جبهات أمريكا الملتهبة..\ مها علي
مقالات
جبهات أمريكا الملتهبة..\ مها علي
18 تشرين الثاني 2022 , 16:44 م


الكاتبة: مها علي

يبدو أن كرة الثلج التي بدأت تتدحرج وتكبر منذ عام 2014 عندما ضمت روسيا جزيرة القرم ستنفجر قريباً مُعلنة بدء الحرب العالمية الثالثة.

ففي اجتماع ضم جميع قادة أكبر عشرين دولة اقتصادية في العالم لأجل إدانة روسيا فشلت أمريكا في جر تلك الدول لفرض المزيد من العقوبات على موسكو, بل قامت أمريكا بإجراء اتصالات سرية معها وطلبت من أوكرانيا التفاوض مع موسكو وبدء المهادنة خلال الأيام القادمة,

كذلك فشلت الولايات المتحدة في إقناع الصين على عدم شراء النفط من روسيا, واللافت أن الصين لم تدين الحملة العسكرية الروسية ضد أوكرانيا أبداً, وهذا يعكس موقف الصين المعادي 100% للولايات المتحدة.

وفيما يخص سقوط الصاروخين على بولندا منذ عدة أيام واتهام روسيا بذلك فهناك أكثر من احتمال خاصة بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها لم تقصف بولندا, ومن بين هذه الاحتمالات أن بولندا يحق لها أن تعقد اجتماعاً طارئاً تطالب من خلاله تفعيل المادة الخامسة من معاهدة حلف الناتو والتي تنص على ضرورة هجوم الحلف كاملاً على اية دولة تهاجم عضواً من أعضاء الناتو وهذا يعني إشعال الحرب بين روسيا والناتو, وسوف تتضح تداعيات ضربة بولندا في المقبل من الأيام.

ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف على أعتاب انتخابات تشريعية قد تكون الأهم في تاريخها, وهي انتخابات التجديد النصفي التي ستحدد مصير المشرعين المستقبليين لأمريكا, والذين سيرسمون خارطة البلاد للعامين المقبلين على الأقل في مرحلة هي الأكثر حساسية في العالم,حيث كثفت فيها جميع الدول كل ماتستطيع من تحضيرات عسكرية واقتصادية,

وفي الداخل الأمريكي نرى الجمهوريون استعانوا بدونالد ترامب للإستفادة من قواعده الشعبية المضادة للديمقراطيين, الذين بدورهم استدعوا باراك أوباما وكافة رموزهم لإقناع الناخب الأمريكي بالتصويت لهم , هذا وليس الساسة وحدهم في هذه المعركة فصراع اللوبيات في بلاد العم سام على أشده أيضاً, وعلى رأسهم اللوبي اليهودي الطامع بعودة الجمهوريين للحكم, هؤلاء الذين كانوا أكثر حزماً في قضايا عدة وعلى رأسها الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني, وليس ببعيد عن اللوبيات صراع الشركات ورجال الأعمال وأثرياء أمريكا فهاهو موقع تويتر تحول لأداةٍ فرح بها الجمهوريون وهاجمها الديمقراطيون, خاصة عقب استحواذ الملياردير أيلون ماسك عليه والذي كان أول قراراته السماح بعودة ترامب للتغريد والتعبير عن آراءه, ويبدو أن أيلون ماسك يتعاطف مع الجمهوريين كما انه من مؤيدي إنهاء الحرب في أوكرانيا, وهناك أزمة الطاقة والتضخم وارتفاع الأسعار وهي قضايا داخلية يولي لها الجمهوريون كل الاهتمام.

لكن الديمقراطيون يعطون أزمة الصين وكوريا الشمالية أولوية أكثر من أي شيء, خاصة أن الصين قامت بتطوير أسلحتها النووية, وهذا يعني أنها تخطط لأمر ما, بدت ملامحه من خلال إطباقها الحصار على جزيرة تايوان من دون أية بوادر حلول بين واشنطن وبكين.

ولأن الجبهات لا تُفتح فرادا على واشنطن فإن كوريا الشمالية رفعت من نبرتها وباتت تطلق صواريخها يميناً ويساراً فوق اليابان وفي مياه كوريا الجنوبية الحليفتان لواشنطن, وهي ترفض أي حوار مع أمريكا, ولا ترد إلا بلغة التهديد والوعيد ما جعل القضية الكورية قضية ملحة على قائمة أولويات أمريكا التي لا تعرف أين تضع أولوياتها بعدما ارتفعت أعدادها.

علاوة على ذلك إن إيران أيضاً عجلت من كونها قضية عاجلة للولايات المتحدة فهي ترفض حتى الآن أي مفاوضة على برنامجها النووي, وتلك قضايا على واشنطن التعامل معها.

وبذات التوقيت خرجت أنباء عن استمرار المفاوضات بين طالبان وواشنطن في العاصمة القطرية الدوحة , كما ان ملف أفغانستان من الأولويات أيضاً فطالبان تخوض حرباً مع تنظيم داعش خراسان, وتهدد العالم الذي يراها متطرفة بأن هنالك من هو أكثر تطرفاً منها وعليهم أن يخشوه في حال كسب المعركة ضدها, وإلى جوار أفغانستان هنالك باكستان أبرز حلفاء الأمريكيين في وسط آسيا, والتي اشتعلت معركة داخلها بين الحكومة الحالية ورئيس الحكومة السابق عمران خان الذي نجا مؤخراً من محاولة اغتيال وهو معادٍ للولايات المتحدة ومؤيد للقضية الفلسطينية وضد الوجود الصهيوني في فلسطين, فإن انتصر وعاد للسلطة فسوف يعلن عداءه لأمريكا دون مجاملة, لذا يجري الآن كل الدعم للجيش الباكستاني لمنع عودة عمران خان للحكم, وفي حال ظن أحد أن الجبهات التي تقاتل عليها أمريكا قد نفدت فإننا نقول له هذا الخبر الذي انتشر مؤخراً عن قيام القوات الأمريكية بتوجيه ضربة لحركة الشباب في الصومال ما يعني أن الأمريكيين يواجهون حرباً أيضاً في إفريقيا التي أهملوها لعدة سنوات وتركوها للصينيين والروس.

وبالانتقال إلى أمريكا الجنوبية التي أعادت أكبر دولها مؤخراً, أي أنها أعادت البرازيل عبر انتخاب لولادا سيلفا اليساري المعارض للغرب, بعد خسارة حليف الأمريكيين وهذا يعني أنه ملف جديد فشلت واشنطن بالتعامل معه أيضا, وقبل النهاية نقول أن على أمريكا أن تعالج قضايا أخرى انفتحت بوجهها مؤخراً, ومنها انفضاض حلفاء لها تاريخيين غير البرازيل , كما هو الحال مع البلاد العربية التي أبدت قرباً من الصين وروسيا على حساب علاقاتها التاريخية مع أمريكا, (انضمام السعودية ومصر إلى دول البريكس مؤخراً), وهذا أمر يقلق واشنطن كثيراً والتي اضطرت للتعامل مع أزمة الطاقة وحيدة هي وأوروبا, وأكثر من ذلك عدة قضايا بدأت تسحب من تحت بساط الأمريكيين, فالحرب بين أرمينيا وأذربيجان باتت قضية بيد الروس وحدهم, وكذلك ملف سوريا الذي خرج من يدها رغم دعمها للإرهابيين مدة عشرة سنوات ضد الرئيس بشار الأسد, ولا ننسى الملف الليبي الذي يفلت من قبضة أمريكا ايضاً.

والجدير ذكره أن منسوب الثقة في الولايات المتحدة حتى من قِبل حلفائها الأوروبيين بات على المحك, فألمانيا قررت التغريد خارج سرب الغرب وقد طار مستشارها أولاف شولتس إلى الصين منذ أيام لأجل أن يخبرها أن ألمانيا خارج حرب أمريكا عليها وربما أوروبا بالكامل فهم اختبروا أمريكا في مواجهة الروس.

ونجد الهند تسير بالتدريج ضد أمريكا, وحتى اليابان التي أعلنت مؤخراً عن عودة جيشها هي الأخرى قد تدرك أن لا أمان مع الولايات المتحدة الأمريكية فهي أول من عانى من قنبلتها النووية في هيروشيما وناغازاكي.

فأمريكا تريد أن تكون دولة عظمى وبقية دول العالم أتباعاً لها, وهم بالمقابل لن يصبروا على قيادة قطب واحد يحكم ويتحكم ويظلم الشعوب وينهب ثروات الدول, فطبيعة التاريخ وتطوره تقول أن لا مجد يدوم لأحد, ومن وجهة نظر المعادين لسياسات أمريكا فإن الساعة قد حانت لأجل ولادة نظام عالمي جديد ومتعدد الأقطاب, وماعلينا سوى المراقبة والإنتظار.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري