بحيرة ناترون الدموية في شمال تنزانيا
منوعات
بحيرة ناترون الدموية في شمال تنزانيا
9 حزيران 2025 , 13:08 م

في قلب شمال تنزانيا، تقبع واحدة من أغرب وأشد البيئات الطبيعية قسوة على كوكب الأرض: بحيرة ناترون، وهي بحيرة "صودا" قلوية مغطاة بلون أحمر دموي، تمتاز بتركيبتها الكيميائية الفريدة التي تجعل مياهها قريبة في قاعديتها من محلول الأمونيا، حيث يبلغ رقمها الهيدروجيني (pH) نحو 10.5، مما يجعلها قاتلة لغالبية الكائنات الحية.
- مياه قاتلة تحفظ الكائنات كأنها "تماثيل حجرية"
تركيبة بحيرة ناترون الكيميائية تُعد غير صالحة للحياة بالنسبة لمعظم الكائنات الحية، فهي تحتوي على تركيزات عالية من كربونات الصوديوم وكربونات الكالسيوم، بالإضافة إلى أملاح ومعادن أخرى تتدفق إلى البحيرة من التلال المجاورة وعبر الينابيع الساخنة النشطة جيولوجيا، ومما يجعلها أكثر غرابة هو أنها لا تتصل بأي نهر أو بحر، مما يجعل تركيز المواد الكيميائية فيها ثابتا طوال العام.
عندما تموت الطيور أو الحيوانات على شواطئها، فإن أجسادها تتحنط طبيعيا بسبب الأملاح العالية، فتبدو كأنها تحولت إلى "تماثيل حجرية"، وهي ظاهرة جذبت أنظار العالم بعد أن وثقها المصور نيك براندت عام 2013 في كتابه الشهير "Across the Ravaged Land".
- موطن حيوي لفلامنغو لا يعرف الخوف
رغم طبيعة البحيرة القاتلة، إلا أن بعض الكائنات تكيفت للبقاء فيها، مثل الفلامنغو القزم (Phoeniconaias minor)، الذي يُعد بحيرة ناترون موقع التكاثر الأهم له في العالم، حيث يفقس فيها نحو 75% من مجمل عدد هذه الطيور على مستوى العالم، والذي يتراوح بين 1.5 إلى 2.5 مليون طائر في شرق إفريقيا، حسب هيئة إدارة الحياة البرية التنزانية.
يتميز الفلامنغو القزم بساقيه المغطاة بالجلد السميك والقشور التي تحميه من التآكل بفعل المياه القلوية، ويبني أعشاشه على الجزر الطينية التي تتشكل خلال موسم الجفاف، مستفيدا من الظروف البيئية القاسية التي تُبعد عنه معظم المفترسات.
- حرارة حارقة وألوان متغيرة
تبلغ حرارة مياه بحيرة ناترون خلال فترات الحر الشديد نحو 60 درجة مئوية، رغم أن عمقها لا يتجاوز 0.5 متر واتساعها يبلغ حوالي 15 كيلومترا، ومع تقلب المناخ، يتغير حجم البحيرة، مما يفتح المجال لازدهار أنواع معينة من الميكروبات المحبة للملح مثل "هالوأركيا" والبكتيريا الزرقاء، والتي تضيف للبحيرة لونها الأحمر المميز، كما تُعد هذه الكائنات المصدر الغذائي الأساسي للفلامنغو، وتمنحه لونه الوردي المميز.
- محيط متنوع الحياة رغم الخطر
بعيدا عن مركز البحيرة، تزدهر الحياة في المناطق المحيطة مثل المستنقعات المالحة والسهول الرطبة العذبة، حيث تتواجد أنواع متعددة من الطيور مثل النسر السمّاك والحمام البري، إضافة إلى طيور الفلامنغو الكبير، البجع، النعام، الجاموس والنو، مما يجعل النظام البيئي المحيط ببحيرة ناترون غنيا ومتنوعا رغم التحديات البيئية القاسية.
- ظاهرة طبيعية مدهشة تستحق الدراسة
تجمع بحيرة ناترون بين السحر والجمال والخطر، وهي نموذج فريد للتفاعل بين الجيولوجيا البركانية والكيمياء والبيئة الحيوية، وجودها على امتداد صدع شرق إفريقيا يجعلها عرضة للتغيرات الجيولوجية، ما يزيد من ثرائها العلمي ويجعلها مقصدا للباحثين والمصورين والمستكشفين على حد سواء.

المصدر: مجلة Live Science