الحرب الروسية الأطلسية\ جورج حدادين
مقالات
الحرب الروسية الأطلسية\ جورج حدادين
جورج حدادين
23 تشرين الثاني 2022 , 22:43 م


الحرب الجارية، على الأرض الأوكرانية بين روسيا والأطلسي، تبدو للمتابعين العاديين وبعض المهتمين والمختصين غامضة ومعقدة، لناحية الأسباب والنتائج والتداعيات، ومحيرة في تقييم الكثير من مجريات الأحداث العسكرية على أرض الواقع.

حل الغموض والحيرة يتطلب تفكيك الأزمة / العقدة إلى عناصرها الأولية ، وإعادة بنائها في سياق وضمن شروطها التاريخية،

تشخيص الأزمة يبدأ في فهم توظيف حدث إنهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، حيث اعتبر المركز الرأسمالي العالمي أنه حقق انتصاراً تاريخياً بانهيار المعسكر الاشتراكي، وبناء عليه، انطلقت استراتيجية تقوم على مبدأ سيادة المنظومة الرأسمالية المطلقة على العالم، باعتبارها نقطة تحول تاريخي تفضي إلى تجديد وتعزيز مشروع الهيمنة المطلق، واعتقدت الطغمة المالية العالمية أن هذا الحدث سيمكّنها من إحداث تحول بنيوي في النظام العالمي، والانتقال من بنية رأسمالية منتجة إلى بنية رأسمالية مضاربة، عبر العمل على توحيد السوق العالمي تحت سيطرتها، وفرض قوانينها على السوق، من خلال تطبيق بنود "توافقات واشنطن" والتي تنص على:

1. فرض سيادة القطب الواحد ( قطب منظومة الرأسمالية المضاربة) والحضارة الواحدة، ومنع ظهور قطب منافس.

تم الترويج لهذه الإستراتيجية تحت عناوين:

نهاية التاريخ، وصراع الحضارات، والليبرالية الجديدة، وسيادة آلية السوق، وتذرير المجتمعات، عبر تعزيز النزعة الفردية على حساب المجتمع، وتعميم عنوان المرحلة ( الحرية و الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة)

2. فرض الخصخصة، تخصيص القطاع العام أينما وجد، التعليم والصحة والشركات الوطنية والثروات الطبيعية، ورفع الحواجز أمام حرية حركة رأسالمال، وتوحيد القوانين والتشريعات والأنظمة على صعيد السوق العالمي، بما يخدم مصالح الطغمة المالية.

3. رفع الدعم عن السلعة الأساسية، التي تلبي حاجات الشرائح الاجتماعية الفقيرة والموعزة والحدّية المهمشة، وحجز الدعم عن القطاعات المنتجة، الصناعية والزراعية.

4. فرض مبدأ العقد شريعة المتعاقدين، بما يضمن منع النقابات العمالية والمهنية والاتحادات من الدفاع المشترك عن مصالح منتسبيها، وإنهاء دورها بما يتيح الفرصة أمام تطبيق قانون البقاء للأقوي، مبدأ الاصطفاء المتوحش.

تعاملت الطغمة المالية في سياق تطبيق مشروعها هذا بتعالي على التاريخ وعلى قوانين التطور الطبيعي، ذاتية مفرطة مريضة، وشعور بقدرة غير متناهية على فرض قوانينها الخاصة على سيرورة التطور الطبيعي للدول والمجتمعات ونمط العلاقات فيما بينها، ومما ساهم في تنامي هذا الشعور أن دول كثيرة ومجتمعات ونخب استسلمت بدون مقاومة وسلمت بسيطرة الطغمة المالية على تحديد تطور العالم، لا بل تحولت إلى أدوات بيد هذه الطغمة.

ومن منطلق شعور التعالي على التاريخ، تعاملت الطغمة المالية مع وريث الاتحاد السوفيتي، الاتحاد الروسي، كدولة تابعة، وفي أفضل الأحوال دولة أقليمية، وتعاملت مع الصين كدولة نامية من دول العالم الثالث.

عملت الصين بدهاء على تعميق هذا الإنطباع لدى المركز الرأسمالي العالمي، بينما تنبأت دراسات مراكز أبحاث غربية بإمكانية لحاق الصين بركب دول المركز، لا بل منافسة الولايات المتحدة في عقد الخمسينات من القرن الواحد والعشرين.

ما حدث لاحقاً عرقل مشروع الطغمة المالية، حيث:

· ظهرت ازمة منظومة الرأسمالية المضاربة بطابعها البنيوي عام 2008 ، أزمة غير قابلة للحل، سمّيت تمويهاً، أزمة الرهن العقاري، تعمقت الأزمة واشتدت مع مرور الوقت، وشملت مروحات جديدة، اجتماعياً وقطاعياً.

· عودة الصحوة الوطنية للمجتمع الروسي وظهور قيادة جديدة على رأسها بوتين، عام 2000 أخذت بناصية إعادة بناء دولة عظمى، ومنظومة عسكرية قوية، تحدّت هيمنة الطغمة المالية، وحدث التطبيق في: أزمة جورجيا، ضم القرم، رفض مخططات تمدد الناتو شرقاً في دول الاتحاد السوفيتي، أحداث أوكرانيا.

· ظهور تحالف دولي عملاق، محور البركس، وأنظمام دول جديدة وإمكانية حقيقية للتوسع في القارات الأربعة، يشكل قوة موازية للمركز الرأسمالي العالمي، خاصة مع تنامي الرفض الشعبي للممارسات المتغطرسة وفرض الإملاءات من قبل الطغمة المالية العالمية.

· تنامي قوة إيران كدولة إقليمية وتنامى دور المقاومة على الصعيد العربي.

تمس الحرب الروسية الأطلسية، الدائرة على الأرض الأوكرانية، قواعد ومرتكزات الهيمنة

أولاً: حروب الطاقة ، النفط والغاز والطاقة النووية،

حيث وكما تضمنت " توافقات واشنطن" استراتيجية السيطرة على مصادر الطاقة وخطوط نقلها، من قبل المركز الرأسمالي، واعتماد قواعد ارتكاز طاقوية : استراليا في آسيا وجنوب شرق أسيا، وهولندا في أوروبا، من قبل المركز، وتفجير خطوط نقل الغاز من روسيا إلى أوروبا : نورث ستريم 1 و2

ثانياً: منع قيام قطب منافس للمركز، لهذا السبب تم التحرش بروسيا في أوكرانيا وبالصين في تايوان.

ثالثاً: منع قيام قوة إقليمية على مستوى الأقليم ، لذلك يتم التحرش المستمر في إيران، ومحاربة قوى المقاومة في المنطقة العربية.

المعطيات والوقائع وتطور الأحداث على الأرض تنبْ بأن :

تعدد القطبية أصبح واقع قائم على أرض الواقع

أزمة منظومة الرأسمالية المضاربة أنتجت حراكاً اجتماعياً في دول المركز، سيتطور ويتعمق حتماً باتجاه ثورة اجتماعية، كون المطالب الشعبية غير قابلة للتحقق نتيجة عجز الطبقة الحاكمة في هذه الدول عن تلبيتها، وكون الواقع البائس للشرائح الفقيرة والكادحة غير محتمل، وغير قابل للإستمرار، لذلك يمكن وسم الحالة بتناقض تناحري يقضي أحد الطرفين على الطرف الأخر، أو يفضي إلى تغيير المنظومة السائدة.

التحولات الدولية هذه تفتح الأبواب واسعة أمام مهمة إعادة بناء حركة التحرر الوطني العربية وحركات التحرر العالمية.

" كلكم للوطن والوطن لكم "