العلاقات السورية - الايرانية بين المظهر والمخبر
مقالات
العلاقات السورية - الايرانية بين المظهر والمخبر
م. زياد أبو الرجا
24 كانون الثاني 2023 , 10:22 ص


اذا اردنا ان نعرف ما يجري في المشرق العربي وفي القلب منه سورية علينا ان نسبر غور سيل التصريحات السورية التي جاءت بعد الغاء زيارة الرئيس الايراني لسورية والتي واكبت زيارة وزير الخارجية الايراني لكل من بيروت ودمشق. هذه بعض التصريحات

١-اكد الرئيس السوري بشار الاسد خلال لقاءه وزير خارجية ايران حسين امير عبد اللهيان " ان دمشق لن تواصل الحوار مع تركيا الا اذا كان هدفه انهاء الاحتلال، ووقف دعم التنظيمات الارهابية ".اكد الرئيس الاسد خلال اللقاء" ان دمشق حريصة على التواصل المستمر وتنسيق المواقف مع ايران بشكل دائم".

٢-اكد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد اهمية التحالف بين ايران وسورية.

٣-اكد المقداد ان سورية في كل تحركاتها منذ عام ٢٠١١ حتى هذه اللحظة تسعى لانهاء الارهاب الذي عكر علاقتنا بتركيا.

٤-اكد المقداد ان اللقاء بين الرئيس الاسد والقيادة التركية يعتمد على ازالة اسباب الخلاف ، وشدد على انه يجب خلق البيئة الملائمة من اجل عقد لقاءات على مستويات اعلى مع القيادة التركية. واوضح الوزير السوري انه " لا يمكن الحديث عن اعادة العلاقات الطبيعية بتركيا من دون ازالة الاحتلال." واضاف ان التنسيق مع طهران في مختلف الاطارات الاقليمية والدولية يؤكد التزام ايران وحدة اراضي سورية وسيادتها.

٥- اكد الاسد خلال اللقاء، ان دمشق" حريصة على التواصل المستمر ، وتنسيق المواقف مع ايران بصورة دائمة، ولا سيما وان ايران كانت من اوائل الدول التي وقفت الى جانب الشعب السوري في حربه ضد الارهاب. وشدد على ان هذا التنسيق يكتسب اهمية قصوى في هذا التوقيت بالذات، الذي يشهد تطورات اقليمية ودولية متسارعة من اجل تحقيق المصالح المشتركة للبلدين. واوضح الرئيس السوري ان " الدولة السورية تنطلق دائما في كل مواقفها من حرصها على مصالح الشعب السوري." وبين ان دمشق لن تسير الى الامام في الحوارات ( مع تركيا) الا اذا كان هدفها انهاء الاحتلال ووقف دعم التنظيمات الارهابية."

بدوره اكد الوزير عبد اللهيان بعد لقاءه الاسد على ان " سورية بلد مهم ومؤثر ، ولذلك فان قوة وتنمية سورية يعني قوة وتنمية المنطقة عموما وايران خصوصا."

واكد ان البلدين يقفان في خندق واحد ويتبادلان الدعم القوي لبعضهما الاخر ، لدينا ثقة كاملة بالمواقف والقرارات السورية ، وهي ترى ان اي حوار جاد بين دمشق وانقرة هو خطوة ايجابية لمصلحة البلدين والمنطقة.

يجمع المحللون السياسيون واصحاب مراكز الابحاث والدراسات في الغرب والشرق على حد سواء على ان العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا قد خلقت مرحلة انتقالية كبيرة تفضي حتما ومن خلال صراع مرير الى ولادة نظام دولي جديد كما اختصره لافروف وزير الخارجية الروسي(( متعدد الاقطاب وعادل)) . هذه المرحلة لا يمكن فصلها عن المرحلة التي سبقتها والتي تمثلت بالعدوان الثلاثي(( الامركي- الصهيونية العالمية -والصهيونية الاخوانية)) لاسقاط الانظمة والدول الاقليمية وفي القلب منها الدولة السورية. لولا صمود سورية حكومة وشعبا وجيشا واسقاط حكم الاخوان في مصر لاستباحت قوى الارهاب الاقليم برمته من تطوان ووهران الى الجزيرة العربية وطهران. خلال هذه العشرية الارهابية سقطت انظمة ودول وصمدت اخرى. بالنسبة للاقطار التي سقطت انظمتها ودولها تعم فيها الفوضى السياسية والامنية والاقتصادية وبعضها مرشح للانقسام والتقسيم، اما بالنسبة لتلك الدول التي افلتت وصمدت فهي تنقسم الى فئتين الفئة الاولى التي تعتبر مناهضة للهيمنة الامريكية مثل ايران وسورية كما انها تخضع لاقسى العقوبات الاقتصادية والامنية والمقاطعة السياسية والحصار المطبق، اما الفئة الثانية في التي تعتبر من حلفاء واصدقاء امركا المخلصين تركيا الناتوية والمملكة السعودية، هاتان الدولتان اخذتا في التملص من القبضة الامريكية الخانقة انطلاقا من مصالحما الوطنية الخالصة وليس للقطيعة مع امركا او الانحياز للشرق المتمثل في الصين وروسيا. اتسع هامش المناورة لديهما وحرية الحركة والاجراءات السياسية والاقتصادية في الاقليم. اذا اخذنا زيارة محمد بن زايد لسوريا ووضعناها تحت المجهر نستشف ان بن زايد يحمل مقترحات سعودية لاستأناف العلاقات السعودية السورية. ان صح هذا فانه يستفز ايران ويثير حفيظتها، ويبدو ان ايران لديها معطيات ومعلومات بان التقارب السعودي السوري صار وشيكا، ويطبخ على نار هادئة. وعلى هذا تم الغاء زيارة الرئيس الايراني لسورية وتوجه الوزير امير عبد اللهيان الى دمشق لاقناع القيادة السورية بالتعجيل في الحوار مع القيادة التركية لقطع الطريق على التقارب السعودي السوري المرتقب.

من هنا يمكن قراءة وفهم سيل التصريحات السورية اثناء زيارة امير عبد اللهيان لدمشق فيما يتعلق بالحوار مع تركيا، ووصلت الرسالة السورية لكل من ايران وروسيا ملخصها(( سورية لا تشتري سمكا في البحر)).

ان التقارب السعودي السوري لا يرضي امركا التي لا تستطيع في ظل مرحلة ولادة النظام الدولي الجديد ان تتخذ مواقف معادية للسعودية وتركيا ولا تستطيع الاستمرار في حصار ايران وسورية ولذلك تتبع امركا سياسة العصا والجزرة مع حلفائها والتي ما عادت تنفع في ظل المتغيرات الدولية المتسارعة. اننا الان امام اربعة كيانات اقليمية وازنة وفاعلة سياسيا واقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا سترسم خارطة الاقليم في الشرق الاوسط (( السعودية ، تركيا، ايران وسورية)) وان احسنت هذه الدول التشابك الاقتصادي بينها والتعاون الامني والتبادل الحضاري الغني بالمشتركات فانها ستكون بمثابة الاتحاد الاوروبي الجديد في الاقليم وستكون مركز قوة الجذب الطوعي للدول الصغيرة في الاقليم والاهم من ذلك انها ستلغي الدور الوظيفي للكيان الصهيوني على ارض فلسطين في المستقبل المنظور.

نشطت الدبلوماسية الجزائرية وبذلت جهودا مضنية من اجل انجاح القمة العربية في الجزائر، وطفقت تطوف العواصم العربية من اجل عودة سورية الى الجامعة العربية لكنها لم تحقق اي خرق في هذا المسعى. تقدمت سورية بالقاء طوق النجاة لرفع الحرج عن الجزائر وقالت انها تتفهم الموقف الجزائري واعلنت عن عدم مشاركتها في القمة العربية. لو ان الجزائر نجحت في اعادة سورية للجامعة العربية لاحتلت مكانا في الاقليم فوق مكانتها، وخاصة انها نجحت في لم شمل" القبائل" الفلسطينية. في الشمال الافريقي ودوله العربية نجد مصر غائبة ومغيبة عن لعب اي دور اقليمي، وترزح تحت وطأة الديون والوضع الاقتصادي السيئ، وليبيا في فوضى عارمة سياسيا وامنيا واقتصاديا، وتونس مضطربة ولا استقرار فيها، والمغرب طبع مع الكيان الصهيوني وبسط اراضيه لامركا لاقامة قواعد عسكرية عليها. تبقى الجزائر البلد الذي استطاع بحنكة وحكمة قيادته وحزمها ابعاد نار الارهاب والارهابيين الذين ارادوا ان يضعوا الجزائر تحت عشرية دموية ثانية. نذكر هنا ما قاله احد وزراء الخارجية العرب لوزير الخارجية الجزائري: الدور جاي عليكم..ان الجزائر المستقرة الان تقف على الحد الفاصل بين مشرقها الذي تعمه الفوضى وبين مغربها الذي يهدد استقرارها وامنها ودورها في افريقيا، وعلى الرغم من الانجازات التي حققتها في الاقتصاد وبناء الجيش القوي الا ان الجزائر تستطيع ان تحصن نفسها بشبكة علاقات دولية وعربية وفي مقدمة العربية منها سورية. لقد اصبح لزاما( نعم لزاما) اكثر من اي وقت مضى على الجزائر ان تعقد قمتها مع سورية وتقدم على خطوات عملية دون ابطاء بامداد سورية بما يلزمها من النفط والمال. اقول لزاما كرمى لارواح شهداء الجزائر وتاريخها النضالي وكرمى لصقر الصحراء (( الامير عبد القادر الجزائري)) الذي اتخذ من الشام دارا ومستقرا.

اننا على يقين ان الجزائر ستعقد قمتها مع سورية

اننا منتظرون

واننا على يقين يا جزائر بانكم فاعلون

م/ زياد ابو الرجا 

المصدر: موقع إضاءات الإخباري