كتبت سلوى فاضل:
ثقافة
كتبت سلوى فاضل: "قراءة في كتاب:"
31 كانون الأول 2022 , 17:52 م


عشية الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل

الشيخ محمد مهدي شمس الدين: "دراسة في رؤاه الإصلاحية".

بعد وفاته بعقد من الزمن، أعدالباحث والإعلامي الدكتورحسين رحّال كتابه حول الشيخ محمدمهدي شمس الدين، والكتاب عبارة عن بحث حول رؤى الشيخ ونظريته الإصلاحية، في كافة مناحي الشأن الإسلامي والوطني والفكري.

هو كتاب قيّم بعنوان: محمد مهدي شمس الدين:دراسةفي رؤاه الإصلاحية يقع في 247 صفحة، على مدى عشرة فصول، مرتبّة ترتيبا زمنيا، وموّزعة بين عرض الفكرة وتطورها أو تغييرها، عند العلامة شمس الدين.

والكتاب صدرعن"مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي"، ضمن سلسلة أعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي، حيث يجهد المركز لتقديم الكتاب برسالة مبطنة للقارئ الفاهم.

هذه السلسلة المهمة التي أضاءت، حتى اليوم، على عدد من أبرز المفكرين والإصلاحيين الذين أثّروا وتأثروا، بمن سبقهم وبمن لحقهم، ضمن سلسلة فكرية متتالية تستمر، حتى اليوم، مع مفكرين إسلاميين ناشطين.

المراحل

لم يترك حسين رحّال فكرة من أفكار العلامة شمس الدين إلا وعالجها في هذا الكتاب البحثي، وبشكل تفصيلي، كما أنه أضاف خدمة جديدة للقارئ، هي عبارة عن عرضٍ في نهاية بحثه. لكتب الشيخ شمس الدين، وملخصات عنها، لمن يسعى من القرّاء إلى الاستزادة من عالمه.

في المرحلة الأولى يقدّم الباحث المراحل التي مرّت فيهامعرفته بالشيخ شمس الدين، من "الاعجاب والتتبّع، إلى المساءلة التي أملتها ظروف المرحلة آنذاك"، وصولا إلى النقد.

لكن ذلك لم يمنعه، في كتابه هذا، من النقد الموضوعي، بعيدا عن التجريح، بل عمدأيضاإلى العرض والنقاش،ومن ثم تبيان ظروف كل تغيّر عند سماحته، مُعيداً أسباب استعراضه هذا إلى ضرورة اعتماد "المنهج الخاص لفهم شخصيةعلميةكبيرة،كشخصية الشيخ محمد مهدي شمس الدين".

ويعتبر الكاتب أن العام 1978، بالنسبة للشيخ شمس الدين هو المفصل الزمني؛ حيث قسّم فكره، ومراحل التطور لديه، إلى أربع مراحل، أهمها المرحلة الأخيرة، حيث صبغ خطاب شمس الدين بصبغة خاصة، وكانت الأغنى والأكثر جدلاً وإنتاجا للأفكار الجديدة، وقد امتدت هذه المرحلة، من أواخر الثمانينيات إلى أوائل التسعينيات من القرن الماضي؛ حيث يمكن القول: إن حسين رحّال قدّم الشيخ شمس الدين، كأحسن ما يمكن تقديمه في هذا البحث.

التأثير

تأثر شمس الدين بكل من، سيد قطب ومحمدباقر الصدر،ومالك بن نبي، وأبو الأعلى المودودي، وحمل لواء مواجهة الشيوعيةالتي كانت تُسيطرعلى الواقع الشيعي في العراق ولبنان.

لكن ،بُعَيْد َ اندثار الشيوعية الأمميّة، تحولت حروبه الفكرية والثقافية، نحو الداخل اللبناني،فكرّس مقولاته باتجاه الاندماج الشيعي في الأوطان التي ينتسبون إليها، وفي التأييد العلني لإتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية في لبنان، وفي السعي لإقامة المؤسسة المدنيّة التي تخدم الشيعة، الذين عانوا الأمرّين في مرحلة ما قبل السيد موسى الصدر.

التجربة اللبنانية

"أثرت التجربة اللبنانية في المسار الفكري للشيخ محمد مهدي شمس الدين"،كون لبنان بلداًمتعددَ الطوائف والمذاهب والاتجاهات،"ذاخصوصيات سياسيّة وثقافية ودينية".

ويعود المحك في ذلك لدى الفقيه الشيعي إلى التجربة التي يمنحها المجتمع اللبناني.

وكان شمس الدين، بحسب رحّال، قد حمل همّ الدفاع عن صورة الإسلام،في ظلّ سيادة تيارين عالميين قويين: الأول، هو الليبرالية الغربية.

والثاني، هو الاشتراكية الأمميّة.

في ظل غياب تام للإنموذج الإسلامي، رغم صعود كل من الإخوان المسلمين وحزب التحرير باكراً.

وبناءًعلى تجربته اللبنانية،بات المجتهد الشيعي الحوزوي يقبل الديموقراطية_ هذا المفهوم الناشئ في الغرب _ كونها "الحل الوحيد للمجتمعات الإسلامية"، لدرجة أنّ "الشيخ بات يُمارس نقداً شديداً لمن يعارض الديموقراطية".

وقد اشتهر العلامة شمس الدين بمفاهيم، واجتراحات فكرية متناسبة مع التطورالسياسي الاجتماعي للشيعة والمسلمين،"كالديموقراطية العددية القائمة على مبدأ الشورى"، و"المقاومة المدنية الشاملة"، و"الاندماج في المجتمعات"، و "ولاية الأمة على نفسها"، وإلى ما هنالك ..

وهي جميعها اجتراحات فكرية ذات منبع فقهي شيعي تميّز به شمس الدين، كما وتميز بتطوير أفكاره بناءً على تجارب سياسية مَعِيشَة، فلم يتصلّب لفكرة ولا لموقف، بل كان تطورياً في منهجه الذي بدأه إسلاميا صِرفا،إلى مفكر يتابع ويندمج مع الفكر السياسي القائم على أرض الواقع، فلم يقع في فخ المجتهد الحوزوي البعيد والمنعزل، كما هو حال عدد من المجتهدين الشيعة في العالم، حيث بدأ يظهر كمفكر توافقيّ غير صِداميّ، من خلال "الانخراط في الصراع المجتمعي الذي تعيشه النخب والفئات اللبنانية".

معالجات

فائدة البحث هذا أنه يتناول كل مُفردة لدى الشيخ شمس الدين على حدة، كمفردة "العلمانية"، و"المجتمع المدني" ،و"الاجتهاد"، و"التجديد"، و"ولاية الفقيه"، و"الأمة"، و"نظام الحكم"، و"العولمة"، و"العالمية"، و"النظام العالمي الجديد"، و"عاشوراء"، إضافة إلى ما يتعلق بالمرأة وحقوقها.

كل هذه المعالجات الفكرية لدى شمس الدين، كان قد تناولها السيد موسى الصدر، بنحو جيلٍ كامل، مما يُسجل هنا أسبقية للصدر وتقدُّمِيّته.

ونتيجة رؤيته الثاقبة، سبق شمس الدين صاموئيل هنتغتون، في مسألة صراع الحضارات بحوالي 15 عاما،كونه نظر إلى العالم، من منظار وجود ثنائية قطبية بناءً على القيم، مما يوّلد صراع ثقافات؛ لذا دعا المُسلم إلى أسلمة الحضارة الغربية، كونه يحمل القيم التي تحتاجها.

لا بد من القول:

لقد أجاد حسين رحّال عرض أفكار الشيخ شمس الدين، بالنقاط،وبترتيب المتغيرات على مختلف المراحل،سواء النجفيّة أو اللبنانية.

هذا التبّدُّلُ والتغيُّر،يعودلأسباب عديدة أهمها،مهمة رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.

وبحسب رأيي، فإن تناقض الأفكار عند شمس الدين، بين المرحلة النجفية والمرحلة اللبنانية،يعود لارتباط الشيخ مع بعض المفكرين اللبنانيين الذين أثّروا في الشيخ، وارتبط اسمهم به طويلا.

وأبرز المفاهيم التي خرجت إلى العام، كان محور "المقاومة المدنيّةالشاملة" المقاومة التي لاقت، في حينها، رفضاً كبيراً، من فئةٍ اعتبرَت أنّ السلاح هو الأمضى، لإخراج إسرائيل من أرضنا، وهو مفهوم أراد الشيخ شمس الدين، من خلاله، ضمّ كل فئات المجتمع اللبناني إلى صف المقاومة.

واعتقد أنه لو خرج هذا المفهوم اليوم إلى العلن، لاتُّهِمَ سماحته بالتطبيع،في ظلّ تراكض الأنظمة العربية، نحو العلاقات الثقافية مع الصهاينة.

مفاهيم جديدة

هذا الكتاب الغنيّ لا يتوقف عن تذكيرنا بأهمية كل فصل فيه، وأنّ كل مصطلح أو مفهوم يستحق الاهتمام أكثر والمعالجة، فما بالنا بمعالجة قضايا مهمة، وساخنة وحساسة ودقيقة وعصرية، كالمقاومة،والسلام،والمرأة، والسلاح، والنظام العالمي الجديد، والعولمة،والاندماج،إضافة إلى رفضه إلغاءَ الطائفية السياسية في لبنان!!!

ففي موضوع المرأة وحقوقها، يتبادر إلى الذهن سؤال أساسي هو: ما سرّ عدم تطبيق مقولات الشيخ، فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، والمرأة وحقوقها المهدورة، وهو الذي ترّأس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وكان مجتهداً وفقيهاً، لفترة طويلة؟

الوصايا

وختاماً، أرى أنّ الكتابَ، بما يعالج من مفاهيم لدى العلامة شمس الدين، يوازي الفصل الذي يتناول الوصايا التي تركها في آخر حياته للشيعة.

فكلُّ التجديدفي كِفّة،والوصايا في كفة أخرى، لما تحمل من نقاشٍ يحتاج إلى كتابٍ مستقل، حيث ينتقل الشيخ شمس الدين، من الرجل الشيعي النجفي التجديدي، إلى تقديم رؤية مختلفة،للعلاقةمع السلطة السياسية القائمة في المنطقة العربية .

ولعله، في ذلك، تطور رؤيوي له يحتاج إلى دراسة العارفين بعوالم العلماء وأفكارهم وتوجهاتهم.

ورغم أن حزب الله مسيطر على الواقع الشيعي في لبنان،منذبداية الثمانينات، إلا أن الكاتب لم يذكره، إلا في الفصل الأخير من الكتاب، مع تجاهلٍ تامٍّ لحركة أمل، وللقوى المختلفة مع الشيخ، وإن كان قد أشار إلى قوى مُعارضة لخط سماحته، في بعض المراكز القيادية الخاصة بالشيعة، داخل النظام اللبناني!!.

وربماهذا مايفسر وجهة النظر الخاصة للعلامة شمس الدين، من حكّام بعض الأنظمة العربية، على العكس من كلٍّ من حزب الله، والرئيس نبيه بري .

هو كتاب ممتعٌ ومفيد، أنصح الجميع بقراءته.

المصدر: موقبع إضاءات الإخباري