يعتقد بعض العلماء أن الصخور المعدنية المتكتلة في أعمق وأحلك مناطق المحيط يمكن أن تنتج الأكسجين في غياب ضوء الشمس؟ لكن آخرين يشككون في هذه الفرضية التي تُفيد بإنتاج ما يُسمى "الأكسجين المظلم" في الأعماق المظلمة لقاع المحيط.
هذا الاكتشاف، الذي نُشر تفاصيله في يوليو الماضي بمجلة "نيتشر جيوساينس"، أثار تساؤلات حول الافتراضات طويلة الأمد حول أصول الحياة على الأرض، وأطلق نقاشاً علمياً حاداً، كما أن لهذا الاكتشاف تداعيات مهمة على شركات التعدين التي تتطلع لاستخراج المعادن الثمينة الموجودة في هذه العقد متعددة المعادن.
أشار الباحثون إلى أن العقد المعدنية، التي تشبه البطاطس في حجمها، قد تكون قادرة على توليد تيار كهربائي كافٍ لتقسيم مياه البحر إلى هيدروجين وأكسجين، عبر عملية تُعرف بالتحليل الكهربائي.
عقد معدنية في قاع البحر
تم اكتشاف منطقة كثيفة بالعقد المنغنيزية على عمق حوالي 5500 متر في المنطقة الاقتصادية الخالصة لليابان، بالقرب من جزيرة ميناميتوريشيما التي تقع على بعد حوالي 1850 كيلومتراً جنوب طوكيو.
هذا الاكتشاف يضع علامة استفهام حول الرأي السائد منذ فترة طويلة بأن الحياة أصبحت ممكنة عندما بدأت الكائنات الحية بإنتاج الأكسجين عبر عملية التمثيل الضوئي، التي تتطلب ضوء الشمس، منذ حوالي 2.7 مليار سنة.
وقالت الجمعية الاسكتلندية لعلوم البحر في بيان صحفي مصاحب لنشر البحث: "هذا الاكتشاف في أعماق المحيط يتحدى فهمنا لأصول الحياة."
نظام بيئي هش
أكد نشطاء البيئة أن وجود "الأكسجين المظلم" يظهر مدى ضآلة معرفتنا بالحياة في هذه الأعماق القصوى، ويعزز حججهم بأن تعدين قاع البحر يشكل مخاطر بيئية غير مقبولة.
وقالت منظمة "غرينبيس" البيئية: "لطالما قمنا بحملات لوقف تعدين قاع البحر في المحيط الهادئ بسبب الأضرار التي قد يلحقها بالنظم البيئية الهشة في الأعماق، هذا الاكتشاف المذهل يؤكد إلحاحية هذا النداء."
حياة في قاع البحر
قنفذ البحر العميق Plesiodiadema globulosum أحد أكثر اللافقاريات انتشاراً في منطقة شمال شرق المحيط الهادئ، والذي تم العثور عليه في منطقة كلاريون-كليبرتون.
تم الاكتشاف في منطقة كلاريون-كليبرتون، وهي منطقة شاسعة تحت الماء في المحيط الهادئ بين المكسيك وهاواي، وتثير اهتماماً متزايداً من شركات التعدين.
تنتشر على قاع البحر، على عمق أربعة كيلومترات (2.5 ميل)، عقد متعددة المعادن تحتوي على المنغنيز والنيكل والكوبالت، وهي معادن تُستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية وتقنيات أخرى منخفضة الكربون.
تمويل بحثي مثير للجدل
البحث الذي أدى إلى اكتشاف "الأكسجين المظلم" تم تمويله جزئياً من قبل شركة كندية لتعدين قاع البحر، وهي "ذا ميتالز كومباني"، التي أرادت تقييم الأثر البيئي لمثل هذه الاستكشافات.
وقد انتقدت الشركة بشدة دراسة عالم البيئة البحرية أندرو سويتمان وفريقه، واصفة إياها بأنها "تعاني من عيوب منهجية".
وقال مايكل كلارك، مدير البيئة في الشركة، لوكالة فرانس برس: "النتائج تُعزى بشكل أكثر منطقية إلى سوء التقنية العلمية وضعف المنهجية، وليس إلى ظاهرة لم تُلاحظ من قبل."
شكوك علمية
أثارت نتائج سويتمان جدلاً واسعاً، حيث أعرب العديد في المجتمع العلمي عن تحفظاتهم أو رفضهم للاستنتاجات.
منذ يوليو، تم تقديم خمس أوراق بحثية أكاديمية تدحض نتائج سويتمان للمراجعة والنشر.
وقال ماتياس هايكل، عالم الجيوكيمياء الحيوية في مركز "جيومار هلمهولتز" لأبحاث المحيطات في كيل بألمانيا: "لم يقدم دليلاً واضحاً على ملاحظاته وفرضيته، العديد من الأسئلة لا تزال قائمة بعد النشر. لذا، يحتاج المجتمع العلمي الآن إلى إجراء تجارب مماثلة لإثبات أو دحض هذه الفرضية."
وأضاف أوليفييه روسو، الباحث في الجيوكيمياء في معهد "إيفرمير" الفرنسي لعلوم وتكنولوجيا المحيطات، لوكالة فرانس برس: "لا يوجد إجماع على هذه النتائج على الإطلاق."
وأشار إلى أن أخذ العينات من أعماق المحيط يمثل دائماً تحدياً، وأن الأكسجين المكتشف قد يكون "فقاعات هواء محتجزة" في أجهزة القياس. كما أعرب عن شكوكه حول قدرة العقد العميقة، التي يبلغ عمرها عشرات الملايين من السنين، على توليد تيار كهربائي كافٍ، قائلاً: "البطاريات تنفد بسرعة، فكيف يمكن الحفاظ على القدرة على توليد تيار كهربائي في عقدة تتشكل ببطء شديد؟"
عند الاتصال به من قبل وكالة فرانس برس، أشار سويتمان إلى أنه يستعد لإعداد رد رسمي. وقال: "هذا النوع من النقاشات شائع جداً في الأبحاث العلمية، وهو يساهم في تطوير الموضوع."


