تعود جذور الصحافة الحديثة إلى انتشار الطباعة في أوروبا في القرن السادس عشر، حين بدأت النشرات الأولى بنقل أخبار التجارة والعلاقات بين المدن. ومع تطور أدوات الطباعة وارتفاع نسب القراءة، تحولت هذه النشرات إلى صحف يومية احترافية، لتصبح في القرن التاسع عشر القوة الإعلامية الأكثر تأثيراً في رسم الوعي العام.
وفي الولايات المتحدة، برزت الصحافة الجماهيرية كقوة رئيسية قادرة على التأثير في السياسة والرأي العام، وصولاً إلى بروز ظاهرة ستغيّر تاريخ الإعلام: الصحافة الصفراء .
أصل المصطلح: صراع بوليتزر وهيرست
نشأ مصطلح “الصحافة الصفراء” بين عامي 1895 و1898 نتيجة منافسة شرسة بين صحيفتي:
• New York World لجوزيف بوليتزر
• New York Journal لويليام راندولف هيرست
بدأت الصحيفتان باستخدام أساليب جذب غير مسبوقة، مثل العناوين المثيرة، القصص العاطفية، والرسوم الكاريكاتورية الملونة. وكانت أبرز هذه الرسوم شخصية فكاهية شهيرة تُسمّى “The Yellow Kid” أو “الولد الأصفر”.
بعد انتقال رسام الشخصية من صحيفة بوليتزر إلى صحيفة هيرست، اشتعلت المنافسة بين الطرفين، وبدأ النقّاد بوصف هذا النمط الإعلامي باسم:
Yellow Journalism – الصحافة الصفراء
في إشارة إلى الأسلوب الذي يعتمد على الإثارة المبالغ فيها، تضخيم الأحداث، وسباق جذب القرّاء، أكثر من اعتماده على الدقة والتحقق.
تعريف الصحافة الصفراء
وفق الأدبيات الإعلامية الحديثة، يُقصد بالصحافة الصفراء:
أسلوب صحفي يعتمد الإثارة والعناوين الصادمة والمبالغة، مع إضعاف واضح لمعايير الدقة والموضوعية.
ورغم ارتباطه بنهاية القرن التاسع عشر، إلا أن مفهومه لا يزال يُستخدم لوصف نماذج إعلامية معاصرة.
من التأثير التاريخي إلى الحضور المعاصر
كان للصحافة الصفراء تأثير واضح على تطور أساليب العرض الصحفي، إذ دفعت الصحف إلى استخدام العناوين الجذابة، الرسوم التوضيحية، الصور، وقصص الحياة اليومية، وهي أدوات أصبحت أساس العمل الصحفي لاحقاً.
لكن التطور الأهم يكمن في انتقال هذه الظاهرة من الصحافة الورقية إلى الإعلام الرقمي، إذ يرى خبراء الإعلام أن ما عرفه القرن التاسع عشر باسم “الصحافة الصفراء” قد ارتدى شكلاً جديداً اليوم على الإنترنت.
الصحافة الصفراء اليوم … بملابس رقمية
رغم مرور أكثر من قرن على ظهورها، يؤكد الباحثون أن الصحافة الصفراء لم تختفِ، بل تغيّر شكلها فقط. فقد تحولت في العصر الرقمي إلى:
• عناوين Clickbait لجذب أكبر عدد من النقرات
• قصص مثيرة غير دقيقة أو مبالغ فيها
• إعادة تدوير أخبار غير مؤكدة
• التركيز على الصدمة بدلاً من المعلومات
• صناعة فضائح لجذب التفاعل على وسائل التواصل
ويتفق خبراء الإعلام على أن هذه الظاهرة تتكرر كلما اشتدت المنافسة على الجمهور، سواء في الصحف القديمة أو في المنصات الرقمية الحديثة.