تصبح أسماك القرش الشرسة عاجزة تماما عن الحركة عندما تُقلب رأساً على عقب، فتدخل في حالة تُعرف بـ"الشلل التوتري" أو الشلل التونسي المؤقت (Tonic Immobility). لكن ما الغرض من هذه الظاهرة الغريبة؟ وهل لها دور تطوري محدد؟
حالة تشبه التنويم المغناطيسي
يصف جويل غايفورد، طالب دكتوراه في علم البيئة البحرية بجامعة جيمس كوك في أستراليا، هذه الحالة بأنها "أقرب ما يمكن لتنويم سمكة قرش مغناطيسياً"، ويضيف في حديثه لموقع Live Science عبر البريد الإلكتروني: "تتوقف السمكة عن السباحة تماما، ولا يبقى سوى حركة تنفسية بطيئة ومنتظمة."
تأثيرات فيزيولوجية شاملة
خلال هذه الحالة، تنخفض استجابة سمكة القرش للمؤثرات الحسية، كما يتباطأ معدل ضربات القلب وضغط الدم، وتقل حساسيتها للألم (تأثير مسكن)، وفقا للباحث أبراهام ميراندا-بايز من منظمة Pelagios Kakunjá المكسيكية، المختصة بحماية أسماك القرش وشيطان البحر.
كيف يتم تحفيز الحالة؟
تشمل الأنواع التي تدخل هذه الحالة: القرش الأبيض الكبير (Carcharodon carcharias)، قرش الليمون (Negaprion brevirostris)، وقرش النمر الرملي (Carcharias taurus).
وتُحفَّز هذه الاستجابة عادةً عبر قلب السمكة على ظهرها، أو بلمس منطقة الأنف المليئة بالمستقبلات الكهربائية المعروفة باسم حويصلات لورينزيني، كما أوضحت جوليان موريس، مؤسسة منظمة Sharks4Kids في فلوريدا.
أداة مفيدة للعلماء
بالنسبة للباحثين، تُمثّل هذه الحالة فرصة ذهبية لإجراء الأبحاث دون التسبب بضرر أو ضغط على الحيوان، تقول موريس: "يمكننا إجراء شق صغير وزرع شريحة صوتية بأمان وإنسانية، دون الحاجة لمعدات خاصة، تتم العملية بسرعة، ثم يُعاد القرش إلى وضعه الطبيعي."
تفسير تطوري محيّر
لكن، لم تتطور هذه الظاهرة من أجل راحة الباحثين، فما فائدتها البيولوجية؟
تشير إحدى الدراسات المنشورة عام 2023 في مجلة Environmental Biology of Fishes إلى أن الشلل التوتري قد يكون آلية للدفاع السلبي، أو للمغازلة، أو للحماية من التحفيز الحسي الزائد.
ويقول ميراندا-بايز، أحد مؤلفي الدراسة: "الرأي السائد بين العلماء هو أن هذه الحالة تُعد استجابة دفاعية سلبية."
تمثيل الموت في مملكة الحيوان
تلجأ بعض الحيوانات إلى "تمثيل الموت" كآلية دفاعية، مثل ثعابين النرد أو نمل النار، بل وتستخدمها إناث اليعاسيب وضفادع أوروبا الشائعة لتجنب التزاوج.
لكن بالنسبة لأسماك القرش، يشكك بعض الباحثين في فاعلية هذه الاستراتيجية، يقول غايفورد:
"معظم مفترسي أسماك القرش لا يتأثرون بمخلوق ساكن."
بل على العكس، تستخدم الحيتان القاتلة (الأوركا) هذا الضعف لصالحها، إذ تقوم بقلب أسماك القرش وشلّها مؤقتا لتلتهم أكبادها الغنية بالمغذيات.
دورها في التكاثر
تشير موريس إلى أن بعض أسماك القرش تدخل في هذه الحالة أثناء التزاوج، إذ يقوم الذكر بقلب الأنثى، فتصاب بالشلل المؤقت، ولكن بما أن الذكور أنفسهم يتأثرون بهذه الظاهرة، فهذا التفسير لا يكفي لتوضيح وجودها.
في دراسة نُشرت عام 2025 في مجلة Reviews in Fish Biology and Fisheries، رجّح الباحثون أن الشلل التوتري لا يحمل فائدة حالية، بل ربما يكون "أثراً تطوريا منقرضا".
يقول غايفورد، أحد مؤلفي الدراسة:
"وجدنا أن هذه الظاهرة قد فُقدت بشكل مستقل عدة مرات عبر تاريخ تطور أسماك القرش والشفنين."
ويشير إلى أن الأنواع الصغيرة التي تعيش بين الشعاب المرجانية وتتنقل في الأماكن الضيقة تخلت عن هذه الآلية لأنها قد تصبح مميتة إذا علقت السمكة في مكان ما.
حتى اللحظة، لا يملك العلماء تفسيرا نهائيا لوظيفة هذه الظاهرة.
تختم موريس بالقول: "توجد العديد من النظريات، لكن لا توجد واحدة مدعومة بالكامل أو مفهومة تماما.