يفوقون حتى الشيطان خسة ونذالة...

لا يكاد يختفي اقتراح للبطريرك الماروني في السعي للذهاب الى التدويل... حتى يخرج علينا غبطته باقتراح آخر... والهدف دائما السعي إلى التدويل...

لماذا يسعى البطريرك الى التدويل، وما قصة هذا العشق للأجنبي والسعي دوما إلى مظلته...؟

من أجل فهم هذه العقدة التي تتحكم بالكنيسة، علينا العودة إلى الصراع الأول الذي وقع سنة ١٨٦٠ في جبل لبنان...

كان الجبل إمارة درزية حيث يمارس الدروز الفروسية ويخجلون من العمل في الأرض... لذلك لجأوا إلى استقدام المسيحيين لهذا العمل...

في الوقت الذي كان الصراع بين الفرع القيسي والفرع اليمني عند الدروز يؤدي إلى حروب ونزاعات قاتلة، كان يزيد استقدام المسيحيين من خارج الجبل حيث كانت المقاطعات الأربع المحيطة بجبل لبنان تتبع لسوريا في ذلك الوقت...

كان لا بد أن يحصل احتكاك بين الأمراء والفرسان الدروز من ناحية، وبين الفلاحين والمزارعين الموارنة من ناحية أخرى...

بسبب ضعف السلطنة العثمانية في تلك الأيام، لجأت الكنيسة المارونية إلى الاستعانة بالقناصل الأوروبيين بسبب رابط الدين...

نجحت الكنيسة في هذا الرهان، حيث نُزع الحكم من أيدي الدروز ووضع في أيدي متصرف مسيحي حصرا بشرط ان يأتي من تلك القوميات الخاضعة للسلطنة العثمانية...

مع سقوط هذه السلطنة، جعل اتفاق سايكس الإنكليزي مع الفرنسي بيكو من جبل لبنان والمقاطعات المحيطة منطقة انتداب فرنسية...

كان لضم المقاطعات السورية الأربع الى لبنان أثر ديموغرافي هائل، حيث كان أغلبية سكان تلك المناطق من المذاهب الإسلامية...

طيلة فترة الانتداب، حرص الفرنسيون على منح المسيحيين امتيازات في السلطة، بعد أن قفز السنة والشيعة ضد الانتداب وطالبوا بالانضمام إلى حكومة عربية في دمشق برئاسة الأمير فيصل ابن الشريف حسين...

أعلنت فرنسا إقامة دولة لبنان الكبير من جبل لبنان زائدا المقاطعات الأربع، البقاع، والشمال والجنوب وبيروت...

حرص الفرنسيون على إجراء إحصاء سنة ١٩٣٢، وقرروا أن عدد المسيحيين يزيد على عدد المسلمين سنة وشيعة وعلويين ودروزا...

على هذا الأساس قرر الفرنسيون أن تكون السلطة في لبنان ذات نظام جمهوري على رأسه رجل مسيحي هو تقريبا الحاكم الناهي في كافة الأمور، وبما أن السُنة كانوا يشكلون النسبة الأساسية الكبرى من سكان المدن التي تم سلخها عن سوريا وضمها إلى لبنان الكبير، تم التوافق على جعل الإدارات كلها تحت رئاسة الجمهورية وفق معادلة ٥ و ٦ مكرر...

أي مقابل كل خمسة مسلمين من كافة المذاهب، يكون هناك ستة مسيحيين من كافة المذاهب المسيحية مع سيطرة مطلقة للموارنة على النظام عن طريق رئيس الجمهورية...

يمكن القول إن لبنان الكبير انتهى إلى تسوية تاريخية بين الموارنة والسنة بحيث يتخلى السنة عن المطالبة بالانضمام إلى الدولة العربية مقابل أن يحصلوا على القطعة الأساسية من حصة المسلمين في السلطة التنفيذية...

وبسبب الكثافة الشيعية في الجنوب والبقاع، تم إرضاء الشيعة عبر منصب رئاسة البرلمان الشكلي الذي كان لا يحمل أي نوع من السطوة أو النفوذ...

كما في كل مرة، ومن أجل الحفاظ على مكتسبات السلطة لجأت الكنيسة المارونية ورجال السلطة الحاكمة الى التدويل حين طلب الرئيس الأسبق كميل شمعون من الأسطول السادس الأميركي المجيء إلى بيروت ومساندة رئيس الجمهورية ضد الزعامات السنية والعروبية بشكل أساسي...

بسبب وجود جمال عبد الناصر والمد القومي العربي أنذاك اضطر الاميركيون إلى الانسحاب بعد أن كانوا نزلوا على شاطئ الأوزاعي وتوافقوا مع عبد الناصر على رئاسة إصلاحية للجمهورية مثّلها الجنرال فؤاد شهاب مقابل سلطة اكبر لرئاسة الحكومة السنية...

رغم كل ذلك، وبسبب السلطة المطلقة الموجودة في يد الرئيس الماروني، وبسبب الوجود الفلسطيني المسلح الذي اعتبره السنة جيشا لهم مقابل الجيش الرسمي الذي يأتمر من الرئيس بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة...

ما لبث أن وقع النزاع وأخذ منحى طائفياً برغم أن السلاح الذي كان يأتي إلى القوى اليمينية المسيحية كانت السعودية وشاه إيران، أبرز رموزه...

وقعت الحرب الأهلية وانتهت على توافق على الانتقال من دولة لبنان الكبير وصيغة ٥ و٦ مكرر والنظام الرئاسي، إلى المناصفة الكاملة مع شرط أساسي هو جعل السلطة الأساسية في يد الحكومة مجتمعة...

جاء اتفاق الطائف لينتزع من الرئيس الماروني الكثير من الصلاحيات ويعطيها إلى الحكومة، لكن التطبيق الخاطئ لهذا الاتفاق خلط بين الحكومة ورئاسة الحكومة...

انتهت جمهورية ال ٤٣, وجاءت جمهورية الطائف...

حصلت هذه التسوية أيضاً تحت وصاية أميركية سعودية وسورية...

مرة أخرى استطاع التدويل الحفاظ على دولة عميقة باطنها مسيحي، وظاهرها اسلامي سني كان دوما خاتما في اصبع الرياض...

تم الاتفاق على إقامة نظام مدني بعد انتخابات لمرة واحدة فقط على أساس طائفي، يجري بعدها تأسيس هيئة لإلغاء الطائفية السياسية وإقامة مجلس للشيوخ يرعى هو المصالح الطائفية بينما يقوم البرلمان المنتخب خارج القيد الطائفي على أساس الدوائر الكبرى بتثبيت سلطة مدنية للدولة...

لا يطبقون مواد أساسية من الطائف، ثم يتشبثون به!!

مرة أخرى وقفت الكنيسة المارونية ضد تطبيق هذه البنود بحجة وجوب تغيير النفوس قبل وضع النصوص...

وفقا لهذا المنطق يجب عدم وضع قوانين ضد السرقة مثلا لأنه يجب تغيير نفوس اللصوص قبل وضع القوانين الرادعة السرقة...

الامر نفسه ينطبق على القوانين المضادة للفساد...!!

هرطقة كنسية!!!...

رفض وليد جنبلاط الذي لا يترك مناسبة لا يتحدث فيها عن وجوب المحافظة على اتفاق الطائف؛ رفض الانتخابات على أساس الدوائر الكبرى، كما رفض التخلي عن الامتيازات الطائفية التي يتمتع بها...

حكم رفيق الحريري ومعه السنية السياسية ولم يطبقوا الطائف...

حكمت 14 آذار ولم تقم بتطبيق اتفاق الطائف...

حكمت 8 آذار، ولم يتم تطبيق الطائف...

حكمت حركة أمل إلى جانب كل أولئك، ولم تفرض تطبيق الطائف..

حكم العونيون الذين صرعوا العالم بالدعوة إلى العلمانية، فلا طبقوا العلمانية ولا طبقوا الطائف وكانوا أكثر القوى تعصبا للطائفية...

حكم حزب الله باسم الجميع ومع الجميع في لوحة سوريالية من التكاذب الطائفي وتوافق الكل في صيغة كلهن يعني كلهن.. لا هو طبق الطائف، ولا هو فرض مؤتمرا تأسيسيا رغم انتصاره أكثر من مرة...

اتفق العونيون مع حزب الله على مبادئ عامة في مار مخايل...

لكن شيئا مفيدا لم يخرج ولن يخرج من كل ذلك...

أبو ملحم، لا "بجيب ولاد، ولا بعمر بلاد"...

مرة أخرى خرج البطريرك يطالب بالحياد قبل ان ينتهي به الأمر الى مؤتمر دولي...

مرة أخرى يجري اللجوء الى التدويل للحصول على مساندة من قوى الشر الغربية في تثبيت النظام الطائفي إياه...

لأن السعودية مزقت الطائفة السنية، لم يعد لمفتي السنة من لسان ذي منطق يخرج به للرد على البطريرك...

لأن حركة أمل لا تزال قوة أساسية داخل النظام وداخل الدولة، انبرى مفتي الشيعة يرد على الكنيسة ويرفض التدخل الخارجي...

كل ما يريده الكاردينال الراعي هو سطوة أوروبية تغنيه عن التمزق داخل الساحة المارونية..

هو يأمل أن يشكل التدويل توازنا مقابلا لقوة الثنائي الشيعي...

لكنه، وبكل سذاجة سياسية يجر المسيحيين إلى سوق سوف تجري فيه عمليات بيع وشراء...

هل يضمن الكاردينال أن لا تعطى أوروبا الشيعة المثالثة وحتى أكثر من ذلك في صفقة سوف تكون بالتأكيد أكبر منه...

ما يفعله سيد بكركي، هو مقامرة سوف تنتهي بخسارة المسيحيين للمشرق وخسارة الحضارة العربية للمسيحيين العرب...

هل هذا ما يريده الكاردينال...؟

ألا يعرف غبطته أن الفاتيكان يرفض هذا جملة وتفصيلاً لأن هذا الفاتيكان يريد الحفاظ على المسيحية وعلى المسيحيين العرب بعد مغامرات بشير الجميل، وسمير جعجع، وانضمام سامي الجميل إليهم مؤخرا...

يا كاردينال، يا راعي، مصلحة الأمة ومصلحة المسيحيين هي في شيء أساسي...

إقامة نظام مدني علماني يحمي الجميع من خلال المساواة الكاملة بين جميع أفراد الأمة بغض النظر عن الدين أو اللون أو العرق، أو الجنس...

حماية المسيحيين تأتي عبر لقاء القوة الاساسية المقاومة في المنطقة والوصول معها إلى ويستفاليا لبنانية ثم شامية ثم عربية...

مصلحة الجميع هي في الحوار الهادئ دون إدخال الغرب الذي دمر فلسطين والعراق وسوريا واليمن ولبنان... دمر مستقبل المسيحية كما دمر مستقبل الطوائف الأخرى...

إذا كان بلهاء الشارع يطالبون بمحكمة دولية تارة، وبعدالة دولية رأيناها بوضوح في فلسطين والعراق وسوريا تارة أخرى...

فالاحرى بمن يفهم أن يلجأ إلى المنطق ولا يدع الغرب يخرب المنطقة اكثر مما خربها لأن كل الخراب الحاصل، أساسه هذا الغرب الذي إليه يلجأ البطريرك...

حليم خاتون