٣٠/٧/٢٠٢٥
كتب الدكتور ميخائيل عوَض:
١
تَعُجُّ وسائطُ التواصُل الإعلامية بالحديثِ عن مخطّطٍ لتهجيرِ الشيعةِ من لبنان، خاصّةً بعلبك والجنوب، وذلك عبر أحدِ سيناريوهين.
الأوّلُ: عملية إسرائيليّة عاصفة لتدميرِ ما بقيَ من أبنيةٍ ومؤسساتٍ عبر الذراعِ الطويلةِ، لا باجتياحٍ بريٍّ، فالاجتياحُ البريُّ حلمُ ليلةِ صيفٍ وتهويلٌ لا أحد يُصدّقُه، فالعاجزُ في غزّةَ، وجرّبَ في الحافةِ الأماميةِ، وجيشُهُ مُنهَكٌ، وجنودُهُ وضبّاطُهُ ينتحرونَ ويتمرّدونَ، لن يفعلَها ولو كان أحمقَ ومغامرًا.
الثاني؛ سحبُ السلاحِ، وإقصاءُ شيعةِ المقاومةِ من الدولةِ وأجهزتِها، والامتناعُ عن إعادةِ الإعمارِ، وتأزيمُ الخدماتِ، ثم تشغيلُ الإرهابِ ومجموعاتِه بالاغتيالاتِ والتفجيراتِ، بالتساندِ مع استمرارِ إسرائيلَ بعمليّاتِها وزيادةِ مناسيبِها.
٢
على الورقِ، وفي الأذهانِ، وعلى الشاشاتِ، وعند الغباءِ البشريِّ، يستطيعُ الذكاءُ الاصطناعيُّ وضعَ الخططِ والسيناريوهاتِ، لكنه يحتاجُ إلى حمقى وأغبياءَ من البشرِ لاختبارِ فرصِ نحرِ لبنانَ والانتحارِ.
٣
مسألةُ الأقلياتِ في الشرقِ وفي لبنانَ حاضرةٌ منذ البدءِ ومستمرةٌ، وبإزائِها، في مرحلةِ الفوضى الجاريةِ، يستدرجُ الأمريكيُّ مشاريعَ للبناءِ عليها.
الأُردوغانيُّ، كي لا نقولَ التركيَّ، متحمّسٌ لإنهاءِ وجودِ الأقلياتِ، وهذا مشروعُهُ منذ عثمانيتِه البائدةِ، وفعلَ الكثيرَ من المجازرِ بحقِّ الأرمنِ والسريانِ والكلدانِ، وحفّزَ بل فعلَها في الساحلِ وجبالِ العلويينَ منذ أشهرٍ، وسعى لفعلِها في جبلِ العربِ مع الموحدينَ العربِ الدروزِ.
الإرهابُ، بكلِّ مسمّياتِه وفصائلِه، يعملُ بأمرةِ أردوغانَ، الممنوحِ فرصةَ اختبارِ مشروعِه نظرًا لتصفيةِ الأقلياتِ بالمجازرِ والقتلِ والتهجيرِ، وفعلَ كثيرًا في العراقِ وسوريةَ – كتابُ إدارةِ التوحّشِ، وكُتيّبُ الوثيقةِ الاستراتيجيةِ.
نتنياهو، وهو الطرفُ الثالثُ، يُراهنُ على كسبِ الأقلياتِ للمتاجرةِ بها، والتظاهرِ بحمايتِها، ليحلَّ أزمةَ الكيانِ التأسيسيةِ والبنيويةِ المُحقَّقةِ بنقصِ العددِ البشريِّ، لتأمينِ مشروعِهُ لإسرائيلَ اليهوديةِ والكبرى، وللشرقِ الأوسطِ الإسرائيليِّ الأمريكيِّ، لهذا تصادَمَ مع مشروعِ أردوغانَ والإرهابِ الأسودِ في السويداءِ.
٤
بكلِّ الأحوالِ، ما هو قائمٌ وجارٍ انتقاليٌّ وفوضى لم ولن ترسو على تشكيلاتٍ وهياكلَ ثابتةٍ ومُتينةٍ، والفوضى عالميةٌ وستتسارعُ.
وفي الواقعِ وتجاربِه، ليس كلُّ ما يُخطّطُ يُنفَّذُ، وكثيرًا من الذي أُعلِنَ وشغلَ العقولَ وأرهَبَ القلوبَ وملأَ الفضاءاتِ، لم يكن إلّا فبركاتٍ وكلامًا هوائيًّا، ومثالُ صفقةِ القرنِ، وقناةِ بن غوريون، وممرِّ داوود، أمثلةٌ معاشَةٌ.
فليس كلُّ ما يشغلُ الإعلامَ حقيقيًّا أو منطقيًّا أو له أصلٌ وإمكانيةٌ للإنفاذِ.
٥
فدونَ تهجيرِ الشيعةِ، واستحالةِ تحقيقِه، عناصرُ ماديةٌ قاهرةٌ لا يمكنُ تجاوزُها، منها تركيبُ لبنانَ التاريخيُّ، فقد كانَ واستمرَّ ملاذًا للأقلياتِ المضطهدةِ، واستُهدِفَت فيه، وانكسرتْ حملاتُ الاستهدافِ، وكانت في ظروفِها أعتى وأشدَّ.
الشيعةُ عمومًا، وفي لبنانَ، وفي الأزمنةِ الجاريةِ، عناصرُ قوّةٍ لا يملكُها أحدٌ ولا تُقهَرُ.
كتلةٌ شعبيةٌ منظّمةٌ، متراصّةٌ، عقائديةٌ، تدفعُ أبناءَها وقادتَها للاستشهادِ بفرحٍ وابتسامةٍ.
يُمثّلونَ خطَّ التماسِ الوطنيَّ والقوميَّ والاجتماعيَّ، وعمودَ وحدةِ واستقرارِ لبنانَ، وفي الظرفِ الجاري، سرُّهُ وصمغُهُ اللاصقُ وسببُ بقائِه.
قادرونَ على زجِّ مئاتِ آلافِ الاستشهاديينَ من الرجالِ، ناهيكَ عن النساءِ المؤهّلاتِ والمتحمّساتِ.
لخمسةٍ وأربعينَ سنةً قاتلوا ببسالةٍ، وهزموا إسرائيلَ، والنظامَ الرسميَّ العربيَّ والإسلاميَّ، والعالمَ الأنجلوساكسونيَّ، وشاركوا من البوسنةِ والهرسكِ إلى اليمنِ والعراقِ وسوريةَ، وحيثُ اقتضتِ الحروبُ والمسارحُ، ويعودُ لهم أكبرُ الفضلِ في توفيرِ شروطٍ وفرصِ تمكينِ المقاومةِ في فلسطينَ والحوثيينَ، والتسبُّبِ بخروجِ ظاهرةِ ترمب، وصعودِ أوراسيا، ولولا قتالُهم، وإعجازُ لوبي العولمةِ في الإقليمِ، لما كانَ العالمُ على عتبةِ ولادةِ عالمٍ جديدٍ، ولكانَ مشروعُ القرنِ الأمريكيِّ تحقّقَ.
هل تَذْكُرون؟؟
٦
يُمثّلُ الشيعةُ العامودَ الثالثَ في تركيبِ لبنانَ، ومنذ تسعيناتِ القرنِ المنصرمِ، دُرّتُهُ وقوتُهُ، وأمّنوا مئاتِ الملياراتِ لتمويلِه، وأمّنوا الكيانَ والنظامَ والسّلمَ الأهليَّ.
لا يقبلونَ المساومةَ، ويدورونَ الزوايا، وكعادتِهم، وبطبيعةِ الشيعيةِ، وخاصةً الحوزةُ الصامتةُ، يصبرونَ، ويُراهنونَ على الزمنِ، أما إذا وُضِعوا على المقصلةِ، فيُضطرّونَ لتفعيلِ عناصرِ قوتِهم، ويحسمون. هل تَذْكُرونَ قصةَ الاتصالاتِ و٨ أيار ٢٠٠٨؟
٧
فقط تستطيعُ المؤامرةُ سحقَهم وتهجيرَهم، إنْ هم سلّموا السلاحَ، وشتّتوا الرجالَ، وقدّموا أعناقَهم للسيوفِ، وظهورَهم للخناجرِ المسمومةِ، وبطونَ بناتِهم وأمهاتِهم وأخواتِهم الحواملِ للبقرِ والحرقِ...
هل من العقلِ أنهم سيفعلونها، وهم يعرفونَ ومتثبّتونَ مما أُعدَّ لهم؟
هل هم على السذاجةِ، وإنكارِ الواقعِ، ولم يتعلّموا، ولم ينظروا إلى ما هو جارٍ للمسيحيينَ والعلويينَ والدروزِ؟
حقًّا، من يُروّجُ لمذبحةٍ وتهجيرِ الشيعةِ، وتفكيكِ لبنانَ وإزالتِه من الوجودِ، هو إمّا أهبَلُ، أو ساهٍ، أو مُروّجٌ عن وعيٍ وإدراكٍ للأكاذيبِ والترّهاتِ والأوهامِ.
*زارعُ الريحِ لن يَحْصُدَ إلّا العاصفةَ.*
لمتابعة كل جديد الاشتراك بقناة الأجمل آت مع ميخائيل عوض على الرابط
https://youtube.com/channel/UCobZkbbxpvRjeIGXATr2biQ?si=Hx31PqK2w_FYqsxb