أين العبقرية الأميركية ؟ نبيه البرجي
مقالات
أين العبقرية الأميركية ؟ نبيه البرجي
27 حزيران 2019 , 07:10 ص
 
   لا يساورنا الشك في أن لايران تطلعاتها الجيوسياسية , والجيوستراتيجية , في المنطقة , وفي أن هناك بين أهل النظام من هو مصاب بلوثة التاريخ (وبهيستيريا التاريخ)
 
   لا يساورنا الشك في أن لايران تطلعاتها الجيوسياسية , والجيوستراتيجية , في المنطقة , وفي أن هناك بين أهل النظام من هو مصاب بلوثة التاريخ (وبهيستيريا التاريخ) . قناعتنا أن من المستحيل على هذا القرن , بالثقافات المركبة , وبالعلاقات المركبة , أن يستوعب نظاماً يقوم على التعليب الايديولوجي , وعلى التعليب اللاهوتي .
   حين نكتب عن ايران , من زاوية التعاطف , أو التفهم , نكون على ثقة بأن ما من مشروع في المنطقة سوى المشروع الأميركي (الذي يتماهى مع المشروع الاسرائيلي). المشاريع الأخرى آنية , ومتعثرة , بل ومستحيلة .
   ما يحكى عن السيطرة الايرانية على أربع دول عربية , وهو ما ردده , بكل ذلك النزق , مسؤولون ايرانيون , لا يعدو كونه تظاهرة دونكيشوتية للتأجيج السياسي , وللتأجيج المذهبي .
   لا مكان استثنائياً لايران , لا في وجداننا التاريخي , ولا في وجداننا الثقافي , ولن يكون لها من وجود على أرضنا الا في اطار التعاون التكتيكي , أو التعاون الاستراتيجي .
   هذا تعليقاً على حديث مفكر اسلامي تحوّل , بين ليلة وضحاها , الى داعية لدونالد ترامب , بل والى داعية لبنيامين نتنياهو , حول "العلاقات العمياء" , أو "التبعية العمياء" لايران . 
   كلبنانيين , نوضح أن ايران هي من آزرتنا في ازالة الاحتلال من أرضنا حين كان العرب يمسكون , ويتمسكون, بتلك المبادرة البالية التي ماتت على أبواب فندق فينيسيا في بيروت عام 2003 . هل يمكن للاسرائيليين الذين لا يفهمون الا بلغة القوة أن يفهموا بلغة القفازات الحريرية ؟
   ايران هي التي وقفت الى جانب الدولة (ولا نقول النظام) في سوريا . لنتصور أن البرابرة استولوا على السلطة هناك. هل كان يمكن لأي لبناني , الى أي طائفة انتمى , أن يبقى في مكانه ؟ المثال رأيناه في الرقة , وفي الموصل , بل على كل أرض وطأها أبو بكر البغدادي .
   استخبارات البنتاغون (ديفيد شيلد) هي من تحدثت عن أكثر من 1200 فصيل , أكثرها ينتمي الى تلك الثقافات الآتية , للتو , من أقاصي جهنم . أن تتحول سوريا , وأن يتحول لبنان , الى ... جهنم !
   هوذا جانب من الصورة . الجانب الآخر هو دونالد ترامب. الخوف ليس على ايران . الخوف من أي انفجار يحوًل المنطقة الى حطام .
   لا أحد منا ضد العبقرية الأميركية . كل ثقافات الدنيا , وكل اتنيات الدنيا , تتفاعل على تلك الأرض التي انتجت أسلوب حياة , بل فلسفة حياة . هذا ما لم تتوصل اليه أي أمبراطورية أخرى في التاريخ .
   أندريه مالرو , فيلسوف "الوضع الانساني" , وكان وزير الثقافة في عهد شارل ديغول , تساءل عن السبب الذي يجعل أمبرطورية خلاقة , وكان لها أن تجتذب كل العالم بالقيم التي تقدس الحياة , على انتهاج سياسات مجنونة حيال ما تبقى من الكرة الأرضية .
   أكثر من أن يكون مجنوناً ذلك الرجل الذي يجثم في البيت الأبيض . استغرابنا الكبير يبقى قي كيفية تعاطي غالبية الأنظمة العربية مع من قال , بالفم الملآن , أنه لا يرى فينا
مخلوقات بشرية , بل أكياساً من المال , وتنتظر ذلك الشايلوك (كما في رائعة شكسبير "تاجر البندقية" ) الذي لا ينفك يقتطع من لحمنا .  
   قال ان ما يعنيه في الشرق الأوسط حماية اسرائيل التي أعطاها كل شيء من أرض العرب , ومن مقدسات العرب , وكذلك حماية السعودية لأنها (فقط) أبرمت عقوداً للسلاح بقيمة 400 مليار دولار . لا سبب آخر لحماية المملكة . حمايتها ممن ؟
   في المسار الفولكلوري (أو الكاريكاتوري) اياه , لاعدو عنده سوى ايران . الحيوان الخرافي الذي لا يهدد الأمن الاستراتيجي للمنطقة فحسب , وانما الأمن الاستراتيجي العالمي . انها الخديعة الكبرى , الكوميديا الكبرى , لاستنزاف ما تبقى في صناديق العرب , وفي ... قبور (وصدور) العرب .
   في مؤتمر المنامة , رأينا كيف يتعامل البيت الأبيض مع القضية الفلسطينية . الكاوبوي العزيز لا توجد في رأسه سوى القطع الذهبية . اذا ما تسنى لكم أن تشاهدوا أفلام الغرب الأميركي . الشراهة الهائلة للمال . القتل من أجل المال .
   الايرانيون ليسوا العرب . عن عمد , وبأعصاب باردة , دمروا الطائرة الأميركية . ترامب , وبتلك اللغة اللولبية , أثنى عليهم لأنهم لم يسقطوا الطائرة الثانية المأهولة . عرض أن يجعل من ايران دولة عظمى اذا ما دخلت في الملكوت الأميركي . لماذا لا يقال مثل هذا الكلام لأي دولة عربية ؟
   الغرابة حين يقول أن آراء بعض مستشاريه الأمنيين أثارت لديه التقزز . حتماً , كان يقصد جون بولتون الذي ابلغ الرفاق في الشرق الأوسط أن آيات الله الى غوانتنامو في غضون ساعات .
   زيارة مايك بومبيو للرياض لم تكن دافئة . سألوه عن تعهدات , وعنتريات , دونالد ترامب الذي بدا , في لحظة ما, كما لو أنه يتقهقر أمام الايرانيين لادراكه ما هي التداعيات الكارثية للحرب . 
   ترامب سأل "لماذا نحمي , من سنوات , الملاحة لدول أخرى في مضيق هرمز ؟" . بومبيو أعلن من الرياض أن البحث تناول حماية الملاحة في المضيق . من هو المايسترو في واشنطن , وأي نوع من الأوركسترا يقود الرجل ؟
   الكرة الأرضية كلها تعاني من الغثيان . انحنى أمام كيم جونغ ـ أون , وها هو ينحني أمام آية الله خامنئي . التهريج بلغ ذروته مع فرض عقوبات على مرشد الجمهورية . نعلم أن المقصود المؤسسة الدينية . ولكن ألم يسخر المعلقون الأميركيون وهم يسألون ما اذا "كنا سنحول دون خامنئي وقضاء الصيف في منتجعات ميامي , أو ما اذا كنا سنمنعه من ارتداء سراويل الجينز ؟ " . 
   كاليغولا حين يغرد . الوجه الأكثر بشاعة لأميركا . توماس فريدمان سأل عن العبقرية الأميركية في عهد دونالد ترامب . عبقرية الجنون ...
المصدر: