حكومة الانتداب البريطانية.. وسلطة اوسلو الفلسطينية
مقالات
حكومة الانتداب البريطانية.. وسلطة اوسلو الفلسطينية
م. زياد أبو الرجا
6 كانون الأول 2022 , 21:09 م


نظرا لموقع فلسطين الاستراتيجي في قلب الوطن العربي نازعت فرنسا بريطانيا على حق الانتداب على فلسطين اثناء مفاوضات سايكس وبيكو لكن بريطانيا وبمساعدة الصهاينة الفرنسيين الذين مارسوا ضغوطا قوية على فرنسا للتخلي عن مطلبها لان بريطانيا صاحبة وعد بلفور والامبراطورية الاقوى. في الوقت الذي قبعت فيه فلسطين تحت الانتداب البريطاني الطرف والشريك الاول وصاحب المشروع الامبريالي - الاستيطاني في قلب الوطن العربي  نشطت حركة الهجرة اليهودية الى فلسطين وواكبتها تشكيل عصابات مسلحة صهيونية كذراع عسكري تحت مسميات مختلفة (( الهاجانا وشتيرن والاتسل والارغون والبلماخ)) والهدف واحد هو  الاستيطان واجلاء وقتل السكان الاصليين. وعلى مدار اربعة عقود قامت هذه العصابات الدموية المسلحة بارتكاب مجازر عديدة  تحت نظر وحراب حكومة الانتداب. وعندما هب الشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه وارضه ووطنه كانت القوات البريطانية تتصدى لهم بالحديد والنار وتعلق المشانق للثوار وتقتحم بيوت المدنيين وتعيث فيها خرابا وتتلف المؤونة التي يحتفظون بها من زيت وحبوب وطحين، وتحطم الاثاث وتحرق الفراش  كي لا يفكر احد بالمقاومة. ورغم كل اشكال القمع والاضطهاد واصل الشعب الفلسطيني  مقاومته ضد الثنائي البريطاني الصهيوني.

حين ادركت الحركة الصهيونية انها قادرة على اقامة دولة الكيان بما وفرته من قوى ذاتية( مجموع العصابات الصهيونية ) ولكي تعجل في رحيل قوات الانتداب البريطاني اخذت تقوم بعمليات ارهابية ضد القوات البريطانية وضد المبعوثين الدوليين. خرجت حكومة الانتداب من فلسطين متخلية عن كل التزاماتها كحكومة انتداب تاركة العصابات الصهيونية تمسك بزمام الامور  وقام العراب الصهيوني ديفيد بن جوريون بتوحيد هذه العصابات مع نواة الجيش الصهيوني الذي شكلته ودربته بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية، وشارك في معاركها ضد الالمان في الشمال الافريقي لكي يكتسب الخبرة الميدانية ويتعمد بالنار. وكانت النكبة الفلسطينية .

بعد مرور عقد من الزمان تقريبا على النكبة  بادر الفلسطينيون الى تشكيل منظمات فدائية وفصائل مقاومة واخذت تشاغل الكيان وخاصة من قطاع غزة الذي كان تحت الادارة المصرية. الا ان هزيمة العرب  في حزيران ١٩٦٧ عجلت وساهمت في حضور العمل الفدائي والفصائل الفلسطينية  المختلفة والذي فاق عددها عدد العصابات الصهيونية التي تسببت في النكبة الفلسطينية. ولتوحيد الجهد الفلسطيني المسلح توافقت الاطراف على ان تكون منظمة التحرير الفلسطينية المظلة الجامعة لكل الفصائل. بعد نضال مرير اعترف العالم بمنظمة التحرير الفلسطينية  كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.لكن هذه المنظمة لا تملك جغرافيا فلسطينية  كي تمارس عليها سلطتها  فتقدمت " فتح" بمشروع النقاط العشر والبسته للجبهة الديموقراطية التي فاخرت بانها صاحبة المشروع  الذي يقوم جوهره على (( اقامة سلطة وطنية فلسطينية على اي بقعة يتم تحريرها او انسحاب العدو منها)) .دخلت فصائل منظمة التحرير في دوامة طرفيها  جبهة الرفض وجبهة القبول ومع ذلك كان هذا ايجابيا لجهة اثراء السياسة الفلسطينية بالايجابيات والسلبيات لكل موقف مطروح وبقيت الامور ضمن الراي والرأي الاخر وعبر الصراع الفكري والسياسي المبرر  والمشروع ذاتيا وموضوعيا الى ان تقدمت امريكا وعبر قنوات مختلفة ووسائط متعددة وطرحت مشروع (( الحكم الذاتي)) الطعم الذي ابتلعه اليمين الفلسطيني المهيمن داخل منظمة التحرير الفلسطينية  ممنيا النفس ومتوهما بتحويله الى دولة فلسطينية مستقلة. وكان اجتياح لبنان وخروج القوات الفلسطينية  وتصفية القيادات الوازنة في حركة فتح من اعضاء لجنة مركزية ومجلس ثوري ثم الغزو العراقي للكويت وما ترتب عليه من انقسام عربي وفلسطيني  حيث عبدت الطريق الى اتفاق اوسلو اللعين والمشين، وما نتج عنه من سلطة فلسطينية. ومنذ ذلك الوقت والشعب الفلسطيني في الداخل يخضع لسلطتين سلطة غزة وسلطة رام الله وكلاهما من نتائج ومندرجات اوسلو على الرغم من الفوارق بينهما  حيث لا وجود لقوات احتلال في غزة ولكن الحصار المفروض عليها يجعلها اقرب الى الموت من الحياة.

اما الضفة الغربية (( يهودا والسامرة)) حيث السلطة/ الجيتو والتي تمارس صلاحيات محدودة على الجغرافيا والشعب وتنسق امنيا مع الكيان، وخارجيا تمسك بالتمثيل الفلسطيني في الخارج عبر السفارات الفلسطينية لدى الدول والمنظمات الدولية، الا ان هذه السلطة التي كانت مقبولة كطرف فلسطيني يتفاوض معه الكيان وبالاضافة الى النمو الديموغرافي المتزايد في الضفة المستقر نسبيا لان لديه قاعدة اقتصادية تساعده على البقاء والصمود ورغم انتشار المستوطنات وارتفاع اعداد المستوطنين بقي هذا الكل الفلسطيني ( السلطة والشعب) وما زال  حجر عثرة امام المستوطنين الذين يتحركون بهدي التوراة والتلمود وعلى راسهم بن عفير  وسموتريتش الذين وضع نتنياهو المال والسرايا العسكرية تحت تصرفهم هذه العصابات المسلحة ستكون اولى مهماتها التخلص بالعنف المسلح من السلطة الفلسطينية المنتدبة على الضفة لانها رمزية كيانية يجب التخلص منها بعد ان انتهى دورها كما الانتداب البريطاني قبل النكبة، وستعود حليمة لعادتها القديمة فمثلما قامت العصابات الصهيونية بارتكاب المذابح والمجازر قبل النكبة  ستقوم العصابات الحالية بارتكاب مجازر اكثر دموية  وما حادثة اعدام الشاب الفلسطيني بالرصاص الا مقدمة ودليل على القادم من الايام. وعلى الاردن الذي يئن تحت الضائقة الاقتصادية ان يكون مستعدا لاستقبال الاف اللاجئين الجدد اذا لم يتدخل المجتمع الدولي بكل ادواته لوضع حد لانفلات عتاة المستوطنين الذين لا يحسبون  لاحد حسابا في سبيل تحقيق احلامهم التوراتية في الضفة الغربية القائمة على تهويد (( يهودا والسامرة)) ديموغرافيا من خلال العنف المسلح ضد الفلسطينيين وارغام عشرات الالاف على النزوح لشرق الاردن حيث يؤمن نتنياهو وحزبه والمتحالفين معه بان الاردن هي الوطن البديل. بما انه لا يبدو في الافق موقف عربي مشترك تجاه ما يجري في فلسطين وباقي اقطار الوطن العربي وغياب الفصائل الفلسطينية عن المشهد، ومحور المقاومة غارق في مشكلاته الداخلية  كل هذا سيشجع دولة الكيان وعصابات مستوطنيها على المضي قدما في برامجهم ومخططاتهم الواضحة والمعلنة،

المطلوب الان من الاردن  حكومة وشعبا ان تستعد لاستقبال اللاجئين وان تعزز الوحدة الوطنية للشعب الاردني الفلسطيني الواحد  لافشال مشروع الوطن البديل  والانفتاح على  سورية سياسيا واقتصاديا وامنيا لان البلدين يتعرضان لنفس العدو الذي يريد ان  يجعل من الاردن ممرا لانابيب النفط والغاز  وخطوط السكك الحديدية والاتوسترادات  التي تربط الكيان  مع العمق العربي المطبع والذي سيكون من ضمنه العراق.

لست من دعاة التشاؤم  لكن الاحتياط والحذر لازم.

م/ زياد ابو الرجا.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري