أغلقت موسكو باب الترشح للإنتخابات الرئاسية الروسية بتاريخ 12/ شباط الجاري، وهي المزمع عقدها بتاريخ 17/ أذار المقبل ولمدة عشرة أيام لتغطية مساحة روسيا الاتحادية، الأكبر في العالم، أكثر من 18 مليون كيلومترا مربعا، والحجم الديمغرافي الروسي البالغ حوالي 150 مليون نسمة. وتم الاعلان عن قبول ترشح الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين المحتاجة روسيا له، ولدوره في التصدي للتحديات الداخلية والخارجية، خاصة بعد توجه العاصمة الأوكرانية " كييف " وعواصم الغرب بقيادة " واشنطن " لإستمرار ما يسمى بالحرب الأوكرانية تضليلاً، والتي هي بمساعدة (الناتو) بصورة غير مباشرة وترتقي لأن تكون مباشرة ومبالغ فيها، وكان بالإمكان استبدالها بالسلام عبر طاولة مفاوضات الحلول الوسطية الممكنة، وكانت الفرصة متاحة بوساطة تركية، لكن سياسة الحرب الباردة وسباق التسلح لازالت غالبة على عقلية الغرب . وروسيا الداخل محتاجة لإصلاحات كبيرة تشمل مدنها من الدرجة الثالثة خاصة وسلسلة قراها، ورواتب العاملين في القطاع العام والتقاعد .
وفي الوقت الذي يترشح فيه بوتين للمرة الخامسة منذ عام 2000 بعد تركه جولة رئاسية لدميتري ميدفيديف عام 2008 انصياعا للدستور، ترشح الى جانبه فلاديسلاف دافانكوف نائب رئيس مجلس الدوما، ونيكولاي خارتينوف عن الحزب الشيوعي، وليونيد سلوتسكي زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي. وتم حجب اسم المعارض للحرب الأوكرانية بوريس ناديجدين لورود أخطاء في تواقيع ملفه الانتخابي بنسبة 15% .
وبطبيعة الحال لم يتمكن المعارض في مجال الفساد اليكسي نافالني الذي يقبع في السجن 19 عاما من الترشح، والمعروف أن المرشح للإنتخابات احتاج لجمع مائة الف توقيع لقبوله وسط حلبة الانتخابات، ولا فرصة حقيقية للمعارضة الروسية سواء كانت الشيوعية اليسارية منها وهي الموالية ذات الوقت، ولا أي من الأسماء الأخرى مثل ناديجدين أو نافالني في الوصول لكرسي "قصر الكرملين"، والرئيس بوتين مرشح مستقل، ويسانده حزب روسيا الحاكم، وسيبقى في السلطة حتى عام 2036 ما دامت صحته تسمح بذلك، وروسيا العظمى محتاجة اليه فعلا .
وبالمناسبة يعتبر الرئيس بوتين بأن الحرب الأوكرانية ومع ( الناتو ) بالوكالة بأنها فرضت على بلاده ولم تختارها، وتتصدى لها وتريد الخلاص منها اذا ما رفع الغرب الأمريكي وخاصة أمريكا يدها عنها، وفي هذه الحالة يتساوى مع من يعارض الحرب، ويلتقي جميع المرشحين على أهمية نهوض روسيا وازدهارها، وهي التي قبلت التحدي، وتجذف صوب عالم متعدد الاقطاب يلغي تغول آحادية القطب .
وتقود روسيا الى جانب ايران وبوضوح قطب المقاومة في العالم المناهض لقطب اسناد الاحتلال الإسرائيلي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية . وتحتل روسيا اليوم المكانة رقم 1 في اقتصاد آسيا، وتحتل الصين رقم 1 على مستوى الاقتصاد العالمي، وتحتل روسيا من جديد رقم 1 على مستوى السلاح غير التقليدي فوق النووي، وسلاحها التقليدي حديث لا يقل أهمية عن الغربي الأمريكي، وفي تجارة السلاح عالميا تتبوء روسيا المكانة الثانية بعد أمريكا، وتجدد روسيا سلاحها بإستمرار كل عشر سنوات .
من يزور العاصمة موسكو، ومدينة سانت بيتر بورغ عاصمة روسيا التاريخية، وروستوف عاصمة روسيا الثالثة، ومدينة سوتشي البحرية، والقرم بعد تحديثه سيرى روسيا متطورة وتمتاز ببنية تحتية قوية، لكن مدن الدرجة الثالثة لازالت محتاجة للإهتمام بتعبيد شوارعها الداخلية لتنسجم مع حركة العمران الحديثة الملاحظة، والسياحة الروسية الداخلية محتاجة لمزيد من الاهتمام لتتوازن مع السياحة الخارجية عبر تقوية بنيتها التحتية، وروسيا مشكورة اليوم لفتحها أبواب المنح الدراسية في جامعاتها لكل العالم وشعوبه الفقيرة خاصة .
وتنشر روسيا في العالم المحطات النووية السلمية المفيدة للبشرية، والتكنولوجيا الحديثة، وتفتح أبواب التبادل التجاري على مصراعيه مع العالم، وامتداد واسع لمراكزها الثقافية، وللغة الروسية التي ترعاها مؤسسة صندوق "روسكي مير " .
لقد فشل الغرب الأمريكي في تخويف العالم من روسيا، وهاهو ترمب يرعب دول الناتو من روسيا ان لم تسدد اشتراكاتها المالية، وهو الممكن تسميته كما ورد في عنوان كتابي الثاني في شأن السياسية الروسية والدولية – الرّهاب الروسي غير المبرر – وهو فعلا رهاب ويريدونه أن يتحول الى إرهاب. وهاهي روسيا تتصدى ببسالة لحرب الغرب عليها عبر البوابة الاوكرانية - الغربية، وتحقق انتصارا مشهودا يصعب تزويره . وتحقق نصرا أكبر بتشكيل عالم متعدد الاقطاب قادر على مواجهة آحادية القطب المتغولة على العالم واقتصاده، ويفشل الغرب خاصة أمريكا بفصل روسيا عن الصين، وسياسة الصين الخارجية مسالمة غير عدوانية تماما كما وصفها الرئيس بوتين على هامش مقابلة أجراها معه الصحفي الأمريكي كارلسون مؤخرا. وعلاقة روسيا بإيران والهند قوية أيضا، ومعا يشكلان قطبا واحدا مناهضا للغطرسة الأمريكية ومحاولة الهيمنة على اركان العالم .
في عهد الرئيس بوتين تم تعديل الدستور الروسي لتصبح الفترة الرئاسية ليس أربع سنوات وانما ست سنوات لضمانة بقائه في السلطة خدمة لروسيا الاتحادية الناهضة، ومسألة تصفير الدستور لم تعد واردة بمعناها الحرفي، أي استمرار ترشح بوتين من دون الحاجة لدور رئاسي لدميتري ميدفيديف، ولكن عبر انتخابات مباشرة تمثلها صناديق الاقتراع . والروس الذين أعرفهم من الداخل يحبون رئيسهم بوتين، ومن ينتقده بسبب الحرب الأوكرانية يعرف لاحقا بأنه غير محق خاصة طبقة الفنانين غير العارفين بالسياسة، وشؤون روسيا الداخلية المنتقدة وسط معارضيه شعبيا ومن عامة الناس لا يتحملها بوتين لوحده، ففي الدولة الروسية رئيس وزراء ومحافظين ورؤساء بلديات، وكل ما في الأمر منحهم الصلاحيات اللازمة والمال العام لمواصلة البناء، وهو أمر ليس صعبا على دولة عظمى مثل روسيا تملك المال الوفير بسبب ما تملكه من مصادر طبيعية وتبادلات تجارية مليارية دولارية مع دول العالم .
ولقد تضررت دول العالم، ومنها بلدي الأردن من ضغوطات آحادية القطب، خاصة بعد اندلاع عملية "الحرب الأوكرانية"، عندما تم الغاء نظام "سويفت " المالي المصرفي، وعندما تم توقيف الطيران المباشر مع روسيا، وعندما تم اعاقة سير أعمال البريد ومنه السريع في زمن تستمر فيه احتفالات المناسبات الروسية التاريخية والوطنية، وكأن شيئا لم يحدث، والأمور سمن وعسل، والمنح الدراسية الروسية مستمرة، وتحولت نصف مؤتمرات الأونلاين بسبب كورونا الى مباشرة .
وفي الختام لكل دولة في العالم طريقتها في تطبيق الديمقراطية ،ومنها روسيا الاتحادية صديقة العرب والعديد من دول العالم شرقا وجنوبا، والباب الروسي لازال مواربا أمام دول الغرب لتعود الى صوابها وتتعاون مع روسيا وتساهم في التنمية الشاملة الخادمة للبشرية جمعاء ..