اسرائيل في الفوضى .. في نضج اسباب وشروط انفجار الصراع بين قبائل اسرائيل ..
دراسات و أبحاث
اسرائيل في الفوضى .. في نضج اسباب وشروط انفجار الصراع بين قبائل اسرائيل ..
ميخائيل عوض
2 نيسان 2023 , 15:30 م


بيروت ١-٤-٢٠٢٣

ميخائيل عوض

منذ هزيمة ٢٠٠٠ في لبنان وبعدها في ٢٠٠٥ في غزة ف٢٠٠٦ في حرب تموز، ادركت نخبة الاشكيناز ان اسرائيل فقدت دورها الوظيفي وباتت في حالة غروب وعجز، فهاجر منها اكثر من مليون ونصف جلهم من الاشكيناز الاوروبيون ما ادى الى اختلال جوهري في التوازن مع السفارديم. عبر الاختلال عن نفسه بسيطرة اليمين والتطرف على الرأي العام وتمكن نتنياهو من اطول حكم فيها.

كما ان الانتخابات كانت تجري بين اليمين والاكثر يمينية بينما انهار حزب العمل وميرتس ودور الهستدروت والجيش في انتاج النخب السياسية" وكانت البيئات المولدة للنخب الاشكينازية" وتجسدت التوازنات الجديدة في الحؤول دون انتاج كنيست بأكثرية حاكمة في اربع انتخابات في سنتين، وليحقق نتنياهو غالبية حاكمة تحالف مع العناصر الاشد تطرفا ويمينية في كتلة السفارديم، وتحالف مع زعامات مرذوله من مجتمع الاشكيناز، وركز تحالفه مع بن غفير وسموريتش المتطرفان والمتهمان بالفساد والبلطجة كمثله، وممثلا كتلة الاستيطان في الضفة وغلاف غزة، وكتلتهم تعد بما يقارب المليون، وازمتهم انهم لا يعيشون في اسرائيل ولا يخضعون لقواعد العيش فيها وقوانينها، ولا يتمتعون بذات امتيازات الاشكيناز من سكان المدن والبلدات التاريخية فالضفة يطبق فيها قانون الاحتلال وليس قوانين الدولة "الوطن". وقد عجزت حكومات نتنياهو عن اعلان ظم الضفة برغم وعد ترامب ومحاولاته المحمومة، ومع تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة وفلسطين ال٤٨ باتت كتلة لاستيطان تتحسس مخاطر جمة على مستقبلها، وتشعر بنفسها انها تتحمل الاعباء بينما الاشكيناز يستأثرون بالدولة واجهزتها وتقديماتها. فقبيلة السفارديم لا هي مقبولة في مجتمع الاشكيناز، ولا هي مقبولة ولا سيدة مهيمنة في الضفة وباتت المستوطنات عرضة للعمليات وسيارات المستوطنين مستهدفة من المقاومة وسلاحها.

في محاولة تذاكي من نتنياهو لتامين غلبة له في الكنيست وتامين حكومته تورط بوعود للمتطرفين، في اساسها تعديل قانون المحكمة العليا، وتعديلات قانونية تقلص هيمنة لاشكيناز على الدولة والمؤسسات وتتحول بإسرائيل الى دولة دينية الغلبة فيها للسفارديم، وقام بالإطاحة بوزير الدفاع الذي رفض تمكين بن غفير من اخضاع القوانين والقوة العسكرية في الضفة لأمرته المباشرة من خارج المهام والقوانين الناظمة لعمل الجيش في مناطق الاحتلال، ولهذا شرع نتنياهو وحكومته بتسليح المستوطنين في الضفة ولتامين نصاب الحكومة اعطى وعدا لبن غفير بإنشاء جيش خاص به وتحت امرته، ومن خارج تشكيلات الجيش والمؤسسة العسكرية ونظمها ومهماتها، جيش مليشيا متطرف جل عناصره من المستوطنين تحت مسمى جهاز الحرس القومي.

وهذا الاجراء يصعب تطبيقه اذا تمرد الجيش وقيادته كما فعل وزير الدفاع المقال ويستحيل تشريعه ما لم تخضع المحكمة العليا وهذه مستحيلة ما لم تعدل القوانين واليات تشكيلها وصلاحياتها.

هنا وهكذا تكمن وتتجسد الازمة المستعصية التي دفع نتنياهو تحت ازماته الى تظهيرها في إسرائيل وبنيتها ونظامها وتوازنات مجتمعها، وهذا ما يفسر جرأة المعارضة وتحشيدها وتمرد الجيش والنخب واستيقاظ الهستدروت من سباتها والنجاح المنقطع النظير للإضراب العام غير المسبوق في اسرائيل الذي شل اسرائيل وكاد لو استمر ان يسقطها بانفجار اقتصادي اجتماعي على اثر انهيار سعر الشيكل.

اسرائيل في حقبة الفوضى؛

الفوضى في تعريف ابن خلدون هي الحقبة الضرورية لانبثاق الجديد من رحم القديم، وفي المفهوم الماركسي هي الظرف الثوري الذي يطلق مفاعيل ولادة الجديد من رحم القديم. تدوم الفوضى اذا توازنت القوة بين القديم والجديد واستحالت الولادة فيتحول المجتمع الى التوحش ويعود الى هوياته المؤسسة.

بحسب اي تعريف؛ إسرائيل في الفوضى، وتوازن قواها المجتمعية باينه بوضوح والانتخابات النيابية كانت خير مؤشر على التوازنات والعجز عن توليد الجديد. فليس لإسرائيل جديد منها وينبثق فيها وعنها ذلك لأنها كيان مصنع غريب فقد وظائفه وتراجعت فرص تعويمه واسناده، والشعب الذي قاوم حسم امره وانتفض بالسلاح والمقاومة لم يعد امامه الا خيار المقاومة للتحرير الكامل، وهذه خاصية لا تنطبق على الدول والمجتمعات التقليدية التي نشأت وتطورت في بيئات صحية.

فوضى اسرائيل لا علاج تقليدي لها ولا رشته ادوية موفرة لمن يعالج، فالصراع بين الاشكيناز والسفارديم صراع ديني عقائدي عميق جدا ودموي ويجاوز ما في الصراع بين الفرق المسيحية وما بين الفرق الاسلامية. والسفارديم بنسخة بن غفير هي داعش اليهودية بامتياز. بينما الاشكيناز من تدين ونمط حياة وفهم للدين مختلف جوهريا فهم قادة ودعاة العلمنة وفصل الدين عن الدولة والديمقراطية والحكم الرشيد ولا علاقة للسماء بإدارة الارض عندهم وليس في انماط حياتهم عيش وحياة بأمرة الخامات وفتاويهم في الكابس والمأكل ...

والعمق الديني والعقائدي للصراع يتصاعد اليوم بمعدلات متسارعة بسبب ما بلغته اسرائيل من ازمات وعجز وهزائم فلم يعد فيها ولها اية قيمة نوعية جاذبة او حافزة، لطمس الصراعات العامودية في مجتمعها المصنع والمركب بلا ضوابط ولا تسويات ولا قيم واخلاق تكرست وترسخت تاريخيا وبعمق وهدوء فليس من جوامع بين المستوطنين المجمعين من اصقاع الارض ومن قوميات وثقافات ودول مختلفة جوهريا في هوياتها ومفاهيمها وقيمها.

فإسرائيل مهزومة ومهددة بهزيمة ساحقة، وتضربها ازمة اقتصادية عاتية، وبنيتها الاقتصادية الاجتماعية تحولت من رأسمالية الدولة الاحتكارية ونظام المستوطنات والجمعيات" الكيوبتسات" والتكافل الاجتماعي وشبكات الامان والدولة الراعية الى الليبرالية الاكثر توحشا. وتناقضاتها الطبقية والاجتماعية على اشدها، والفقر والجوع يضرب قطاعات واسعة حتى في الجيش الذي يعاني من نقص عددي وفساد وانتشار المخدرات وبيع السلاح والذخائر، والمستوطنون في الضفة" القاعدة الاجتماعية لبن غفير، باتوا عرضة للهجمات وعمليات الطعن والدهس وعمليات المقاومة تتصاعد وقبضة الجيش والاجهزة وسلطة ابو مازن تتفكك وتنتشر تشكيلات المقاومة في المحافظات والمدن وتترسخ مناطق حمراء شبه محررة وباتت الاموال والسلاح والذخائر والمفخخات والمسيرات تصل الى يد المقاومين بسهولة اكبر، وقد حزم محور المقاومة امره ويضع ما لديه لإسناد ثورة الضفة وال٤٨ موضع التنفيذ بشهادة عملية مجيدو، وانفجار لغم بهامر اسرائيلية على الشريط الحدودي مع لبنان واستهداف القواعد الأمريكية في سورية، وكل التطورات واحتمالاتها تضع اسرائيل في دائرة العجز والمزيد من الازمات وتاليا مزيدا من الفوضى والتوترات الاجتماعية وتعميق الصراع بين قبائلها وليس في الافق القريب من مؤشرات لأحداث وتطورات تفيد باحتمال توفر امكانية لإحاطة بالأزمة وترقيدها ويصب الخلاف بين نتنياهو بايدن الزيت على النار...

غدا؛ الانقلاب جار على قدم وساق فماذا ينتج..

.../ يتبع

المصدر: موقع إضاءات الإخباري