المعركة الأخيرة ضد داء الكلب.. كيف أنقذ لويس باستور طفلا من الموت وغير تاريخ الطب
منوعات
المعركة الأخيرة ضد داء الكلب.. كيف أنقذ لويس باستور طفلا من الموت وغير تاريخ الطب
8 تموز 2025 , 13:07 م

كان داء الكلب (السعار) حتى القرن التاسع عشر يُعد مرضا عضالا لا نجاة منه إذا وصل الفيروس إلى الجهاز العصبي المركزي، المصاب كان يواجه موتا بطيئا مصحوبا بآلام عصبية شديدة نتيجة شلل الجهاز التنفسي.
- طفل صغير وكلب مسعور
في الرابع من يوليو عام 1885، تعرّض طفل فرنسي يُدعى جوزيف مايستر، يبلغ من العمر تسعة أعوام، لهجوم شرس من كلب مسعور في منطقة الألزاس الفرنسية، الكلب عضّه أربع عشرة مرة في يديه وساقيه وفخذيه، مما جعله غير قادر على المشي.
- محاولة محلية لإنقاذ الطفل
قام طبيب محلي بمحاولة إنقاذ الطفل من خلال معالجة الجروح باستخدام حمض الكاربوليك (الفينول)، وهي طريقة مؤلمة كان يُعتقد حينها أنها تُسهم في منع انتقال الفيروس، لكن حالة الطفل كانت خطيرة، فاقترح الطبيب على والدة الطفل التوجه إلى باريس لمقابلة العالم لويس باستور، الذي كان يُجري أبحاثا متقدمة على لقاح لداء الكلب.
- تحدي باستور: العلم في مواجهة القانون
رغم أن لويس باستور لم يكن طبيبا مرخّصا، فقد وافق على علاج الطفل بعد استشارة اثنين من الأطباء الفرنسيين المعروفين آنذاك: ألفريد فولبيان وجاك جوزيف غرانشر، اللذين أكدا أن الطفل سيموت حتما ما لم يتدخلوا.
بدأ باستور العلاج بعد مرور 60 ساعة على العضة، مستخدما لقاحا تجريبيا طوّره من فيروس السعار المضعّف المستخرج من النخاع الشوكي المجفف لأرانب مصابة.
- 13 حقنة على مدار 10 أيام: بروتوكول علاجي ثوري
أعطى باستور الطفل سلسلة من 13 حقنة على مدى عشرة أيام، تحتوي كل جرعة على فيروسات أضعف تدريجيا إلى أن وصلت إلى سلالة قوية كانت قادرة على إحداث المرض في غير المُلقحين ولضمان السلامة اختبر باستور كل دفعة من الجرعات على أرانب قبل إعطائها للطفل.
المعجزة حدثت: لم تظهر أي أعراض لداء الكلب على جوزيف خلال فترة العلاج أو بعدها، مما أكد فعالية اللقاح وخلّد هذا الطفل في التاريخ كأول ناجٍ من داء الكلب.
- الجدل والتأييد: بداية عصر جديد
رغم نجاح العلاج، تعرض باستور لانتقادات حادة لإجرائه علاجًا غير مرخّص به ولقيامه بمخاطرة غير مسبوقة. ومع ذلك، تشير بعض السجلات إلى أنه ربما اختبر اللقاح سرا على رجل يبلغ من العمر 61 عامًا نجا أيضا، وطفلة تبلغ 11 عاما توفيت لاحقا، إلا أن هذين الحادثين لم يُؤكدا رسميا.
- تأثير عالمي: من إنقاذ حياة إلى إنشاء المعاهد
أدى نجاح علاج جوزيف مايستر إلى تأسيس معهد باستور في باريس عام 1887، والذي أصبح مركزا عالميا للأبحاث الطبية والعلاج. كما شجّعت هذه القصة على افتتاح مراكز مماثلة لعلاج داء الكلب في مدن مثل نيويورك، ساو باولو، بودابست وغيرها، بتمويل من تبرعات عالمية.
جوزيف مايستر نفسه أصبح جزءًا من المعهد، حيث عمل فيه أكثر من خمسين عاما حتى وفاته.
- النهاية المأساوية للبطل الناجي
رغم بدايته الملحمية، كانت نهاية جوزيف مايستر مأساوية. ففي الرابع والعشرين من يونيو عام 1940، أثناء الاحتلال النازي لباريس، انتحر جوزيف بعد أن ظنّ خطأً أن زوجته وبناته قُتلن على يد القوات النازية، المفارقة أن عائلته عادت إلى المنزل بسلام بعد ساعات من وفاته.
قصة جوزيف مايستر ولويس باستور تمثل نقطة تحول في تاريخ الطب الحديث، لم يكن الأمر مجرد علاج لطفل، بل فتح بابا واسعا أمام اللقاحات والتجارب العلمية، وأسهم في إنقاذ أرواح لا تُحصى حول العالم حتى يومنا هذا.

المصدر: روسيا اليوم