كتب الأستاذ حليم خاتون:
مقالات
كتب الأستاذ حليم خاتون: " المملكة السعودية العظمى"
23 أيار 2023 , 23:36 م

كتب الأستاذ حليم خاتون: 

من منا لم يسمع بدولة بريطانيا العظمى؟

هل بريطانيا دولة عظمى فعلاً؟

صحيح أن بريطانيا لا تزال بين الدول الكبرى في ميزان الأمم المتحدة...

لكن شمس الإمبراطورية قد أفل فعلاً، ولم يبق من العظمة إلا الاسم فقط...

منذ بضعة عشرات من السنين، احتلت مملكة آل سعود دوراً ما في الشرق الأوسط...

بالنسبة للأميركيين، لم تكن المملكة أكثر من بئر بترول انتقلت السيطرة عليه من بريطانيا إلى أميركا...

لم يكن السعوديون أكثر من مجرد وكيل محلي لسيطرة البريطانيين أو الأميركيين على مقدرات المنطقة...

من بين كل ملوك السعودية، لا يعرف العرب إلا إسم مؤسس الدولة السعودية (الثانية)، عبد العزيز بن سعود، والملك فيصل بن عبد العزيز...

الأول، عرفه الناس لأنه مؤسس الدولة؛ والثاني لأنه أحد أهم رجال الدولة في منطقتنا العربية...

لولا الخلاف مع جمال عبد الناصر المعادي للأنظمة الملكية، لكان الملك فيصل لعب دورا عروبيا واسلاميا أكبر بكثير مما فعله بعد نكسة حزيران ٦٧، وصولا إلى قطع إمدادات النفط عن الغرب بسبب وقوف هذا الغرب مع عدوان وعنصرية اسرائيل تجاه العرب بالإجمال، وتجاه الشعب الفلسطيني خصوصاً...

قد يلام الملك فيصل في أمر أو أكثر، لكن العدل يستوجب إنصاف الرجل الذي اغتالته المخابرات المركزية الأميركية لأنه أصر على عودة القدس، وعلى الصلاة في المسجد الأقصى خلال قليل من السنين...

خافت اميركا من يقظة الملك فيصل، وخافت أكثر من الثقة بالذات التي كسبها الرجل بعد سيطرة السعوديين على مقدراتهم، والثقة الشعبية العربية التي كسبتها المملكة بعد حرب تشرين ٧٣...

حتى تاريخ قريب، عودنا السعوديون أن يلعبوا دوما دور الرجل التابع للإمبريالية الأميركية...

تميز الكثير من قادة المملكة بالعمل الوثيق مع الأميركيين...

وصل الأمر مع الامير بندر بن سلطان، أن جند السعوديون كل الإرهاب الإسلامي الوهابي "القاعدي" في خدمة الأميركيين ضد السوفيات في افغانستان، ثم ضد الإيرانيين، وبالأخص ضد حركات التحرير والتحرر في العالم عموماً، وضد فلسطين خصوصاً...

لمن لم يعرف بعد، فقد تم الكشف بالوثائق على تورط بندر بن سلطان مع المخابرات المركزية الأمريكية في تفجير بئر العبد الذي استهدف آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله والذي ذهب ضحيته مئات الشهداء والجرحى في الثمانينيات من القرن الماضي...

وصل الأمر مع دونالد ترامب أن يستهزئ بالملك الحالي سلمان بن عبد العزيز بسبب كبر سنه، والتعامل بفوقية مع ولي العهد الحالي محمد بن سلمان...

"لا تكرهوا امرا، عساه يكون خيراً"...

حتى السيد نصرالله، خصم السعودية، عبّر عن الامتعاض من هذا السلوك الأميركي المشين بحق ملك عربي، ورفض أن يعامل خادم الحرمين الشريفين بهذا الشكل المهين...

هل تمسكن الامير الشاب، حتى تمكن؟

ربما...

هل يتبين لمن يتابع مسيرة ولي العهد، محمد بن سلمان، أن الرجل فعلاً من طينة أخرى؟

وحده الزمن، يمكن أن يكشف لنا من سوف يستلم عرش أهم وأكبر الممالك في شبه الجزيرة العربية...

من بين كل الأمراء والملوك العرب، يمكن القول إن محمد بن سلمان أكثر هؤلاء وعيا لما في يده من عوامل تجعل من السعودية المرشح الأول للعب الدور المفقود عربياً في الشرق الأوسط...

عملت أميركا كل ما في وسعها كي يبقى العرب خارج معادلة هذا الشرق الأوسط الكبير...

فرض الأتراك والإيرانيون نفسيهما في زعامة الإقليم مع تزكية أميركية لإسرائيل كي تكون الضلع الثالث الاساسي في مثلث السيطرة على هذا الشرق...

رغم أن عدد كل من الإيرانيين والأتراك لا يصل إلى تسعين مليون نسمة وأن عدد الصهاينة بالكاد يصل إلى سبعة ملايين بينما يكاد عدد العرب في العالم العربي وحده يصل إلى ٥٠٠ مليون، عمل الاميركيون على محو إمكانية بزوغ أية قوة عربية تنافس على قيادة منطقة يشكل العرب أغلبية سكانها...

لقد جرب الأمير لعب دور بيسمارك الألماني أو غاريبالدي الإيطالي في اليمن...

كانت غلطة الشاطر بألف...

يبدو أن ولي العهد تعلم منها جيداً، وهذا جوهر التقدم الإنساني...

ورث عمن سبقه أكثر من ورطة، وفي أكثر من بلد عربي...

في العراق، في سوريا، في لبنان، في السودان، في الصومال...

كلفت هذه المغامرات السعودية أكثر من تريليون دولار طارت هباء في خدمة المصالح الغربية عموماً، والأميركية تحديداً...

فجأة صحا الأمير (الأحمر)، ووجد أن السعودية بددت الثروات في غير محلها...

يقال إن الهزيمة يتيمة، وإن للإنتصار ألف أب وأم...

هُزِمت استراتيجية التبعية لأميركا، والتعويل على التحالف معها...

اميركا تتعامل مع الأسياد حينما يكونون أسيادا بالفعل...

ماذا لو كانت السعودية استثمرت التريليون دولار في إعمار العالم العربي بدل تدميره؟

لا يطلب أحد من المملكة أن ترمي المال كما كانت ترميه دوماً للفاسدين من حكام الأنظمة العربية...

ماذا لو زرعت السهول، وبنت المصانع والطرقات وسكك الحديد والجسور...؟

انتهت القمة العربية والكل يحاول التغزل بولي العهد محمد بن سلمان أو بالرئيس بشار الأسد... لا يهم...

أنهم حكام ووزراء وإعلاميو الباذنجان...

كل همهم استدرار المال لما هو في غير صالح الأمة...

انتهت القمة بعدة بنود تقترب من لغة الانشاء العربي الفارغ...

في مواجهة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أسست الصين بنك البنى التحتية الذي سارعت كل الدول للمساهمة فيه بما في ذلك الدول الغربية وعلى رأسها رجل أوروبا المريض، بريطانيا...

ألم يكن يجدر بالامير محمد بن سلمان أن يباشر إلى تأسيس البنك العربي للتنمية المستدامة برأسمال ٥٠٠ مليار دولار أو تريليون دولار تملك المملكة فيه ٥١٪ من الأسهم...؟

تربح المملكة من هذا البنك كما تربح البنوك أو على الأقل تستثمر أموال النفط على المدى القصير والمتوسط والبعيد...

بدل رمي المال في سندات أميركية لا يعلم إلا الله إذا كانت سوف تعود يوماً...

بدل رمي المليارات للنظام اللبناني، أو للاحزاب اللبنانية العفنة، أليس من الأجدر الاستثمار في الزراعة في البقاع والشمال والجنوب وحتى في جبل لبنان؟

أليس من الأجدر أن تعيد المملكة تشغيل الزهراني ودير عمار والعمل على تصدير انتاج المصفاتين إلى أوروبا...؟

فيكون نفطها قريبا من السوق الاوروبية، وقادرا على المنافسة أمام نفط الآخرين...

أليس من الأفضل بعث صناعات الأحذية والغذاء والدواء ومزارع سمك وكافيار في طقس ملائم جداً؟

حتى في السياحة، أليس من الأجدر للمملكة بناء الفنادق وشركات نقل للسياحة الشعبية، (low cost)، من أجل السعوديين وأهل الخليج...؟

ما ينطبق على لبنان، ينطبق على سورية وعلى مصر وتونس وغيرهما...

ماذا لو بنت الشركات السعودية في كل البلاد العربية مناطق مثل الوسط التجاري في لبنان شرط أن لا يكون على أملاك منهوبة كما فعلت سوليدير؟

ماذا لو بنت السعودية مدارس وجامعات؟

ثمن كل صاروخ باتريوت يكفي لبناء مشروع تكسب فيه المملكة عشرات أضعاف ما دمرته الطائرات والأسلحة الأميركية... مع فرق بسيط، الباتريوت يجلب الكره والعداء للمملكة، بينما المشاريع تجلب المحبين الذين إذا حاول أي كان مس المملكة بشعرة، سوف يهبون للدفاع عنها...

المليارات التي ذهبت الى ترامب والأميركيين، لم تجلب للمملكة أية حماية...

بينما الاستثمار في الأخوة العربية، كفيل بالدفع بالمملكة أن تكون فعلاً المملكة العربية السعودية العظمى...

في يد المملكة، وفي يد الخليج سلاح اقوى من السلاح النووي...

*أنه سلاح المال والاستثمار في الإنسان العربي من أجل الإنسان العربي...*

هل من يسمع؟

هل من يرى؟

هل من يقرأ؟

بين فارس خشان العميل للغرب، وأبسط فلاح مصري، يوجد فسحة شاسعة من حب الوطن وحب الأمة...

بين سمير جعجع، أو سامي الجميل، وأي مواطن بقاعي أو طرابلسي، يوجد مساحات شاسعة من الحب الحقيقي والإخلاص لقضايا الأمة تحتاج فقط إلى رؤية ليست بعيدة ابدا عن ٢٠٣٠، وحتى عن ٢٠٥٠...

لكي لا تكون القمة فارغة، كونوا أسيادا على مصائركم...

حليم خاتون

المصدر: موقع إضاءات الإخباري