قد يكون الذكاء الاصطناعي على وشك تحقيق قفزة نوعية بفضل دراسة جديدة تستوحي آلية عمل الذاكرة البشرية. حيث اقترح باحثون إطارا جديدا يُعرف باسم M2I (الذاكرة الآلية للذكاء)، مستوحى من الدماغ البشري، بهدف تخطي القيود الحالية التي تعاني منها النماذج الضخمة للذكاء الاصطناعي مثل ارتفاع استهلاك الطاقة، وضعف القدرة على التفكير المنطقي، وصعوبة التعلم المستمر.
يهدف هذا النهج إلى تطوير أنظمة ذكية أكثر كفاءة وقدرة على التكيّف والتعلّم، عبر تقليد الطرق التي يخزن بها الدماغ المعلومات ويسترجعها ويستنتج منها.
- النماذج الحالية: أداء مبهر لكن بحدود
رغم الأداء القوي للنماذج الكبيرة مثل ChatGPT في مجالات متعددة، إلا أنها لا تزال تواجه تحديات جوهرية، من بينها:
الاعتماد الكبير على البيانات والتدريب المكثف
استهلاك هائل للطاقة
ضعف في التفكير المنطقي المجرد
ما يُعرف بـ"النسيان الكارثي" عند مواجهة بيانات جديدة
وترى الدراسة أن هذه المشكلات تعود إلى التصميم الجذري للشبكات العصبية الاصطناعية وآلية تدريبها التي تعتمد بشكل أساسي على البيانات، دون دمج آليات الاستدلال المرتبطة بالذاكرة.
- الذاكرة الآلية وإطار M2I: نقلة مفاهيمية
من أجل تجاوز هذه التحديات، قدم الباحثون مفهوم "الذاكرة الآلية"، وهي بنية تخزين شبكية متعددة الطبقات توزّع البيانات وتُشفّرها بشكل يمكن للآلة معالجته واستدعاؤه بفعالية.
يرتكز إطار M2I على هذه البنية ويضم ثلاث وحدات أساسية:
1. وحدة التمثيل Representation
2. وحدة التعلم Learning
3. وحدة الاستدلال Reasoning
وتعمل هذه الوحدات ضمن دائرتين تفاعليتين تسمحان بتكامل العمليات، كما تتيحان تحديثًا ديناميكيًا للمعلومات وربطها عبر الزمان والمكان باستخدام تقنيات تجزئة مرنة (fuzzy hashin).
- أربعة محاور رئيسية لإطار M2I
يركز إطار M2I على أربع مجالات حاسمة:
1. آليات الذاكرة العصبية في الآلة
يتناول البحث كيفية تكوين الأنظمة العصبية في الدماغ البشري، وكيف تساهم مرونة الدماغ وتطوره في بناء الذكاء.
2. التمثيل الترابطي للمعلومات
يسعى الإطار إلى تمثيل المعلومات واستدعائها عبر الروابط والصلات كما يحدث في الذاكرة البشرية، مثل الربط بين المفاهيم المجردة والمحسوسة والارتباطات الزمكانية.
3. التعلم المستمر
لحل مشكلة النسيان الكارثي، يُقترح نموذج يسمح بتعلم مستمر حتى في ظروف استهلاك طاقة منخفضة، ما يمكن الذكاء الاصطناعي من اكتساب معرفة جديدة دون أن يفقد القديمة.
4. الاستدلال التعاوني
يهدف النموذج إلى الجمع بين آليات التفكير الحدسي (البديهي) والمنطقي، مما يعزز تفسير النتائج وفعالية أنظمة الذكاء الاصطناعي في معالجة المعطيات المعقدة.
- مستقبل الآلات الذكية: ذكاء أقرب للبشر
يحمل هذا البحث وعودا كبيرة نحو تطوير الجيل التالي من الآلات الذكية،فإذا نجح إطار M2I في محاكاة الذاكرة البشرية، فقد نرى آلات قادرة على:
التكيّف مع البيئات المتغيرة
معالجة المعلومات بطرق أكثر إنسانية
تقليل استهلاك الموارد
تعزيز دقة التعلّم والاستنتاج
ومع أن هناك حاجة لمزيد من البحث لتطبيق هذا المفهوم عمليًا، إلا أن الاتجاه نحو تقليد العقل البشري يبدو واعدا، وقد يُحدث تحولًا جذريًا في الطريقة التي نتعامل بها مع الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات.



