المفاوضات الامريكية الايرانية.
مقالات
المفاوضات الامريكية الايرانية.
م. زياد ابو الرجا
12 نيسان 2025 , 16:03 م

                

  عودا على بدء:- في النصف الثاني من القرن السادس عشر وصلت الامبراطورية العثمانية الى ذروة الافراط في التوسع والتمدد الاستراتيجي.وامتدت سيطرتها من القرم( عندما استولت على المحطات والمواقع التجارية للجنويين ) وبحر ايجة عندما فككوا ( امبراطورية البندقية ) وحتى الهلال الخصيب في عام  ١٥١٦ عندما حاصرت القوات العثمانية دمشق، وفي السنوات اللاحقة دخلوا مصر وقضوا على المماليك باستخدام المدفعية التركية.واغلقوا طريق التوابل القادم من جزر الهند.ثم تحركوا في اعالي النيل والبحر الاحمر  حتى المحيط الهندي.وواجهوا غارات البحارة البرتغاليين هناك مما جعل البحارة البرتغاليين في حالة اضطراب وقلق مستمرين لكن هذا كله لا يقاس بحالة الرعب التي ادخلتها الجيوش التركية في امارات وشعوب جنوب شرق اوروبا عندما سيطر الاتراك على بلغاريا وصربيا وسيطرت الاساطيل البحرية العثمانية على شواطيء شمال افريقيا وهددت سواحل البندقية وجنوا واسبانيا.استولى الاتراك على جزيرة قبرص عام ١٥٧٠-١٥٧١ قبل معركة ليبانتو التي هُزِمَت فيها تركيا عندما تم اغراق اسطولها والاستيلاء على ما بقي من سفنه.

رسخ العثمانيون العقيدة الرسمية والثقافة واللغة في مساحة اوسع من الامبراطورية الرومانية.وسيطروا على اقوام متعددة.كان عالم الاسلام قبل عام ١٥٠٠ متقدما على اوروبا في التكنولوجيا والثقافة، وكانت مدنه الواسعة مضاءة وفيها مجارير، وبعضها كان فيه جامعات ومكتبات وجوامع ومساجد مذهلة وغاية في الجمال.وكانوا متقدمين في علوم الرياضيات والطب ورسم الخرائط.وفي مجالات العلوم الاخرى وصناعة المدافع والطواحين المائية ومنارات الموانئ وتربية الخيول.

قام النظام العثماني بتدريب وتشكيل الجيوش الانكشارية من الشباب المسيحي في البلقان.في قمة هذا الافراط في التمدد الاستراتيجي والجيش الكبير المتمركز في وسط اوروبا والاسطول الضخم في البحر الابيض المتوسط والقوات المرابطة في شمال افريقيا وبحر ايجة وقبرص والبحر الاحمر والقوات اللازمة للحفاظ على القرم ضد القوة الروسية الصاعدة وفي الشرق الادنى ذلك الجناح الذي لم يعد هادئا عندما حصل الانشقاق الصادم والمدوي في العالم الاسلامي الذي قاده الشق الشيعي المتمركز في العراق ومن ثم بلاد فارس.متحديا بذلك الممارسات والتعاليم السنية السائدة.لم يكن باستطاعة السلطان العثماني ان يحافظ على سيطرته الا بسحق المنشقين بالعنف والقوة الغاشمة.كانت المملكة الصفوية في فارس تحت حكم عباس العظيم الشاه الصفوي الخامس ١٥٨٨ - ١٦٢٩ وكانت على استعداد لعقد تحالفات مع الدول الاوروبية ضد العثمانيين.

تطلب بقاء الامبراطورية العثمانية على قمة التمدد الاستراتيجي تطورا اقتصاديا يقوم على تنمية مصادر الانتاج وخلق الثروة والموارد المالية لتسليح الجيوش وتحديثها.وهذا ما عجزت عن توفيره وكان ذلك بداية انحطاط( Decline ) الامبراطوية العثمانية.وكذلك كان مصير الامبراطورية البريطانية بعد الحرب العالمبة الثانية ولذات الاسباب. .

* في سبعينيات القرن الماضي ٦ تشرين الاول/ اكتوبر ١٩٧٣ شنت مصر وسورية الحرب التحريكية، وفي ١٩٧١ تم اخراج الفصائل الفسطينية من الاردن، اقدم الرئيس المصري المؤمن انور السادات على توقيع اتفاقية كامب ديفيدفي ١٧ ايلول/ سبتمبر ١٩٧٨ وخرجت مصر من الصراع العربي - الاسرائيلي.دخل العالم العربي والاسلامي السني المذهب في حالةتساكن هادئ مع الكيان الصهيوني .وصار لامريكا ركيزة استراتيجية رابعةذات طابع قومي بالاضافة الى الركائز الثلاث( ايران، السعودية وباكستان )ذات الطابع الاسلامي.وتوفر المسوغ والمبرر الديني والقومي للاعتراف بدولة الكيان الغاصب والتطبيع معها.

في ظل هذا الانجاز الاستراتيجي الامريكي اطاحت الثورة الاسلامية الايرانية بنظام الشاه في ١١شباط/ فبراير  ١٩٧٩ وشكلت صدمة كارثية للنظام السني العربي والاسلامي ولامريكا .حولت ايران السفارة الاسرائيلية في طهران الى سفارة فلسطين، وجعلت يوم الجمعة الاخير من شهر رمضان يوم القدس العالمي.وتبنت شعار امريكا هي الشيطان الاكبر واسرائيل غدة سرطانية يجب ازالتهامن الوجود.

في عام ١٩٧١ وقعت الحرب الهندية الباكستانية وكانت واحدة من اقصر الحروب التي خسرت فيها باكستان الجزء الشرقي المسمى باكستان الشرقيةوانشات دولة بنجلاديش على انقاضها.قدم الاتحاد السوفياتي الدعم للهند لاضعاف وزعزعة الركيزة الباكستانية.في ٢٤ كانون الاول/ ديسمبر ١٩٧٩ احتل الاتحاد السوفياتي افغانستان مهددا بذلك الركيزة الباكستانية التي تتحكم بها الطغمة العسكرية الموالية لامريكا.شهدت حقبة السبعينيات صراعا حادا على الجغرافيا السياسية لمنطقة قلب اسيا والشرق الاوسط، وانخرطت كل القوى الدولية في اللعبة الكبرى التي ابتدات تاريخيا في صحارى وواحات اسيا الوسطى اوزبكستان وافغانستان في ثلاثينيات القرن التاسع عشر.

* قامت امريكا والنظام الرسمي العربي بزج تنظيم الاخوان المسلمين الدولي وتفرعاته من المنظمات والامارات السلفية الجهادية للانخراط في الجهاد المقدس ضد جيش الالحاد الذي احتل افغانستان  ودفعت باكستان بالتنظيمات الجهادية الباكستانية والافغانية في تلك الحرب المقدسة.وظف النظام الرسمي العربي الالسنة الالاهية التي تمشي على الارض من الشيوخ الماجورين للتعبئة والحشد البشري لاستمرار حرب الجهاد ووفرت دول البترو دولار التمويل اللازم.قام النظام الرسمي العربي بتمهيد الطريق لليمين الفلسطيني الذي يقود منظمة التحرير الفلسطينية لتعجيل خطواتها بالتماهي مع سياسة الانخراط في التسوية مع الكيان الصهيوني.

دفعت امريكا بصدام حسين لشن حربه على ايران وفتحت اعتمادا بنكيا بقيمة ٨٦٠ مليون دولار على ان تتولى دول البترودولار  الاستمرارفي عملية التمويل والتسهيلات اللوجستية اللازمة لاستمرار الحرب التي دامت قرابة الثماني سنوات ( ٢٤ ايلول/ سبتمبر ١٩٨٠- ٢٠ اَب/ اغسطس ١٩٨٨ ).انسحب الجيش السوفياتي مهزوما من افغانستان في ١٥ ايار/ مايو ١٩٨٨.قام صدام حسين بغزو الكويت في ٢ اَب/ اغسطس ١٩٩٠ .قادت امريكا تحالفا دوليا وتحررت الكويت في ٢٦شباط/ فبراير ١٩٩١ بعد احتلال دام سبعة اشهر .بقي العراق بعدها تحت الحصار حتى عام ٢٠٠٣.

تفكك الاتحادالسوفياتي نتيجة شح الثروة والمال ومصادر الانتاج ودخل مرحلة الانحطاط( Decline  ) التي ادت الى تفككه.وسقط جدار برلين وتم حل حلف وارسو ، وصارت امريكا سيد العالم الاوحد بلا منازع.وخاضت حروب البلقان وتفكيك الاتحاد اليوغوسلافسي واحتلت افغانستان عام ٢٠٠١ والعراق عام ٢٠٠٣وخاضت عبر قاعدتها المتقدمة اسرائيل حرب الشرق الاوسط الجديد والفوضى الخلاقة.وضمت دول اوروبا الشرقية للاتحاد الاوروبي لاضعافه اقتصاديا والحقته بحلف الناتو الذي صار على ابواب موسكو.

لجات امريكا بعد ذلك الى تشكيل حلف عماده تركيا الاردوغانية وتنظيم الاخوان المسلمين الدولي وتشعباته من المنظمات الارهابية ، للهيمنة على العالم العربي السني والتطبيع مع الكيان الصهيوني  ومحاربة ما سمي بالهلال الشيعي وفي القلب منه ايران.و اسقاط الدول وتدمير الجيوش العربية ، وتقسيم المقسم وتجزئة المجزا.وعملت امريكا على حصار ايران ومنعها من نسج تحالفات مع اوروبا وروسيا والصين.وخلقت الازمة الاوكرانية .وصلت امريكا الى قمة التمدد والتوسع الاستراتيجي ( Strategical overextension) وصار لزاما عليها ان تحافظ على هذا الوضع الذي صار صعباوواقع الحال يقول: (( العين بصيرة والايد قصيرة ).فامريكا التي لديها تسعة اساطيل تجوب محيطات وبحار العالم وجيشها الجرار الذي لديه ما يربو على ١٢٠٠ قاعدة عسكرية داخل امريكا وخارجها وتنفق المليارات على حلفائها وعملائها المنتشرين في انحاء العالم ومنضوين في عدة منظمات مثل ال N.G.O واخواتها.باتت في وضع جعلها عاجزة عن توفير الموارد الاقتصادية والثروة اللازمة لقواتها العسكرية .وتفاقم وضعها المالي مع الارتفاع المستمر بالمديونية التي تزيد عن ثلاثين ترليون دولار وصعود التنين الصيني اقتصاديا وعسكريا .ويرافقه النزعات الاستقلالية لاقتصادات دول العالم عن الدولار الامريكي.لقد دخلت امريكا فعليا في مرحلة الانحطاط ( Decline )وهذا ما دفع الدولة العميقة الجمهورية التي يتولى الرئيس ترامب تنفيذ سياستها الى التخلي عن كثير من الالتزامات الامريكية تجاه الحلفاء والدخول في صفقات وسياسات  جديدة ومن اهمها المفاوضات مع ايران  لكسبها كحليف اقليمي وليس عدوا.ان سياسات ترامب اربكت حلفاء امريكا ومن ضمنهم دولة الكيان الغاصب.

فلننتظر ما يحمله الصيف القادم من مفاجئات

مهندس/ زياد ابو الرجا.                    .