الاحتلال المشروع والاحتلال المحرم
مقالات
الاحتلال المشروع والاحتلال المحرم
م. زياد ابو الرجا
13 كانون الثاني 2023 , 21:24 م


لا يجيز ميثاق هيئة الامم المتحدة والقانون الدولي لاي دولة ان تحتل اراضي دولة اخرى وان الخلافات بين الدول يجب حلها بالوسائل والطرق السياسية المستندة الى ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي. لكن واقع الحال منذ الحرب العالمية الثانية ومجريات الامور تسير عكس كل ذلك. حيث بقيت كثير من الدول والشعوب تحت نير الاحتلال الاستعماري المباشر، وترسخت الكيانات الاستيطانية في اسيا وافريقيا وامركا الجنوبية، بل تم استحداث وخلق كيان استيطاني اجلائي وعنصري على ارض فلسطين بدعم من القوى الدولية وعلى رأسها راعي المشروع المركز الامبريالي.

استمرت الحرب العالمية الثانية بشكل مختلف ونمط جديد حيث دارت حربي كوريا والفيتنام وقتل فيها الملايين من البشر وادت الى تقسيم الوطن والامة الكورية الى وطنين وشعبين شمالي وجنوبي وبقيت كوريا الجنوبية تحت الاحتلال الامريكي فيما استقل الشمال الكوري في اطار كوريا الشمالية. انسحب هذا الوضع على الفيتنام حيث تم تقسيم الوطن والامة الفيتناميةالى شمالي وجنوبي ورزخ الجنوب تحت الاحتلال الفرنسي الا ان جبهة التحرير الفيتنامية رفضت الامر الواقع وخاضت نضالا وطنيا هدفه الاستراتيجي تحرير الوطن الفيتنامي وتوحيد الامة الفيتنامية. بعد هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فو احتلت امركا فيتنام الجنوبية وشكلت حكومة موالية لها ودربت جيشا قويا ومع ذلك، تم كنس الاحتلال وسقطت الحكومة العميلة ونالت الفيتنام استقلالها ووحدتها

في الحالة الفلسطينية قامت دولة الكيان الصهيوني الاستيطاني الغاصب تحت حراب المركز الامبريالي كحالة فريدة من الاستيطان وكقاعدة متقدمة للاستعمار في قلب الوطن العربي .

انها ليست ثابتة ضمن حدود جغرافية معينة فهي استيطانية وتوسعية واجلائية لا حدود لها ولا نهاية لمطامعها في الهيمنة والضم والتوسع وتعتبر الدولة الوحيدة في العالم التي ينظر الى توسعها واحتلالها على انه حلال ومبرر ومشروع للدواعي الامنية للكيان. ان ما يسمى بالرأي العام الغربي الذي ترعاه وتوجهه دول المركز الاستعماري الذي تطور الى النيوليبرالية المتوحشة يتعامل مع ضم الجولان السوري واحتلال واستيطان الضفة الغربية واحتلال مزارع شبعا على انه مبرر ومشروع.

عقب تفجير برجي التجارة في نيويورك قامت امريكا باحتلال افغانستان بذريعة ان الارهابيين الذين فجروا البرجين هم من التنظيمات الارهابية في افغانستان. تعاطى الغرب الاستعماري مع الاحتلال الامريكي على انه مبرر ومشروع وتقتضيه متطلبات الامن القومي الامريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام. تبع ذلك الاحتلال الامريكي للعراق بذريعة امتلاكه لاسلحة الدمار الشامل والخشية من وقوعها في ايدي المنظمات الارهابية الصديقة للنظام العراقي والتي تهدد السلم والاستقرار العالميين. على نفس المنوال قام الغرب الاستعماري والرأي العام الدولي بمنح صك الشرعية للاحتلال الامريكي - البريطاني للعراق. على الرغم من افتضاح الاكاذيب والذرائع التي ساقتها امريكا لاحتلال افغانستان والعراق والتي اعترف كولن باول بها وسلط الضوء عليها تفصيلا

MICHAEL C RUPPERT

في كتابه

CROSSING THE RUBICON واصلت امركا تغولها بعد ان اصبحت

راس النيوليبرالية المتوحشة على العالم بما في ذلك الشعب الامريكي لكي تهيمن على العالم وتتوسع وتتمدد على حساب سيادة الدول واخذت تواصل الارهاب العالمي والعقوبات الاقتصادية ضد الدول والكيانات التي تقاوم وتعارض سياساتها في الهيمنة والتفرد.

بعد ان ضمت امركا دول حلف وارسو السابقة الى حلف الناتو ( خلافا لاتفاقها مع غورباتشوف) اصبح الناتو على حدود روسيا الاتحادية وتابعت نهجها العدواني ضد الاتحاد الروسي متخذة من اوكرانيا قاعدة متقدمة ومخلبا جارحا للانقضاض على روسيا الاتحادية واثارة النزاعات العرقية والقومية فيها بغية السيطرة على خيراتها اللامحدودة. وعزلها وابعادها عن البحر الاسود بوابة روسيا الى البحر الابيض المتوسط.

قامت روسيا بحركة استباقية وضمت شبه جزيرة القرم وعملت استفتاءا باغلبية ساحقة فاقت على التسعين بالمئة. قامت قيامة الغرب المنافق وراح يندد بالاحتلال الروسي المخالف لميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي. اخذت اوكرانيا باحياء النازية الجديدة بتشجيع وتمويل من الناتو وراحت تفتك بالمواطنين الروس في شرق اوكرانيا وارتكبت المجازر وقامت روسيا بتحذير اوكرانيا والناتو من مغبة مواصلة الفظائع النازية بحق مواطنيها وتوصلت مع بعض الدول الغربية ومنها المانيا وفرنسا الى اتفاقية مينسك الا ان النازيين الاوكران استمروا في مجازرهم في شرق اوكرانيا مما اضطر روسيا الى توجيه ضربة استباقية لوضع حد لممارسات النازيين وقطع الطريق على انضمام اوكرانيا لحلف الناتو التي ارادت امريكا منه ان يطرق ابواب موسكو. صار الجيش الروسي في اوكرانيا جيشا غازيا ومحتلا لاراضي دولة ذات سيادة ومنتهكا لميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي.

هذا هو الغرب الاستعماري الذي فشل في السياسة وسقط اخلاقيا حين فتح ابوابه للاجئين الاوكرانيين ومنحهم حق الاقامة والتعليم والطبابة والتنقل والعمل وسخر ماكنته الاعلامية على معاناتهم في الوقت الذي يصم اذنيه ويغمض عينيه عن معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ سبعة عقود ونيف في المنافي والشتات وتحت نير الاحتلال الاستيطاني.

في قاموس الغرب الاستعماري هناك ثمة احتلال وتهجير حرام واحتلال وتهجير حلال، لان هذا الغرب لا يرى العالم الموضوعي الا من خلال رؤيته الذاتية خدمة لمصالحه الانانية الاستعمارية التي عمادها الهيمنة الاقتصادية والامنية والسياسية واخلاقيته الساقطة ولا يحق لاحد الاعتراض عليها او مقاومتها. فالحلال والمشروع والمبرر والحق كلها تدور حيث تدور امركا بما يخدم استمراريتها في التفرد والتربع على عرش النظام العالمي، وويل للمارق فامركا تعاقبه وتحاصره وتشهر به وتود لو تشنقه، لكن هيهات هيهات فقد نهضت دول وكيانات ضد هذا التفرد وتحقق ما حذر منه الكاتب الامريكي DAVID ICKE

في كتابه HUMAN RACE GET OFF YOUR KNEES THE LION SLEEPS NO MORE

وغيره من الكتاب الامريكيين

نعم نهض القيصر الروسي وامتطى حصانه وثار بركان التنين الصيني وعلا نهيم الفيل الهندي وحلق طائر الفينيق واستلت بعض الشعوب الاسلامية (( سيف ذو الفقار ))

ومعها كل الشعوب والدول المستضعفة التي ذاقت الامرين من هيمنة وتسلط النيوليبرالية الامريكية المتوحشة والمنفلتة من عقالها ولن تلقي السلح حتى يصل هذا الصراع الدائر الان الى نهايته وخاتمته المنطقية (( القضاء المبرم على نظام القطب الواحد ، الخارج على القوانين والمواثيق الدولية، الظالم المتجبر ، واحلال نظام متعدد الاقطاب وعادل ، يحترم كل الدول صغيرها وكبيرها ويلتزم بميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي والساعي الى العيش المشترك على هذا الكوكب عبر التشابك الاقتصادي والتبادل الثقافي والحضاري.))

في هذا العالم المضطرب لا رأي للحق الضعيف ولا صدى،

الرأي رأي القاهر الغلاب

وعلينا ان ننظر الى الموت في وجهه كي نعرف معنى الحياة والنهوض والتحرر والانعتاق.

م/ زياد ابو الرجا

المصدر: موقع إضاءات الإخباري