كتب الأستاذ حليم الشيخ: ه‍ل أميركا مع حل الدولتين؟
مقالات
كتب الأستاذ حليم الشيخ: ه‍ل أميركا مع حل الدولتين؟
حليم الشيخ
16 كانون الأول 2023 , 10:40 ص

كتب الأستاذ حليم الشيخ: 

وحدهم عملاء العرب أو الاغبياء، مَن لا يزال يعتقد أن الذي يقود حرب الإبادة في غزة اليوم هي إسرائيل وليست أميركا، ومن ورائها حلف الناتو...

وحدهم الاغبياء عند العرب من لا يزال يصدق تلك الرواية الباهتة عن أن المقرر الأساسي في السياسة الأميركية هو اللوبي الصهيوني وحده بمعزل عن مصالح أميركا...

لا احد يستطيع تجاهل أية هوامش في العلاقة بين السيد والتابع... لكن الكلمة الأخيرة في النهاية هي للسيد، وهذا السيد الأميركي هو العدو الفعلي والعملي للأمة العربية عموماً، وللشعب الفلسطيني خصوصاً...

ليس في المسألة قصص حب أو كره للعرب أو اليهود أو غيرهم...

كل القضية تختصر في لغة المصالح...

قد يتبادر إلى بعض الأذهان أن العرب أو الفلسطينيين ممكن أن يكونوا التابع بدل عن إسرائيل وان اميركا قد ترضى بهذا...

لا أميركا غبية، ولا العرب والفلسطينيون محكومون بالغباء الأبدي...

اميركا تعرف أن الفلسطينيين والعرب هم أهل الأرض، بينما اسرائيل هي جسم غريب عن هذه الأرض...

ببساطة، وعلى بلاطة، أميركا والغرب يريدون ضمانة أن يظل العرب إلى الأبد متخلفين، مختلفين وعلى خصام قد يصل حد العداوة، وهذا ضد الطبيعة وضد مصالح أهل المنطقة؛ بينما الأمر مختلف تماما مع إسرائيل...

هذا الكيان ليس فقط غريب؛ بل هو أيضاً عنصري يحمل ثقافة القتل والاستعباد، ولا يستطيع العيش ولا الاستمرار لحظة في الحياة من دون الدعم الغربي...

لذا، اسرائيل هي قاعدة الهجوم المتقدم لاميركا والغرب في الحرص على أن يظل العرب في أيدي أنظمة الموز...

السلطات الأميركية تعرف أن اسرائيل تكلف الخزانة الأميركية أكثر من أربعة مليارات دولار مباشرة، ومليارات أخرى غير مباشرة تذهب سنوياً إلى هذا الكيان...

هذا ثمن كلفة كلب الحراسة في منطقتنا...

بريطانيا وفرنسا تعرفان جيداً أنهما الأساس وراء فكرة تأسيس هذا الكيان، وما هو الدور المنوط به...

صحيح أن هذين البلدين صارا تابعين هما أيضا للسيد الأكبر الأميركي كما في منظومة أي مافيا؛ لكن دور الكيان الغريب في منطقة الشرق الأوسط لا يزال يخدم حلف الناتو بغض النظر عمن يدير هذا الحلف اليوم أو غداً...

ألمانيا تعرف أن أموال الهولوكوست كلها زائداً عشرات المليارات من الهبات التي تذهب الى الكيان هي ضريبة يفرضها حلف الناتو على الألمان، ولا مناص من الدفع سواء إلى الحلف المنتصر على ألمانيا في الحربين العالميتين، أو إلى قاعدة هذا الحلف الأساسية في منطقة الشرق الأوسط...

ما كشفته الوثائق المُفرج عنها وفق قانون مرور الزمن بعد خمسين، وخمسا وسبعين عام يُظهر أن بنية الجيش الصهيوني الأساسية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كانت تعتمد أساساً على الهبات الألمانية بعشرات الطائرات الحربية ومئات الدبابات وحاملات الجند والسفن إلى درجة أن كل سلاح البحرية في الكيان لا يزال إلى اليوم يعتمد بشكل أساسي على القطع والتكنولوجيا الألمانية التي تعطى له مجاناً، أو بأسعار رمزية تقل عن الكلفة إلى حد الهبل، بما في ذلك سفن "ساعر"...

كل هذا جرى مع أديناور في الخمسينيات واستمر مع كل المستشارين الألمان وعلى رأسهم ميركل بطلة منح اسرائيل أسطول غواصات الدولفين القادر على حمل أسلحة نووية، وصولا إلى شولتز، ووزيرة الخارجية، بيبروك التي حولت حزب الخضر في المانيا إلى مطية طيعة لحلف الناتو طمعا في الوصول يوما إلى المستشارية...

المهم،

عودة إلى موضوع الدولتين...

تسرب أيضاً بعد أكثر من خمسين سنة أن الادراة الأميركية التي ساهمت مباشرة في حرب حزيران ٦٧ عبر الرئيس جونسون المتزوج من يهودية صهيونية، والمتهم الأساسي مع بن غوريون في اغتيال جون كينيدي الذي كان يرفض انتشار السلاح النووي؛ تسرب أن هذه الإدارة ارسلت وفدا من كبار الجنرالات الأميركيين لدراسة وتقييم ما حصل في حرب حزيران...؛

كانت توصية هؤلاء الجنرالات الأساسية تقوم على منع أي إعادة للضفة الغربية إلى العرب لأن في هذا خطر محدق على حياة الكيان من منطلق الجغرافيا والمواقع الاستراتيجية...

كل كلام مغاير عن الضفة ورفض اميركا مهاجمة الأردن سنة ٦٧ ليس إلا خزعبلات...

يقول البروفيسور نورمان فينكلشتاين المعادي للصهيونية أن درجة فهمه وإيمانه بدور الأنظمة العربية في نكبات فلسطين وصل إلى درجة أنه رأى في أحلامه الملك حسين يسير في استعراض عسكري ضمن صفوف الجيش الإسرائيلي...

لذلك، فإن أي حديث عن معارضة الأميركيين لإقامة المستوطنات، ومنع الاستيلاء التدريجي على الضفة هو محض هراء...

المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية صار مشروعاً أميركياً منذ أكثر من خمسة عقود...

أميركا لن تمانع ابدا في التطهير العرقي داخل فلسطين، وتهجير من بقي من الفلسطينيين إلى مصر والأردن ولبنان...

وحده سامي الجميل لا يرى أميركا تخترع القاعدة ومن بعدها داعش والنصرة...

أما نديم قطيش...

هذا مال الخليج...

إيران وصلت إلى مرتبة دولة إقليمية عظمى، وعلي المناع في الكويت لا يزال يرى خطر الحوثيين على... "الشرعية"...

إنه الزمن العربي الرديء...

يتبادر إلى الذهن السؤال عن غزة...

يقوم المشروع الأميركي على تهويد الضفة التي تزيد مساحتها على أكثر من خمسة آلاف كلم مربع مع كثافة سكانية معقولة ممكن تدجينها كما حصل مع سلطة رام الله ومحمد دحلان...

أما غزة، فقد تم الاستيلاء قبل الإنسحاب على حوالي ربع مساحتها ولم يبق منها سوى حوالي ٣٥٠ كلم مربع مع كثافة سكانية ضخمة تكاد تعادل العدد السكاني في الضفة...

لذلك، تم تأجيل قضية غزة إلى أن عرف الإحتلال ان بحر القطاع يحتوي على مخزونات هائلة من الطاقة، فقرر العودة إلى استعجال مشروع تهجير الجميع إلى سيناء...

قد يكون التخلص من حسني مبارك عبر ثورة ملونة هو بسبب رفض الاخير مشروع التهجير واعطاء الفلسطينيين وطنا بديلاً في سيناء، خاصة عندما يتبين أن وائل غنيم، أحد قادة الثورة الملونة في مصر، هو أحد عملاء الموساد في مصر وفق اللوائح المسربة من سيطرة حماس على مركز الفرقة ٨٢٠٠ الذي يدير عمليات المخابرات الصهيونية في المنطقة...

المعلوم أن حسني مبارك، وقبله انور السادات، على كل السوء الذي هما عليه، لم يقبلوا بما جري العمل عليه مع محمد مرسي، وما يجري العمل عليه مع عبد الفتاح السيسي منذ ظهور صفقة القرن مع ترامب...

رغم الكثير من النقد وقول ما يجوز، وما لا يجوز... لا يمكن، ولا بأي شكل من الأشكال، إقامة أية مقارنة بين ياسر عرفات ومحمود عباس الذي يرأس سلطة صارت تابعة إلى حد كبير إلى جهاز أمن الإحتلال...

محمود عباس هو اسوأ نموذج عن "Pocohantus" الفلسطيني...

كل هم محمود عباس هو الحفاظ على الوجود الفلسطيني ولو في قيود وسلاسل الإحتلال...

ما رفضه ياسر عرفات من تبعية كاملة للاحتلال، يوافق عليه محمود عباس فعلا عبر الخضوع الكامل لرجال اميركا داخل منظمة التحرير بعد قتل قيادات، واعتقال قيادات أخرى لا تزال في السجون منذ اجتياح الضفة، وحصار ابو عمار في المقاطعة...

إدانة أوسلو، وإدانة قبول ابو عمار وضع الهزيمة بعد اليأس من النظام الرسمي العربي، والخضوع لإملاءات الغرب بالتخلي عن الكثير من الصلاحيات لمحمود عباس... يظهر بما لا يدع مجالا للشك أن هناك مخططا عربياً له أنظمة ودول تابعة، وله رجال داخل السلطة الفلسطينية، وحتى خارجها، يعملون جميعا على تمرير المخطط الأميركي...

يقول كل هؤلاء وفق تحليلات تخرج على الشاشات أن هناك تباين نشأ خلال هذه الحرب بين أميركا وإسرائيل...

هدف اسرائيل هو الذهاب في هذه الحرب حتى القضاء النهائي على أية حيثية فلسطينية لا تزيد عن بلدية هنا او بلدية هناك ضمن حدود دولة يهودية بالدستور والشريعة...

بينما صار هدف اميركا هو الوصول إلى حل الدولتين...

من أجل دحض هذه المقولة عن المشروع الأميركي، يكفي العودة إلى تصريح رجل اميركا في ما يسمى زورا التيار المعتدل في الكيان...

يقول ليبيد بالحرف، إن إقامة دولة فلسطينية ممكن فقط في المريخ...

لكن هل يعني ذلك أن "انتفاضة" بايدن على نتنياهو كاذبة؟

نعم، ولا...

اميركا التي قررت وفق جنرالاتها الذين زاروا الأراضي المحتلة بعد حرب ال ٦٧ عدم جواز إعادة الضفة إلى العرب وبالتالي استحالة إقامة دولة فلسطينية؛ اميركا هذه، قد تجد نفسها يوما مضطرة لإقامة نوع من دولة كما وضع "سويتو" داخل نظام جنوب أفريقيا قبل سقوط

الابارتهايد...

تكون هذه في حالة واحدة فقط... وصول الأمور في فلسطين إلى مستوى التهديد الوجودي للكيان المؤقت...

هل وصلنا الى هذا الحد في السابع من أكتوبر؟

ما حصل في غزة أثبت أن الشعب الفلسطيني وصل، وربما تخطى حتى مستوى التصميم الذي ساد في فيتنام...

صحيح أن الأكثرية من الشعب الفلسطيني لا تزال على هامش الكفاح المسلح؛ لكن الصحيح أيضاً، أن كل طفل أو شاب في غزة أو حتى الضفة، صار مشروع مقاوم جديد ينتظر التجنيد...

أظهر الشعب الفلسطيني في غزة أنه تعلم من كل التجارب السابقة...

أهم ما تعلمه الشعب الفلسطيني هو عدم انتظار الدبس من طيز النمس في النظام الرسمي العربي...

تعلم الفلسطيني أن يتكلم على نفسه أولا وأخيراً...

حتى ضخ الماء في الأنفاق لم يعد يجدي الكيان نفعاً...

فهذا ما فعلته مصر سنة ٢٠١٤ يوم أغرق النظام الأنفاق بين سيناء والقطاع بأمر من الأميركيين...

لقد تعلم الفلسطينيون...

حتى القول إن محور المقاومة في المنطقة تفاجأ بالموقف الأميركي والغربي، ربما فيه بعض المبالغة...

من السذاجة الاعتقاد بأن هذا المحور لن يطور تدخله إلى مستويات أعلى مع كل يوم يمضي في هذه الحرب...

لسنا أكثر ذكاء من قادة المحور لنعرف أن غزة محاصرة وان مخزون الذخائر والصواريخ ومواد التصنيع قد ينفذ كما ينفذ الاكل والشرب والاستشفاء والحياة الطبيعية عند الغزيين وفي الضفة...

يفرض المحور على الكيان نوع من الحصار عن طريق الحوثيين؛ كما يفرض نزوح مئات آلاف المستوطنين من الشمال تماما كما مع الجنوب من فلسطين المحتلة...

صحيح أن خسائر المليارات قد لا يهم الكيان لأنه يعرف أن أميركا والغرب سوف يعوضون كل شيء؛ لكنه يعرف أن البئر الغربي قابل أيضا للنضوب، وقد بدأت تباشير هذا تظهر في أوكرانيا...

إذا، ما يريده بايدن اليوم هو التقاط أنفاس وإعادة تخدير الفلسطينيين والعرب على حلم الدولتين الذي لا تريده اميركا...

يرمي الأميركيين عظمة الدولتين، وكل الهدف هو الوصول إلى زرع وهم في الشعب الفلسطيني كي يكبح جماح الثورة التي تجتاح كل الطبقات اليوم في هذا الشعب...

كما يريد سحب فتيل تطور موقف المحور ومنعه من التصعيد إلى درجة الحرب الشاملة...

هل ينجح بايدن في هذا؟

الأمر لا يتعلق فقط بالكيان، الذي والحمدلله يبدو أنه يسير في اتجاه الرفض مما يفرض على محور المقاومة الاتجاه أكثر نحو التصعيد سواء اعجب هذا الأمر الوزير وئام وهاب ام لم يعجبه...

الأمر، كما أسلفنا، يعتمد أيضا على الشعب الفلسطيني وعلى قدرته على مزيد من المعجزات...

نعم، في غزة يموت الأطفال...

نعم قد تولول بعض النسوة...

قد يبكي بعض الرجال...

لكن غزة قامت...

ومن يقوم له الإمامة على الأمة...

كما الحاجّة كاملة فرحات في تموز ٢٠٠٦...

ها هي أم صابر الفلسطينية تقول لولدها الشهيد في طفولته إنها أسمته صابر لأن النصر آت...

النصر صبر ساعة...

وما رميت إذ رميت، إنما الله رمى...

بعد السابع من أكتوبر...

تغير العالم...

غزة تغير مسرى التاريخ حتى لو سقط الملايين...

فلسطين راجعة، وفستان عرسها دماء سوف تنتصر على السيف رغم مخارز الردة العربية...


المصدر: موقع إضاءات الإخباري