كتب الأستاذ نضال بركات:
مع اقتراب حرب الإبادة التي تشنها “إسرائيل” على قطاع غزة من دخول شهرها العاشر، حذرت الولايات المتحدة أكبر حلفاء “إسرائيل” من خطر نشوب حرب مدمرة مع حزب الله الذي فرض معادلة الردع وبقوة في الميدان, وما عادت به مسيرة الهدهد يؤكد هذه الحقيقة, وما زاد من قلقهم تهديدات السيد حسن نصر الله بأن المقاومة ستقاتل بقوة إذا فرضت الحرب عليها وبلا ضوابط وبلا قواعد وبلا سقف, وهذا ما يعرفه جيداً العدو الإسرائيلي الذي فهم الرسالة حتى الولايات المتحدة تعرف جيداً قدرة المقاومة على خوض المعركة التي يسعى لها نتنياهو بغطاء أمريكي, إلا أن الإدارة الأمريكية التي هي على خلاف مع نتنياهو تخشى هذه الحرب, وهي عاجزة عن حماية “إسرائيل”, وبالتالي تسعى للتهدئة رغم أنها تعرف جيداً بأن عودة التهدئة إلى الجنوب اللبناني ترتبط أولاً وأخيراً بوقف النار في غزة, وهو ما يرفضه نتنياهو ويؤكد بأنه لن يوقف النار إلا بالقضاء على المقاومة, لهذا تواصل ضغوطها على “إسرائيل” لعدم شن الحرب على لبنان لخشيتها من توسع المعركة لتشمل جميع جبهات الإسناد, ورغم أن واشنطن تسعى لخفض التوتر، إلا أن جهودها التي تُبذل في خضمّ خلافات بين إدارتي بايدن ونتنياهو قد تفاقم التوترات بينهما. وقال رافائيل كوهين، خبير العلوم السياسية في مؤسسة راند للأبحاث إنّ “هناك قلقاً متزايداً لدى إدارة بايدن من أنّ العنف المتبادل على طول الحدود مع لبنان قد يتصاعد إلى حرب شاملة”.
وأوضح أنّ “المخاطر كبيرة لسببين. الأول: ستكون حرباً إسرائيلية- لبنانية جديدة مدمّرة بشدّة لكلا الجانبين، والثاني: تنطوي الحرب بين “إسرائيل” وحزب الله على خطر أكبر قد يحوّلها إلى حرب إقليمية مقارنة بالحرب الدائرة في غزة إلى الآن , وهذا ما حذرت منه طهران خلال اجتماع عقد في سلطنة عمان لمبعوثين أمريكي وإيراني أكدت خلاله طهران بأنها أبلغت واشنطن أنها لن تقف مكتوفة اليدين ولن تسمح بالاستفراد بحزب الله، وسيكون لها الرد المناسب في الميدان وستفتح جميع الجبهات, وهو ما أقلق الولايات المتحدة التي تحركت بسرعة لإيجاد حل دبلوماسي فزادت من ضغوطها على “إسرائيل” من خلال التواصل مع قادة الكيان خاصة مع وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت الذي أجرى مباحثات خلال زيارته لواشنطن شملت كبار المسؤولين في مقدمتهم, نظيره الأميركي لويد أوستن, الذي حذر من أن نزاعاً جديداً بين إسرائيل و«حزب الله» من شأنه أن يُشعل حرباً إقليمية مع عواقب وخيمة على الشرق الأوسط بأسره، داعياً إلى حلّ دبلوماسي وهو أفضل وسيلة لمنع مزيد من التصعيد, وهذا ما أقدمت عليه واشنطن من خلال إيفاد مستشار الرئيس جو بايدن لشؤون الطاقة أموس هوكستين إلى باريس استكمالاً لتحركها باتجاه تل أبيب، من أجل إشراك فرنسا في جهود التهدئة خاصة وأن فرنسا هي الأقدر على التواصل مع طهران، الذي لم ينقطع أبداً، لعلها تسهم في خفض منسوب التوتر في جنوب لبنان بحكم تحالفها الاستراتيجي مع المقاومة اللبنانية, وفق ما ذكرته “صحيفة الشرق الأوسط”.
صحيح أن الولايات المتحدة تواصل مساعيها لعدم وقوع هذه الحرب, لكن التوتر يزداد يوماً بعد يوم في صفوف الإسرائيليين الذي لم يكن منذ تأسيس هذه الكيان قبل ستة وسبعين عاماً, ووسائل الإعلام الإسرائيلية تشير إلى ذلك يومياً من أنه إذا وقعت المعركة مع حزب الله فستواجه “إسرائيل” تحديات غير مسبوقة ومعقدة في “الجيش” والمجتمع والعلاقات الخارجية والاقتصاد, ولن يكون الجيش في قوته بعد ما يقارب التسعة أشهر من الحرب في غزة, فما بالكم إذا اندلعت الحرب مع حزب الله فإن الجبهة الداخلية في إسرائيل ستتعرض لضربات وتهديد لم تواجهه اسرائيل من قبل.
صحيح أن واشنطن الداعم الأساسي للكيان تتحمل عبء ما قامت به “إسرائيل” من مجازر مروعة حركت الرأي العام العالمي, فبات من الضروري التحرك لإنهاء الحرب خاصة وأنها تعرف أن جميع فصائل المقاومة في القطاع ما زالت تواصل القتال ضد إسرائيل التي لم تستطع القضاء على المقاومة ولم تستطيع الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين فبات من الضروري إيجاد حل للتفاهم أيضاً ليس مع المقاومة الفلسطينيية وإنما أيضاً مع المقاومة اللبنانية التي تعلم جيداً أن الحرب مع حزب الله ستكون مدمرة أكثر بكثير من الحرب في غزة, وهذا ما أكده العقيد السابق في الاستخبارات الأمريكية والخبير في الشؤون الأمنية في لقاء تلفزيوني فقال: إن “إسرائيل” غير جاهزة للحرب مع المقاومة اللبنانية وجنودها غير مدربين وغير جاهزين وهم لا يتمتعون بالخبرة القتالية كما يتمتع بها رجال المقاومة اللبنانية.. وبالتالي إذا اندلعت المعركة فإنها ستخسر شمال فلسطين وستخسر الجليل والمعركة ستكون في الداخل.. والنتائج ستكون مدمرة على “إسرائيل” وستدمر البنية التحتية والمنشآت المدنية والعسكرية.
إن الأوضاع تتغير كل يوم والمأزق الإسرائيلي كبير جداً وواشنطن تتحرك لمنع الحرب فهل تستطيع؟.. وهل تقبل حكومة نتنياهو وقف الحرب في غزة؟
إذا أصرت حكومة نتنياهو على الاستمرار في حربها على غزة فإن وقفها في جنوب لبنان صعب جداً, ونتنياهو يريد الاستمرار بهذه الحرب حتى موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية على أمل وصول صديقه ترامب إلى البيت الأبيض لإنقاذه من وضعه السيئ لأنه يعرف إذا خرج من الحكومة فمصيره السجن أي أنه يربط كل شيء لمصلحته الشخصية, فهل يمكن لواشنطن أن تفرض رؤيتها على حكومة نتنياهو لإيقاف حرب غزة؟.. من الواضح بأن الفترة اللاحقة ما زالت غامضة فواشنطن تتحرك لإبعاد شبح الحرب والمقاومة اللبنانية تؤكد بأن إيقاف الحرب في غزة هي الأساس لإبعاد شبح الحرب مع المقاومة اللبنانية.