كتب البروفيسور الدكتور محمّد كاظم المهاجر:
_ الدولار "،( الذراع الاقتصادي لهيمنة أمريكا ) _______________________
_ من الواضح جدا أن مخاض ولادة نظام دولي جديد متعدد الأقطاب ، ولادة عسيرة غير محصورة بفترة زمنية منظورة ، بل تحتاج زمناً قد يطول، لإنجاز العوامل الفاعلة ومتطلبات التغيير، في ظل صراعٍ شَرِسٍ مفتوحٍ على كل الاحتمالات، سواء العسكريةُ منها أو الاقتصاديةُ أو السياسية.
الحرب الروسية _ الأوكرانية واحدة من أوجهها التي تؤشِّرُ تطوراتُها بإمكان حربٍ عالمية، مع عدم استبعادالسلاح النووي عند اللزوم ؟!
_ في مقالتي هذه سأُلقي الضوءَ على جانبٍ اقتصاديٍّ، حصراً بدور الدولار / كذراع اقتصادية هي الأشدُّ في هيمنة نظام الأُحاديةِ القطبية ، وإبعاد القرار الذي بصدد اتخاذه الولاياتُ المتحدةُ الأمريكية _ كما أبلغت برسالة مؤكدة ليلة أمس_والقاضي بإقدامِ الولايات المتحدةِ على استبدال الدولار الحالي، في كل العالم، بدولار جديدٍ مُزوَّدٍ بكودٍ سريٍّ وسكنر.
_ للتذكير فقط _ ( يمكن العودة ُلمقالتي على صفحتي في الفيسبوك بتاريخ 3/3/2022 والاطِّلاعُ على الدور الذي لعبه الدولار أساسياً في التوسع الإمبراطوري الأمريكي، حيث بموجب ( برايتون وودز ) أصبح الدولار( عملة العملات ) بعد الحرب العالمية الثانية، والمخزونَ الرئيسيَّ للعملات، ولكنّ بَنْدَ إلزامِ أمريكا ببيع الذهب للبنوك المركزية في العالم،بسعرٍ محدّدٍ للدولار، قد حدَّ مِنَ الِاستغلال ِ الأوسعِ لهيمنة أمريكا واستغلالها، في كل دول العالم ، هذا القيدُ قد تلاشى عام 1971 عندما أعلنت أمريكاعدم التزامهاببيع الذهب، وهذا يعني انهيارَ نظامِ بريتون وودز، وصار في وسع الاقتصاد الأمريكي أن يزيد من ميزان المدفوعات والعجز المالي، إلى مالا نهاية،تقريبا،وأنه يمكنها، أي أمريكا، تمويل العجزِ، عن طريق إصدار القروض بالدولار، وسيكون على الدول، الّتي لديها فائضٌ، أن تعيدَ هيكلتَه إلى أسواق ِرأس المال الأمريكية،ما بقي الدولار عملةَ المخزونِ العالمي؛ وبنتيجة ذلك تضخمَ الدَّيْنُ الإجماليُّ الأمريكيُّ، إلى إلى حوالي 27 تريليون دولار، واكثرُ من نصفه خارجَ الولايات المتحده _ وفقاً للإحصاءات المنشورة _ دون أن يؤثر ذلك عليها.
_ سريانُ مفاهيم العولمةِ زادتْ من سَطْوَةِ أسواق ِ رأسِ المالِ الأمريكية، وأزالتِ القيودَ التي تَحُد ُّمن التنقل الحرّ لِرأسِ المال ِ حول العالم ِ،وسهّلت للمؤسساتِ الماليةِ الأمريكيةِ من تنقل الموارد، محققةً بذلك أرباحا طائلةً على حساب دول العالم؛ والهندسةُ الاقتصاديةُ، وفقا لمنحى الفكرِ الليبرالي الجديد الانكلوسكسوني ( المدرسة النقدوية ) قد أدّت إلى إحرازفوائدعاليةٍللأمريكيين وطبعا عل حسابِ استقلالية الدول الأخرى، كما أدّت بذلك إلى توسع الإنفاق العسكريِّ الأمريكيّ،كمايشير إليها المُحَلِّلُ الأمريكيُّ روبرت واد (Robert wade )، في كتابه ( the invisible hand of the American empire .( p64 )
_ إفرازاتُ الحربِ الروسيةِ _ الأوكرانية،وقرار إبعاد روسيا عن منظمةِ سويفتْ ( يُمكن العودةُ إلى مقالتي على الفيسبوك أو موقع إضاءات بتاريخ 28/ 2/ 2022 )،دفعت بدول البريكس ودول أخرى،إلى محاولات جادةٍ، لِتَقْويِضِ نظامِ النّقْدِ الدولي،ّ والتعام،لِ فيما بينها، بعملاتها المحلية، كمقدمة لنظامٍ جديد؛ طبعاً لمدىً زمنيٍّ أبعد،لن يأخذ مداهُ إلّا بفعلِ التّمكُّن ِ بنظامٍ متعدِّدِ الأقطاب، إنّما بذلك أطلقَ الصراعَ النّقدِي على مستوى العالمِ، كمقدمةٍ لِهَدْمِ النظامِ النّقدِيِّ الدَّوْلِيِّ القائمِ، وإحلال نظامٍ نقديٍّ آخرَ مكانْه ، الخبرُ الذي أشرنا إليه في بدايةِ المقالة، بِإقدامِ أمريكا على استِبْدالِ الدولارِ بدولارٍ جديدٍ يحملُ كوداً سرياً وسْكَنِر.
ما مدى القدرةِ على إنجازِ هذا الفعلِ وما هي أبعادُه ؟! .
_ أبعادُ هذا الاستبدال للدولار معناه بمثابةِ هُوِيّةٍ شخصيةٍ للدولارِ النقديِّ في كلِّ أنحاءِ العالم، سواء ٌفي التعاملات القانونيةِ أو غيرِ القانونية، وسيكون مكانُهُ معلومٌ في أي مكان هو موجود ؛ حالياً وسابقاً. الرقابة على حركة الدولار ( فقط عندما تكون بواسطة التحويلات المصرفية سَيَمُرُّ على جهازِ الرّقابةِ الفيدرالي للحكومةِ الأمريكية) ولكن يبدو أنّ الرقابةِ إذاً، مُطابقُ هذا الِاستِبدال ِ سيكون أيضاً مراقبةَ حركةِ الأموالِ النقديةِ ( كاش ) وأينَ توجدُ وفي أيِّ خزينةٍ، في أيةِ دولةٍ من دولِ العالم ، وهو أمرٌ للسيطرةِ يبلُغُ مداهُ الأبْعَدُ، منذ أوّلِ طِباعةٍ للدولار،عام 1876.
الموضوعُ هويةٌشخصيةٌللدولارِ النّقْدِيِّ، بِمُجَرّدِ كَبْسَةِ زِرٍّ على أجهزتِهم في أمريكا، سيعرِفونَ كل شيءٍ عن ِالحركةِ والمكانِ للدولار، في كل أنحاءِ العالم .
أمّا عن إمكانِ تطبيقِ هذا النظام فلن يكونَ بالأمْرِ السّهل،ويحتاج الكثيرَمنَ الوقتِ لِسَحْبِ الدولارِ القديمِ من التداولِ ،ومن كل أنحاءِ العالم، وهو جهدٌ عالميٌّ وليس محلياً ، بحيث يحتاج إلى تعاون ٍ دَوْلِيّ،والنقطةُالجوهريةُ في ذلك، هي أنّ أمريكا كانت تُقْدِمُ،من خلال ِأجهزتِها النقديةِ على إصدارِ وطباعةِ الدولاراتِ سنوياً، وطرْحِها في السوقِ العالمية، لِتسوِيَةِ المُعاملاتِ النقدية، وكانت تُقَدَّرُ بحدودِ 200 مليارِ دولارٍ سنويا، بدونِ أيِّ غطاء، ويجري ذلك دون أيِّ تأثيرٍ على فِعْل ِ التضخم لديها؛ فماذا سيكونُ مَصيرُ هذه الدولاراتِ وانعكاساتُها، في حال جرى الِاستبدال؟؟ وأيضا، كيف سيجري التعامُلُ و الاستبدالُ مع الدول ِ التي تتبع سياسةً متناقضةً مع السياسة الأمريكية، أو عدوةً لها ( روسيا ، ايران ، كوريا الشمالية ..............الخ )؟؟!
وأيضا، كيف ستجري عمليةُ المنافسةِ معَ العُملاتِ القويةِ الأخرى( اليورو ،اليوان الصيني ، الروبل .....الخ )؟؟
وكيف ستكون العلاقةُفي تمويل الحرب ؟
أسئلة كثيرة لن نستطيع الخوض فيها، مالم تتوضّحْ مُعطياتٌ جديدةٌ، وأبْعادٌ لًلصِّراع ِ الدَّوْلِيَّ، لولادةِ نظامٍ عالمِيٍّ جديدٍ متعدِّدِ الأقطاب.