كتبت الأديبة الفلسطينية، أمل أبو عاصي اليازجي، من غزّة اليوم رسالتي الأخيرة اكم
فلسطين
كتبت الأديبة الفلسطينية، أمل أبو عاصي اليازجي، من غزّة اليوم رسالتي الأخيرة اكم
11 تشرين الأول 2024 , 19:06 م


السلام عليكم ورحمة الله.

هذه رسالتي الأخيرة، لورأيت نشرها أكون شاكرة.

لو رحلنا اطووا صفحتنا للأبد،مزقوا فلسـ.طين من كرّاسةِ ذاكرتكم، فليس لكم بها حاجة.
أخبروا أصدقاءكم أنه كان هناك أملٌ، ثُمَّ انطفأ.

واصلوا حياتكم كأنا لم نكن، العبوا، اشربوا، كلوا، تنزهوا، احتفلوا، تزينوا، غنوا، ارقصوا، افعلوا كل شيء.

لكن إياكم أن تنظروا إلى مراياكم، لأنكم لو فعلتم فسترون دماءنا على وجوهكم، وأشلاءنا بأيديكم، وصراخنا في ملامحكم، وأصواتنا دخانًا ينقش خارطة فلسـطين على صدوركم.

حين نرحل؛ مزِّقوا كتب التاريخ، ولا تخبروا أولادكم أنه كان هنا شعبٌ قاوم خمسةً وسبعينَ عامًا، من دونِ أن يفقدَ الأمل، قبل أن يقتُلَهُ الأمل.

حين نرحل؛ أحرقوا الجغرافيا، إياكم أن تخبروا أولادكم أن كان لنا جيران من العرب المسلمين، تعلقت قلوبُهم بِنا حُبًّا، ولم يفهموا أنَّ مِنَ الحُبِّ ما قتل.

لا، لا تخبروهم أن حدودًا وضعها المحتلُّ، وأمَرَكم أن تحرُسُوها، هي من كانتِ المقصلةَ التي قطعتْ رقابَ جيرانكم، والسيفَ الذي غُرِزَ في ظَهْرِ ماردِهم، والحفرةَ التي دُفِنوا فيها.

إيَّاكُم أنْ تخبروهم أنَّكُمُ انشغلتُم بإنجازاتِكُمُ العظيمة، فصنعتم أكبرَ صحنِ تَبّولة في العالم، وأعظمَ طنجرةِ مقلوبة، وأفخمَ منسفٍ باللحم، وألذَّ طَبَقِ كُشَري، وأروعَ موسمٍ فنيٍّ لِلرَّقْصِ والغِناء، بينما كانت إسرائيلُ تُبيدُهُم وَحْدهم.

احتفلوا كثيرًا، فلن يظهرَ عويلٌ ولا بكاءٌ، ولا جرائمُ مُرَوِّعَةٌ على شاشاتِ أطفالِكم تُعْجِزُكم عن الإجابةِ عن أسئلتهم.

نظِّموا حفلَ عشاءٍ كبيراً، ولا تنسوا كاتشاب دمائِنا، ولا فُلفُلَ قَهْرِنا، ولا عصيرَ دُموعِنا،ولا"مونامُور"صُراخِنا.

لقدْ زالَ هَمُّكُمُ الكبيرُ، وإلى الأبد...
إلى الأبد...
المصدر: موقع إضاءات الإخباري