كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة الرور في ألمانيا عن تفاصيل جديدة حول بنية الماء فائق الحرج، وهي حالة فريدة يتصرف فيها الماء مثل السائل والغاز في نفس الوقت، تحدث هذه الحالة فقط تحت ظروف قاسية: درجات حرارة أعلى من 374°C وضغوط أعلى من 221 بار.  

تفنيد النظرية السابقة

كانت هناك نظرية طويلة الأمد تشير إلى أن جزيئات الماء في هذه الحالة تشكل تجمعات متماسكة بواسطة روابط هيدروجينية، ومع ذلك نجح فريق جامعة الرور في تفنيد هذه الفكرة باستخدام مزيج من التحليل الطيفي بالتراهرتز والمحاكاة الجزيئية الديناميكية، نُشرت نتائج الدراسة في 14 مارس 2025 في مجلة "Science Advances".  

أهمية الماء فائق الحرج

يمكن العثور على الماء فائق الحرج في الطبيعة، مثل المناطق المحيطة بالفتحات الحرارية المائية في أعماق المحيطات المعروفة باسم "المدخنات السوداء"، حيث توجد ضغوط وحرارة عالية، يمكن أن يساعد فهم البنية الجزيئية لهذه الحالة العلماء في تفسير العمليات الكيميائية التي تحدث في هذه البيئات.  

قال دومينيك ماركس، الباحث المشارك في الدراسة: "فهم بنية الماء فائق الحرج يمكن أن يساعدنا في تفسير العمليات الكيميائية بالقرب من المدخنات السوداء، بسبب خصائصه الفريدة، يُعتبر الماء فائق الحرج مذيبًا 'أخضر' للتفاعلات الكيميائية، حيث إنه صديق للبيئة وفي نفس الوقت شديد التفاعل".  

التحديات التقنية

لتحسين استخدام الماء فائق الحرج، كان من الضروري فهم العمليات الداخلية لهذه الحالة بشكل أكثر تفصيلاً، استخدم فريق مارتينا هافينيث تقنية التحليل الطيفي بالتراهرتز لتحقيق هذا الهدف، بينما يمكن استخدام طرق تحليل طيفي أخرى لدراسة الروابط الهيدروجينية داخل الجزيئات، فإن التحليل الطيفي بالتراهرتز يتحسس بشكل حساس للروابط الهيدروجينية بين الجزيئات، مما يسمح باكتشاف تكوين التجمعات في الماء فائق الحرج، إذا كانت موجودة.  

تصميم خلية عالية الضغط

قالت مارتينا هافينيث: "كان تطبيق هذه الطريقة على الماء فائق الحرج تحديًا كبيرًا في التجارب العملية، نحتاج إلى خلايا عالية الضغط بقطر أكبر بعشر مرات للتحليل الطيفي بالتراهرتز مقارنة بأي نطاق طيفي آخر، لأننا نعمل مع أطوال موجية أطول". أثناء عملها على أطروحة الدكتوراه، قضت كاتيا ماولشاجن ساعات لا حصر لها في تصميم وبناء خلية جديدة مناسبة وتحسينها لتحمل الضغط ودرجة الحرارة القاسية على الرغم من حجمها الكبير.

في النهاية، تمكن الباحثون من تسجيل بيانات من الماء الذي كان على وشك الدخول في الحالة فائقة الحرج، وكذلك من الحالة فائقة الحرج نفسها، بينما اختلفت أطياف الترا هرتز للماء السائل والغازي بشكل كبير، كانت أطياف الماء فائق الحرج والحالة الغازية متطابقة تقريبا، هذا يثبت أن جزيئات الماء تشكل عددا قليلاً جدا من الروابط الهيدروجينية في الحالة فائقة الحرج، كما هو الحال في الحالة الغازية.  

قال جيرهارد شواب: "هذا يعني أنه لا توجد تجمعات جزيئية في الماء فائق الحرج".  

تأكيد المحاكاة الجزيئية

توصل فيليب شينباين، عضو فريق دومينيك ماركس، إلى نفس النتيجة بعد حساب العمليات في الماء فائق الحرج باستخدام محاكاة جزيئية ديناميكية معقدة، كما هو الحال في التجربة، كان لا بد من التغلب على عدة عقبات، مثل تحديد الموقع الدقيق للنقطة الحرجة للماء في المختبر الافتراضي.  

روابط عابرة

أظهرت المحاكاة أن جزيئين من الماء في الحالة فائقة الحرج يبقان قريبين من بعضهما لفترة قصيرة فقط قبل أن ينفصلا. على عكس الروابط الهيدروجينية، فإن الروابط بين ذرات الهيدروجين والأكسجين لا تتمتع باتجاه مفضل، وهي خاصية رئيسية للروابط الهيدروجينية. يدور اتجاه الرابطة بين الهيدروجين والأكسجين بشكل دائم.  

قال فيليب شينباين: "الروابط الموجودة في هذه الحالة قصيرة العمر للغاية: أقصر بمئة مرة من الرابطة الهيدروجينية في الماء السائل"، تطابقت نتائج المحاكاة مع البيانات التجريبية بشكل مثالي، مما يوفر الآن صورة جزيئية مفصلة لديناميكيات بنية الماء في الحالة فائقة الحرج.