حديث الروح والوجدان لدكتورة سورية من اللاذقية عما يجري لاهلها في غزة
ثقافة
حديث الروح والوجدان لدكتورة سورية من اللاذقية عما يجري لاهلها في غزة
نتالي دليلة
7 تشرين الثاني 2023 , 15:53 م


منذ أيام عديدة و أنا أحاول الهرب ممّا يحدث الآن، ظنّاً منّي أنَّ الهرب سينقذ ما تبقى من روحي التي تآكلت على حافة سرير طفل مريض هنا و هناك

ما يحدث الآن لم يعُد حرباً ولا معركة ولا قتال

ما يحدث هو إبادة للإنسانية و اغتصاب لجذورها القليلة و شحيحة العطاء

ما يحدث الآن هو نهاية و نقطة على السطر

لكلّ أمٍّ لن تعدّ الفطور بعد الآن لأطفالها

لكلِّ طفلٍ لن يذهب بعد الآن إلى المدرسة

لكلّ مدرسة أصبحت خالية من أصوات أصحابها

لأجسادٍ لم يتبقَّ منها سوى بقايا صور بين الركام

و أشلاء مصطفة جنباً إلى جنب

في كفن أبيض مشرَّب بالتراب

و ما تبقى من وجوه غارقة بدمائها حتى الموت

ما يحدث الآن يفوق قدرة العقل البشري على التصوّر

فما كان لروح ضعيفة مثلي سوى أن تحاول تجاهل ما يحدث عبثاً!

أن تأكل و هم يموتون

أن تشرب و هم يموتون

أن تتنزّه و هم يموتون

أن تتجاهل أنّهم يموتون

حتى انزلقت الحياة من بين أصابعي و خسرت نفسي في محاولة البقاء و الاستمرار رغم الظروف!

إنَّ الكبت وسيلة دفاعية مفخخة!

و دائماً ما يقع الإنسان ضحية لمصيدة الابتسامة ظنّاً منه أنّ كل مبتسم سعيد و كلّ عبوس تعيس

لقد فقدنا القدرة على التعايش و التأقلم

فما يحدث الآن، هو نهاية الإنسانية و نقطة على سطور النخوة و الشرف!

سؤال يراودني بعدما تناولت فطوري صباحاً

من سيعدّ الفطور لتلك الأشلاء المتبقية؟

هل يوجد في هذا العالم ملجأ تستطيع فيه نفسي ألا تتصور أشلاءهم؟

و إلى أين سأهرب إن كنتُ أهرب مني؟

من عجزي و صمتي و تخاذلي!

من هويتي العربية الميتة!

من آدميّتي المتحجّرة التي تعلم أنّهم يودعون أطفالهم و أحبابهم بين حدود قماش أبيض جنباً إلى جنب حيث لا قبور تكفي و لا أكفان تكفي!

إلى أين سأهرب إن كنت أهرب

من صوركم

إلى أصواتكم و رائحتكم

التي أصبحت أتنفسها بين شهيق أسمع فيه بكاءكم و زفير أعاين فيه دماءكم

و إلى أين سأهرب

إن كنتُ أهرب من ضميري و عجزي؟

*الإنسانة العاجزة قولاً و فعلاً أمام أشلائهم..

نتالي دليلة

30/10/2023

المصدر: موقع إضاءات الإخباري