الحداثة مسار اجباري للتحرر.
مقالات
الحداثة مسار اجباري للتحرر.
زياد أبو الرجا
2 آذار 2025 , 22:17 م

*- بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وما خلفته من تداعيات سلبية وايجابية على مستوى العالم، وانقسامه الى معسكرين رئيسيين، المعسكر الراسمالي وعلى راسه امريكا الرابح الاكبر باقل الخسائر والمعسكر الاشتراكي وعلى راسه الاتحاد السوفياتي.تشكلت منظومة عدم الانحيز الايجابي وقامت حركات التحرر الوطني.لكن اهم مفاجات نهاية القرن العشرين كانت صعود الاصولية " السلفية" في كل الاديان الرئيسية ومظاهرها الصادمة. اطلقت الاصولية النار على المصلين في المساجد واغتالوا رؤسائهم واسقطوا حكومات قوية.انها اقلية صغيرة من الاصوليين الذين يرتكبون هذه الاعمال الارهابية.الاصوليون ليس لديهم الوقت للديموقراطية،والتعددية،والتسامح الديني، والحفاظ على السلم، وحرية التعبير او فصل الدين عن الدولة.الاصوليون المسيحيون يرفضون الاكتشافات العلمية ويؤمنون ان سفر التكوين صالح علميا في كل تفصيل،وكذلك الاصوليون المسلمين يرون في القران كل تفصيل اذا ما احسنوا تفسير اياته.في الوقت الذي يتخلص فيه الكثير من اغلال الماضي يرى الاصوليون اليهود قانونهم المكشوف بشكل اكثر صراحة من اي وقت مضى.فالاصوليون المسلمين واليهود يفسرون الصراع العربي- الاسرائيلي الذي بدأ اصلا بِتَحَدٍّ علماني وبطريقة دينية محددة.الاصولية ليست حكرا على المُوَحِّدين الرئيسيين، هناك اصولية بوذية، وهندوسية وكونفوشية، التي تُلقي جانبا الكثير من الرُّؤى والثقافة الليبرالية التي تحصَّلَت بعد معاناة مؤلمة.الاصولية التي تقتل وتقاتل باسم الدين وتجاهد وتجتهد لتستحضر المقدس الى عالم السياسة والنضال الوطني.
*- كانت هزيمة العرب في حزيران ١٩٦٧م انتكاسة للمثقفين والمفكرين العرب بوجه عام والقوميين واليساريين بوجه خاص، وتزامن ذلك مع انفتاح النظام الجديد في مصر على الفكر السلفي بهدف ضرب الفكر القومي واليساري اضافة الى انفتاحه الاقتصادي الذي عمق الفقر وزاد من اعداد المحرومين والمستضعفين، وفي هذه الاجواء بدأ الصعود السلفي الذي دأب على اعداد العدة لاستقطاب اعدادهم المتزايدة باطراد.
السلفيون الاسلاميون ينتمون الى نظامين ورثا ثقافتهما من الانقسام المعرفي والثقافي الذي تعود جذوره الى بدايات عصر التدوين والتبويب والتاليف في القرن الثاني للهجرة.عندما قام جعفر الصادق الامام الشيعي الاكبر المتوفي سنة ١٤٨ للهجرة بتدوين الحديث والفقه والتفسير من وجهة نظر الشيعة.ففي عهده تمت صياغة وتنظيم الفكر الشيعي وصياغة قضاياه الاساسية صياغة نظرية.ومن ثم صياغة وتنظيم الفكر السني.خضعت الثقافة العربية الاسلامية لعملية الفصل والتمييز بين (( عقل سنّي)) و (( عقل شيعي )) والامر هنا لا يتعلق بعقيدتين بل بنظامين معرفيين يقران نفس العقيدة القائمة على النص القراني والحديث.
*- ابان الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي وامريكا دارت بينهما حروب بالوكالة جندت امريكا وحلفائها الاقليميين السلفية الجهادية الاسلامية لمحاربة الجيش السوفياتي في افغانستان وهزمته ، ادركت امريكا جدوى الاستثمار في السلفية الجهادية واستثمرت فيها لحروب المستقبل،قامت السلفية الشيعية بالاطاحة بنظام الشاه في ايران الذي كان يشكل قاعدة المثلث الذي ترتكز عليه امريكا في الاقليم( ايران- باكستان -السعودية ).مع تفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط جدار برلين تربعت امريكا على عرش قيادة العالم وصارت القطب الاوحد وشنت الحروب لرسم الجغرافيا السياسية للعالم وعممت الفوضى الخلاقة في الاقليم وجندت لها كل القوى الاصولية الجهادية الارهابية التي فقست من حاضنة الاخوان المسلمين والقادرة على بذل الدم بلا حدود وبلا مردود يعود عليها بل للمشغِّل الامريكي.
طرحت امريكا مشروع الصراع المذهبي ( السني- الشيعي ) وحذرت الانظمة العربية من خطورة ما يسمى الهلال الشيعي على المنطقة.تقدمت السلفية الشيعية لتظهير مصداقيتها بجعل فلسطين والقدس بوصلتها ونجحت بتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني في ايار ٢٠٠٠ واجهضت مشروع الشرق الاوسط الجديد عندما هزمت الجيش الصهيوني في حرب تموز ٢٠٠٦.بالمقابل نجحت السلفية السنية الفلسطينية ممثلة بحماس والجهاد الاسلامي من تحرير غزة وجعلت فلسطين والقدس بوصلتهما.
شكلت المقاومة السلفية الشيعية والسنية نواة للوحدة على ارض المعركة من اجل تحرير فلسطين ومقدساتها التي تضع العرب والمسلمين امام مسؤولياتهم التاريخية ليمدوها باسباب القوة المادية والمعنوية.
*- اطلقت السلفية الفلسطينية عملية طوفان الاقصى وتداعت السلفية الشيعية لنصرتها، حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن وفصائل الحشد الشعبي والمقاومة العراقية. وهم لا يشكلون نقطة في بحر بالنسبة الى ملياري مسلم، تركوهم وحدهم في الميدان يواجهون الابادة والمجازر والتطهير العرقي، عدا عن الذين سحبوا خناجرهم ليطعنوهم في ظهورهم.وظفت امريكا اجهزة الاعلام بكل اصنافها وشيوخ الفتنة والعملاء لشيطنتهم وشددت قوى الارهاب المدعومة امريكيا وتركيا لاسقاط النظام والدولة السورية ، ودمرت كل اسلحتها وحولتها الى فريسة يتناهشها الامريكي والتركي والاسرائيلي وهيئة تحرير الشام الارهابية وزعيمها الجولاني على راس السلطة.وحدها المقاومة في الميدان التي نزعت الروح القتالية والمعنوية لجيش الكيان وانهكته حتى صارت استعادتها شبه مستحيلة ، وصارت مسالة وجود الكيان على كل لسان في المجتمع الصهيوني.
نعم لقد انتصرنا على المستوى العسكري نصرا تكتيكيا وهو بحاجة الى انتصارات متتالية ومتراكمة حتى يتحول الى نصر استراتيجي تنخرط في انجازه كل طاقات الامة.
هل قوى المقاومة مؤهلة لانجاز هذا المشروع؟
هل يملك جمهورها وبيئتها المفاهيم والادوات المعرفية
والعلمية لرفد المقاومة؟
لماذا احجم بل امتنع العرب والمسلمون عن تقديم العون والمساندة؟
هل يعتبر مسلمو العالم ان النضال في فلسطين فرض كفاية وليس واجب على كل مسلم؟
ما زلنا نناضل ونضحي منذ اكثر من قرن يا مسلمين وانتم تتسترون خلف الحديث النبوي(( لا تزال طائفة من امتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم الا ما اصابهم من لأواء حتى ياتيهم امر الله وهم كذلك قالوا يا رسول الله واين هم قال ببيت المقدس واكناف بيت المقدس )). الذي يكيل لنا المديح. انتم تكيلون لنا المديح ولكنكم تتهربون وتديرون ظهوركم.
انتم الذين يولون الادبار خوفا وجزعا وهلعا ولا تلتزمون لا بالايات ولا الاحاديث التي تحض على الجهاد دفاعا عن الدين والارض والعرض فما او...... .
*-نعود الى الاسئلة المطروحة ونقول ان قيادة المقاومة وجمهورها وبيئتها تشكلت مفاهيمهم ومقاربتهم وسلوكهم كما بقية الامة في اطار الثقافة العربية الاسلامية وما افرزته من مدارك لفهم العالم الموضوعي في زمانها وتعاملت معها على انها حقائق مثبتة علميا.لم يخرج العقل العربي من ماضيه التليد فهو يتلذذ ويستمرئ الايمان بالاساطير والاعاجيب والمعجزات وخوارق العادات ويتداولها بانها حقائق اجمع عليها السلف ويحرم مجرد وضعها تحت المجهر لمعرفة مدى اتساقها مع المنطق والعقل السليم.وكَاَنَّ الله امرنا بان العلم يتوقف عند ما اقره السلف.ويشتد التعنت عندما تكون هذه الاعاجيب والاساطير لها علاقة بالدين والصحابة.فاذا ابتعدنا ونأينا بجانبنا عنها رُمينا بالطعن في التراث وتحقيره، وهذه تهم يسارع المحسوبين على الاسلام بتوجيهها لكل من يكتب بمنهج يخالف الطريقة الدوغماتية التي تيبَّسَت عقولهم عليها فلا تفرز سواها.
ان اعلام المقاومة وخطابات قياداتها وجمهورها ما زال في اطار ما افرزه الماضي من مدركات وحقول معرفة .
ما ان توقفت الحرب حتى ساد ت الحيرة والارتباك وفوضى المواقف داخل القيادة والجمهور.ليس هناك موقف محدد تجاه
ما العمل وما هو المطلوب في اليوم التالي؟حتى النظام الرسمي العربي ليس لديه تصور عن اليوم التالي.وقد اختل توازنه نتيجة سيطرة الارهاب على سورية وسياسات ترامب التي لا تقيم وزنا للانظمة العربية.
هذه الانظمة هي نَبْتُ ما زرعت من الوهم وما حشدت من الواهمين
لن تتحرر هذه الامة ما دامت تخشى وترتعد وتخاف من الحداثة.
فالحداثة هي المسار الاجباري للحرية والتحرر.
مهندس/ زياد ابو الرجا.
المصدر: موقع إضاءات الإخباري