كشفت جامعة كارنيغي ميلون عن إنجاز علمي بالغ الأهمية في مجال الطب الحيوي، يتمثل في تطوير أول نظام نسيجي فيزيولوجي دقيق يعتمد بالكامل على بروتين الكولاجين، باستخدام تقنية الطباعة الحيوية FRESH ثلاثية الأبعاد. يمثل هذا الاختراع خطوة واعدة نحو إيجاد علاجات متقدمة وفعالة لمرض السكري من النوع الأول.
- الكولاجين: أكثر من مجرد مكوّن جمالي
يُعرف الكولاجين بارتباطه بصحة البشرة، إلا أن أهميته البيولوجية تتجاوز ذلك بكثير. فهو البروتين الأكثر وفرة في جسم الإنسان، ويمثل الدعامة الأساسية للأنسجة والأعضاء المختلفة. هذا ما دفع باحثي مختبر "فاينبرغ" بجامعة كارنيغي ميلون إلى استغلاله في بناء نماذج نسيجية تحاكي الأعضاء الحيوية بدقة مذهلة.
- قنية FRESH: طباعة أنسجة حيوية حقيقية
ابتكر الفريق البحثي تقنية FRESH (الطباعة الحرة المعلقة للهلاميات) التي تتيح طباعة خلايا حية وأنسجة رخوة بدقة عالية. وباستخدامها، تم إنشاء نموذج بيولوجي متكامل لأنسجة بنكرياسية مصنوعة بالكامل من الكولاجين، مما يوفر بيئة أكثر واقعية لدراسة الأمراض وتطوير العلاجات، وعلى رأسها السكري من النوع الأول.
- تفوق بيولوجي على النماذج الاصطناعية
تقليديا، تُصنع نماذج الأنسجة المصغرة باستخدام مواد صناعية مثل السيليكون أو البلاستيك، لكنها تعجز عن محاكاة البيئة الخلوية الطبيعية. أما باستخدام الكولاجين وخلايا حية، فيمكن الآن بناء أنظمة دقيقة تشبه الأنسجة الحقيقية في الوظيفة والبنية. صرّح البروفيسور آدم فاينبرغ:"يمكننا الآن بناء أنظمة ميكروفلويدية بيولوجية بالكامل بخلايا وبروتينات وكولاجين، ما يجعل الخلايا تؤدي وظائفها بشكل أفضل بكثير."
- بناء أنسجة وعائية معقدة تحاكي البنكرياس
في دراسة حديثة نُشرت بمجلة Science Advances، أوضح الباحثون كيف استخدموا تقنية FRESH لتصنيع أنسجة وعائية متقدمة تشبه البنكرياس البشري. هذه الأنسجة قادرة على إفراز الإنسولين استجابةً لمستويات الجلوكوز، متفوقة على نماذج الأعضاء المصغّرة التقليدية.
الدكتور دانيال شيوارسكي، الأستاذ المساعد في جامعة بيتسبرغ، أوضح: "ابتكرنا أنظمة CHIPS مصنوعة من الكولاجين وقابلة للنفاذ، بتصاميم تتجاوز دقة أي تقنية طباعة حيوية معروفة حتى الآن."
- من المختبر إلى التجارب السريرية
تُجري شركة FluidForm Bio، وهي شركة ناشئة منبثقة عن جامعة كارنيغي ميلون، تجارب على الحيوانات باستخدام هذا النسيج البنكياسي الحيوي، وحققت نجاحا مبدئيا في علاج السكري من النوع الأول. وتخطط الشركة لإطلاق تجارب سريرية على البشر خلال السنوات القادمة، تحت إشراف الدكتور أندرو هادسون، مدير قسم علاجات الأنسجة بالشركة.
- أهمية التعاون العلمي والتوجه المستقبلي.
أكد البروفيسور فاينبرغ على أن هذا التقدم العلمي لم يكن ممكنًا لولا التعاون متعدد التخصصات بين خبراء في الأحياء والمواد والهندسة. وأوضح أن المرحلة القادمة ستركز على دمج تقنيات الطباعة الحيوية مع النمذجة الحاسوبية والذكاء الاصطناعي لفهم أفضل لما يجب طباعته لعلاج أمراض مختلفة بكفاءة أكبر.
وأضاف فاينبرغ: "السؤال لم يعد: هل يمكننا بناء هذه الأنسجة؟ بل أصبح: ما الذي يجب أن نبنيه؟"
- منصة مفتوحة لمستقبل الطب الحيوي
تعهد الفريق البحثي بمشاركة التصاميم والتقنيات الخاصة بهم كمصدر مفتوح لتمكين الباحثين حول العالم من تبنّي هذه المنهجية وتطويرها لعلاج أمراض وأعضاء أخرى، هذا الإنجاز يمثل خطوة نوعية نحو مستقبل تُبنى فيه الأنسجة المعقدة والمزودة بأوعية دموية بطريقة أكثر واقعية وفعالية.