مع التقدم التكنولوجي السريع، واستكشاف الفضاء، والتغيرات البيئية، يعتقد العلماء أن البشر سيخضعون لتحولات جذرية خلال الألف عام القادمة، فبدلاً من الاعتقاد بأن التطور البشري قد وصل إلى نهايته، يرى الباحثون أننا قد نكون في بداية مرحلة جديدة من التطور البشري، حيث ستلعب الهندسة الوراثية والتكيف مع البيئات الجديدة دورا رئيسيا في تغيير ملامحنا وصفاتنا الفسيولوجية.
ملامح بشرية أكثر تناسقا وبشرة داكنة
يتوقع العلماء أن يصبح البشر أكثر تجانسا من حيث المظهر، وذلك بسبب ازدياد التزاوج بين الأعراق المختلفة، مما يقلل من الفروقات الجينية بين الشعوب، ومن المرجح أن يصبح لون البشرة أكثر اعتدالا، شبيها بما هو شائع اليوم في بعض الدول مثل البرازيل وموريشيوس، حيث اندمجت المجموعات العرقية عبر الأجيال.
قصر القامة والنضج المبكر: كيف تؤثر الوراثة على شكل الأجيال القادمة؟
في العصور الماضية، كان تطور الإنسان يعتمد بشكل كبير على معدلات الوفاة قبل الإنجاب، مما كان يؤدي إلى استمرار صفات معينة دون غيرها. لكن مع تحسن الرعاية الصحية وارتفاع متوسط العمر، أصبح للخصوبة الدور الأهم في تشكيل الصفات المستقبلية.
ويشير البروفيسور مارك توماس، عالم الوراثة التطورية في جامعة لندن، إلى أن الأفراد الذين يصلون إلى النضج الجنسي مبكرا قد يكونون أكثر عرضة لإنجاب عدد أكبر من الأطفال، مما قد يؤدي إلى انتشار جينات القامة القصيرة بمرور الوقت. وتستند هذه النظرية إلى دراسات على مجتمعات مثل الأقزام الذين يعيشون في البيئات الاستوائية القاسية، حيث يكون لديهم نضج جنسي مبكر مقارنةً بالمجموعات الأخرى.
زيادة الجاذبية والمظهر المتناسق
مع تطور المجتمعات الحديثة، ازدادت قدرة الأفراد، وخاصة النساء، على اختيار شركائهم بناءً على معايير محددة. ويتوقع العلماء أن تزداد الصفات الجسدية المتناسقة والجاذبية انتشارا، نظرا لأن الأفراد الأكثر جاذبية لديهم فرص أكبر في تكوين العلاقات وإنجاب المزيد من الأبناء.
وفقا للبروفيسور توماس، فإن النساء قد يفضلن الشركاء بناءً على عوامل مثل الذكاء والنجاح والجاذبية الجسدية، مما قد يؤدي إلى انتقال هذه الصفات عبر الأجيال، وبالتالي خلق مظهر بشري أكثر تناسقا وجاذبية مع مرور الوقت.
الهندسة الوراثية ومستقبل التطور البشري
مع التطورات الهائلة في علم الوراثة، مثل تقنية CRISPR-Cas9، أصبح لدى العلماء القدرة على التلاعب بالجينات البشرية، مما قد يفتح الباب أمام إمكانية تصميم البشر مستقبلاً وفقا لمعايير معينة.
وبينما يحذر البعض من المخاطر الأخلاقية لمثل هذه التعديلات، إلا أن العلماء لا يستبعدون ظهور "الأطفال المصممين"، حيث قد تتم إضافة صفات مثل الذكاء الفائق أو القوة البدنية أو مقاومة الأمراض، مما قد يؤدي إلى تحولات كبيرة في الشكل البشري خلال القرون القادمة.
هل سيتقلص حجم الدماغ؟
يتوقع البروفيسور روبرت بروكس، عالم الأحياء التطوري من جامعة نيو ساوث ويلز، أن حجم الدماغ البشري قد يتراجع مع مرور الوقت. ويرجع ذلك إلى اعتماد البشر المتزايد على الذكاء الاصطناعي وأجهزة الكمبيوتر، التي أصبحت تؤدي الكثير من المهام المعقدة نيابةً عنهم.
ويشير العلماء إلى أن هذه الظاهرة شبيهة بما حدث للحيوانات المستأنسة، التي فقدت نسبة كبيرة من كتلة أدمغتها بعد الاعتماد على البشر في البقاء على قيد الحياة.
كيف سيتكيف البشر مع الحياة في الفضاء؟
مع اتجاه البشرية نحو استعمار الفضاء، يتوقع العلماء أن تواجه المستوطنات البشرية في البيئات الفضائية ظروفا مختلفة قد تؤدي إلى تطور البشر بشكل مختلف عن سكان الأرض.
وفقا للدكتور جون هوكس، عالم الأنثروبولوجيا من جامعة ويسكونسن ماديسون، فإن البشر الذين يعيشون لفترات طويلة في الفضاء قد يطورون أذرعا أطول لمساعدتهم على الحركة في بيئات منخفضة الجاذبية، كما قد يزداد طول القامة بسبب غياب الجاذبية الأرضية التي تضغط على العظام.
إضافةً إلى ذلك، فإن انخفاض التعرض لأشعة الشمس قد يؤدي إلى شحوب البشرة، بينما قد تصبح العيون أكبر حجما وأكثر حساسية للضوء، ما يساعد في الرؤية في البيئات المظلمة، مثل الكواكب البعيدة أو محطات الفضاء المظلمة.
التغيرات في الهيكل العظمي واليدين بسبب التكنولوجيا
مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، يتوقع العلماء أن تؤثر العادات اليومية على تكوين الجسم البشري بشكل ملحوظ.
الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات قد يؤدي إلى انحناء العمود الفقري.
الاستخدام المكثف للهواتف المحمولة قد يسبب تغيرات في بنية الأيدي، مثل زيادة انحناء الأصابع أو تغيرات في أوتار اليد نتيجة الوضع المستمر للإمساك بالهاتف.
من الواضح أن التطور البشري لم ينتهِ بعد، بل قد يكون في ذروته، مدفوعا بالتغيرات البيئية، والتكنولوجيا، والسفر إلى الفضاء، وبينما قد نشهد في المستقبل بشرا مختلفين تماما عما نعرفه اليوم، يبقى السؤال الأهم: هل سيكون هذا التطور طبيعيا، أم سيتم التحكم فيه بواسطة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي؟



