قد يصبح فحص صحة التربة في المستقبل القريب بسيطا بقدر سؤال البكتيريا المجاورة. فقد نجح علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في تطوير نظام استشعار مذهل يعتمد على بكتيريا معدلة وراثيا تتوهج بألوان مختلفة استجابة لعوامل مثل المغذيات أو الملوثات. ويمكن رصد هذه الألوان بواسطة طائرات مسيّرة أو أقمار صناعية مزودة بكاميرات طيفية.
- بكتيريا مهندسة تكشف الهدف … وتتوهج!
من المعروف أن البكتيريا تُستخدم على نطاق واسع كمستشعرات حيوية نظرا لقدرتها على إنتاج جزيئات عند توافر ظروف معينة، إلا أن رصد تفاعلاتها غالبًا ما يتطلب مجاهر ووقتا طويلاً، لكن التقنية الجديدة تمكّن من التقاط استجابة البكتيريا من خلال صورة تُلتقط بطائرة مسيّرة خلال 30 ثانية فقط.
الابتكار يتمثل في نظام يجعل البكتيريا تتوهج بأطوال موجية محددة من الضوء عند اكتشاف جزيء معين، ما يتيح مراقبة واسعة وسريعة ودقيقة للحالة البيئية للتربة.
- ألوان التوهج ... بين الخطر والفائدة
التقنية مصممة بحيث يمكن تعديلها لاكتشاف أي مركب كيميائي أو ميكروبي، سواء كان مفيدا أو ضارا. على سبيل المثال، يمكن استخدام نوعين مختلفين من البكتيريا لجعل الحقول تتوهج باللون الأحمر عند وجود ملوثات، وباللون الأخضر عند توافر مغذيات بكميات كبيرة.
كما أوضح البروفيسور كريستوفر فويت، المهندس البيولوجي في MIT
"قد تستجيب هذه البكتيريا للمعادن أو الإشعاع أو السموم في التربة، أو حتى للعناصر الغذائية، اعتمادًا على البرمجة التي نحددها لها."
- من المجهر إلى السماء: الرؤية بالطيف الكامل
قام الفريق باستخدام كاميرات طيفية متطورة موضوعة على طائرات مسيّرة أو مبانٍ مرتفعة لرصد التربة التي تحتوي على البكتيريا المهندسة، وقد تميزت العينات المستهدفة بإشارات توهج أقوى بـ12 مرة من العينات الضابطة، واستُشعرت من مسافة تصل إلى 90 مترا.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التوهج غير مرئي للعين المجردة، بل يتم التقاطه من خلال كاميرات قادرة على تحليل مئات الأطوال الموجية من الضوء المرئي وتحت الأحمر، مما يتيح كشف تغييرات لونية دقيقة جدا لا يمكن للأجهزة العادية ولا للعين البشرية ملاحظتها.
- اختيار الألوان المناسبة ... من خلال محاكاة كمومية
لجعل البكتيريا تتوهج بشكل مثالي، أجرى العلماء محاكاة كمومية شملت أكثر من 20,000 مركب أيضي لاختيار أفضل المواد التي يمكن رصدها بسهولة. وفي النهاية، استقروا على صبغتين واعدتين:
البيلوفيردين: صبغة تعطي الكدمات لونا أخضر باهتا.
البكتيريوكلوروفيل: صبغة تستخدمها بعض الميكروبات للتمثيل الضوئي.
تم تعديل بكتيريا التربة Pseudomonas putida لإنتاج البيلوفيردين، في حين زُوِّدت بكتيريا مائية تُدعى Rubrivivax gelatinosus بقدرة على إنتاج البكتيريوكلوروفيل. وتم توصيل هذه المواد بصمامات استشعار جينية تتيح استجابة مرئية عند اكتشاف أنواع أخرى من البكتيريا أو الملوثات أو العناصر الغذائية.
- اختبارات ميدانية واعدة ... واهتمام عسكري
في التجارب، وُضعت عينات من التربة أو الرمل داخل صناديق مفتوحة، مع أقراص مخفية تحتوي على الهدف. وتمكنت الكاميرات من رصد إشارات قوية من الصناديق المستهدفة، مما أثبت فعالية النظام عمليًا.
وقد تم تمويل هذه الأبحاث من قبل وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الدفاع الإسرائيلية، ما يشير إلى اهتمام عسكري بهذه التكنولوجيا البيئية المتقدمة.
وأكد الباحث يوناتان شيملا من MIT أن التكنولوجيا مرنة للغاية، ويمكن استخدامها مع أي نوع من المستشعرات تقريبًا، قائلاً:
"الميزة الأجمل في هذه التقنية أنها تسمح لك بتوصيل أي مستشعر تريده، فهي قابلة للتخصيص بالكامل."
- نحو زراعة ذكية ومستدامة ... بلون الطبيعة
رغم الحاجة إلى تنظيمات واضحة حول الأمان البيئي لهذه التكنولوجيا، يرى العلماء أن مستقبل مراقبة التربة بات أكثر إشراقًا (وحرفيا ... توهجا!). فالبكتيريا كـ "حراس بيئيين" تمتلك قدرات فريدة:
يمكن نشرها على مساحات واسعة
تستجيب لإشارات دقيقة
لا تحتاج إلى طاقة كهربائية
قابلة للرصد في النهار وأماكن متعددة، من الأراضي المفتوحة إلى المناطق الحضرية
وهكذا، فإن ما كان يتطلب أدوات معقدة أصبح قابلاً للرؤية بكاميرا ولقطة واحدة من السماء.


