بقلم: الإعلامية اليمنية بدور الديلمي
صحفية وباحثة في الشؤون السياسية والإقليمية
في العاشر من محرم، يتوقف الزمن عند كربلاء... لا فقط بكاءً على استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، بل استدعاءً دائمًا للثورة على الظلم، وفضح الطغيان، والوقوف في وجه صمت التاريخ.
لكن، بينما نُحيي ذكرى كربلاء، يُذبح الحسين من جديد في فلسطين، بأشكال مختلفة: قصفٌ على حضن أم، قنصٌ لطفل، تجويعٌ تحت الحصار، وصمتٌ عالمي لا يختلف عن صمت الأمة حين تُرك الحسين وحيدًا.
---
من كربلاء إلى غزة... الطغاة يتكررون، والصمت ذاته
لم يكن يزيد بن معاوية مجرّد حاكم، بل رمزًا لتحويل الخلافة إلى ملكٍ عضوض، يحكم بالدم، ويصادر الحق باسم الدين.
والإمام الحسين خرج ليرفض هذا الانحدار، رغم يقينه بأن النتيجة ستكون الشهادة.
اليوم، العدو الصهيوني يقتل الأطفال في فلسطين باسم "الدفاع عن النفس"، ويصادر أرضهم باسم "وعد إلهي"، وسط تواطؤ عالمي عربي إسلامي لا يقل فظاعة عن تخلّي الأمة عن الحسين.
> فهل تغير المشهد؟
أم أن الحسين يُذبح اليوم في جسد كل طفل فلسطيني، يُترك يصرخ تحت الأنقاض بلا مجيب؟
---
أطفال فلسطين... صغار كربلاء في وجه يزيد العصر
في كربلاء، كان علي الأكبر، القاسم بن الحسن، وعبد الله الرضيع... وجوه أطفال نُحرت برماح السطوة.
وفي غزة، هناك ليان، جود، أحمد، وآلاف الوجوه الصغيرة، الذين لم تمنحهم الأمة قطرة ماء، ولا لحظة أمن، ولا حتى صوتًا حرًا.
قُتل عبد الله الرضيع وهو في حضن أبيه...
وقُتلت الطفلة سارة وهي في حضن أمها تحت الأنقاض.
الفرق؟ لا فرق.
القاتل هو ذاته، وإن اختلفت الأسماء: يزيد قديمًا، ونتنياهو اليوم، والسكوت هو ذاته سكوت الخذلان.
---
لماذا ربط عاشوراء بفلسطين؟
لأن الحسين لم يمت ليُبكى عليه فقط، بل ليُتبع طريقه.
ولأن كربلاء لم تكن قضية طائفة أو مذهب، بل صرخة في وجه كل طاغية، في أي زمان.
حين تحاصر إسرائيل غزة وتمنع الدواء والماء عن الأطفال، تُعيد مشهد قطع الماء عن الحسين وأهل بيته.
وحين تُمنع قوافل الإغاثة إلى رفح، تُذكّرنا بقافلة زينب وهي تُساق سبية من كربلاء إلى الكوفة.
> فما جدوى إحياء عاشوراء إن لم تُنطق كلمتنا في وجه الطغاة؟
وما قيمة دم الحسين إذا سكتنا عن دم أطفال فلسطين؟
---
رسالة الحسين اليوم: لا تساوم على دم الحق
الإمام الحسين عليه السلام رفض أن يبايع الظلم، حتى لو أدى ذلك إلى مقتله وقتل أطفاله وأهله.
واليوم، تتكرر القصة:
تساوم دول عربية على دماء الفلسطينيين مقابل "صفقات سلام".
وتُشيطن المقاومة كما شيطنوا الحسين بأنه "خارجي".
ويُقتل الأطفال كما قُتل الرضيع، تحت راية زائفة من "الشرعية" و"السيادة".
---
خاتمة: عاشوراء ليست طقسًا، بل موقفًا
عاشوراء لا تنتهي في العاشر من محرم... إنها ثورة أبدية ضد كل باطل، وضد كل نظام يحكم بالسيف والفتوى المدفوعة.
> إن كنت مع الحسين، فلا تصمت عن غزة.
وإن كنت تحب زينب، فلا تغضّ الطرف عن صراخ أطفال رفح.
وإن كنت ترفع راية كربلاء، فارفع صوتك ضد كل يزيد العصر، أكان جنديًا صهيونيًا، أم حاكمًا خاذلًا.
في عاشوراء، نكتب الدم بالحبر، ونوقظ الضمير بكلمات لا تُشترى.



