كتب البروفيسور الدكتور محمد كاظم المهاجر:
مقالات
كتب البروفيسور الدكتور محمد كاظم المهاجر: "منحى النظام الدولي المعاصر_ الدولار ، الذراع الاقتصادي لهيمنة أمريكا".
د. محمد كاظم المهاجر:
27 كانون الثاني 2023 , 10:21 ص


_ من الواضح جداً أنّ مَخاضَ ولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب ، ولادة عسيرة غير محصورة بفترة زمنية منظورة ، بل تحتاج زمناً قد يطول، لإنجاز العوامل الفاعلة ومتطلبات التغيير، في ظل صراع شرس مفتوح على كل الاحتمالات، سواء العسكرية منها أو الاقتصادية أو السياسية .

الحرب الروسية _ الأوكرانية واحدة من أوجهها التي تؤشر تطوراتها، بإمكان حرب عالمية مع عدم استبعادالسلاح النووي عند اللزوم؟!

في مقالتي هذه سأُلقي الضوءَ على جانبٍ اقتصاديٍّ، و حصراً بدور الدولار / كذراعٍ اقتصاديةٍ هي الأشدُّ في هيمنة نظام الأحادية القطبية ، وإبعاد القرار الذي تبدو الولايات المتحدة الأمريكية بصدد اتِّخاذه كما أبلغَتْ،برسالةٍ مؤكدةٍ ليلة أمس _ والقاضي بإقدام الولايات المتحدة على استبدال الدولار الحالي، في كل العالم بدولار جديد مزود بكود سري وسكنر.

_ للتذكير فقط _( يمكن العودة إلى مقالتي على صفحتي في الفيسبوك، بتاريخ 3/3/2022 والاطِّلاع على الدور الذي لعبه الدولار أساساً، في التوسع الإمبراطوري الأمريكي، حيث بموجب( برايتون وودز )أصبح الدولار( عملة العملات )، بعد الحرب العالمية الثانية، والمخزون الرئيسي للعملات ، ولكنَّ بَنْدَ إلزام أمريكا ببيعِ الذهبِ للبنوكِ المركزيةِ في العالم، بسعرٍ مُحَدَّدٍ للدولار قد حد من الِاستغلال ِ الأوسعِ لهيمنةِ أمريكا، واستغلالها في كل دول العالم ، هذا القيد قد تلاشى عام 1971، عندما أعلنت أمريكاعدم التزامهاببيع الذهب وبالتالي انهيار نظام بريتون وودز .

وصار في وُسعِ الاقتصاد الأمريكي أن يزيد من ميزان المدفوعات والعجز المالي، إلى ما نهايةٍ تقريبا ، وأنه يمكنها، أي أمريكا، تمويل العجز عن طريق إصدار القروض بالدولار، وسيكون على الدول التي لديها فائض، أن تُعيدَ هيكلته إلى أسواق رأس المال الأمريكية ما بقي الدولار عملة المخزون العالمي، وبنتيجة ذلك، تضخم الدَّيْنُ الإجماليُّ الأمريكيُّ إلى إلى حوالي 27 تريليون دولار،وأكثر من نصفه خارج الولايات المتحده _ وفقا للاحصاءات المنشورة _ دون أن يؤثر ذلك عليها .

_ سريان مفاهيم العولمة زادت من سطوة أسواق رأس المال الأمريكية، وأزالت القيود التي تحد من التنقل الحر لرأس المال حول العالم، وسهَّلَت للمؤسسات المالية الأمريكية من تنقل الموارد، محققة بذلك أرباحاً طائلةً، على حساب دول العالم ؛ والهندسة الاقتصادية وفقا لمنحى الفكر الليبرالي الجديد الانكلوسكسوني ( المدرسة النقدوية ) قد أدَّتْ إلى إحرازفوائد عاليةللامريكيين وطبعاً عل حساب استقلالية الدول الأخرى، كما أدّت بذلك إلى توسع الإنفاق العسكري الأمريكي،كما يشيرإليها المحلل الأمريكي روبرت واد (Robert wade )، في كتابه :( the invisible hand of the American empire . P 64)

_ إفرازات الحرب الروسية _ الأوكرانية، وقرار إبعاد روسيا عن منظمة سويفت( ممكن العودة إلى مقالتي على الفيسبوك أو موقع اضاءات بتاريخ 28/ 2/ 2022 )، دفعت بدول البريكس ودول أخرى، إلى محاولات جادة، لتقويض نظام النقد الدولي، والتعامل فيما بينها بعملاتها المحلية، كمقدمة لنظام جديد، طبعاً لمدى زمني أبعد لن يأخذ مداه، الا بفعل التمكن بنظام متعدد الأقطاب، إنما بذلك أطلق الصراع النقدي على مستوى العالم، كمقدمة لهدم النظام النقدي الدولي القائم وإحلال نظام نقدي آخر مكانه، الخبر الذي أشرنا إليه في بداية المقالة: نية أمريكا الإقدام على استبدال الدولار، بدولار جديد يحمل كوداً سرياً وسكنر.

ما مدى القدرة على إنجاز هذا الفعل وأبعاده ؟! .

_ أبعاد هذا الاستبدال للدولار معناه بمثابة هوية شخصية للدولار النقدي، في كل أنحاء العالم، سواء في التعاملات القانونية أو غير القانونية، وسيكون مكانه معلوم في أي مكان هو موجود؛ حالياً وسابقا، وهذه الرقابة على حركة الدولار ( فقط عندما تكون بواسطة التحويلات المصرفية، سيمر على جهاز الرقابة الفيدرالي للحكومة الأمريكية)، ولكن يبدو أنّ الرقابة إذاً هي مطابقُ هذا الاستبدال، كما سيكون أيضاً مراقبةً لحركة الأموال النقدية ( الكاش )، وأين توجد، وفي أي خزينة،في أية دولة، في كل دول العالم ، وهو أمر للسيطرة يبلغ مداه الأبعد، منذ أول طباعة للدولار عام 1876.

الموضوع هويةشخصيةللدولار النقدي،إذ بمجرد كبسة زر على أجهزتهم في أمريكا سيعرفون كل شيء، عن الحركة والمكان للدولار، في كل أنحاء العالم .

أمّاعن إمكان تطبيق هذاالنظام، فلن يكون بالأمر السهل،ويحتاج الكثيرَمن الوقت،لسحب الدولار القديم من التداول، ومن كل أنحاء العالم، وهو جهد عالمي وليس محلياً ، بحيث يحتاج إلى تعاونٍ دوليّ؛والنقطة الجوهرية في ذلك، هي أنّ أمريكا كانت تُقْدِمُ، من خلال أجهزتهاالنقدية على إصدار وطباعة الدولارات سنويا، وطرحها في السوق العالمية، لتسوية المعاملات النقدية، وكانت تُقَدّرُ بحدود 200 مليار دولار سنوياً، بدون أي غطاء، ويجري ذلك دون أي تأثير على فعل التضخم لديها، فماذا سيكون مصير هذه الدولارات وانعكاساتها، في حال جرى الاستبدال؟؟

وأيضاً، كيف سيجري التعامل والاستبدال، مع الدول التي تتبع سياسة متناقضة مع السياسة الأمريكية أو عدوة لها( روسيا ، ايران ، كوريا الشمالية .....................الخ ) ؟؟! وكذلك، كيف ستجري عملية المنافسة مع العملات القوية الأخرى( اليورو ،اليوان الصيني ، الروبل .......الخ ) ؟؟

وكيف ستكون العلاقةفي تمويل الحرب ؟

أسئلةكثيرةلن نستطيع الخوض فيها، مالم تتوضح معطيات جديدة وأبعاد، للصراع الدولي لولادةنظام عالمي جديدمتعدد الأقطاب.

المصدر: موقع إضاءات الإخباري